اللاعنف... استراتيجية فلسطينية جديدة

نشر في 24-04-2022
آخر تحديث 24-04-2022 | 00:08
أتفهم أن الغضب الفلسطيني حقيقي وله مسوغاته، لكن الانتقام ليس استراتيجية، وقد يشعر البعض بالرضا اللحظي، لكن التاريخ أثبت أنه بسبب احتكار المحتل للقوة، فإنه يرد بشكل غير متناسب، مما يؤدي إلى خسارة مئات الأرواح مقابل كل شخص فقده من صفوفه، والعنف يولد المزيد من العنف.
 جيمس زغبي تدور أحداث دراما مروعة ومأساوية في جميع أنحاء إسرائيل وفلسطين، تمثل رقصة موت يندمج فيها الإسرائيليون والفلسطينيون كل في أداء طريقته الخاصة من العنف المدمر، وإذا كان هناك ما نتعلمه من هذا الصراع فهو أن العنف الفلسطيني لم ينه الاحتلال الإسرائيلي أو قمعه، كما لم ينه المزيد من القمع أو العنف الإسرائيلي مقاومة الفلسطينيين للاحتلال، فإذا كانت هناك أيضاً نتيجة من هذا فإنها تشير إلى أن العنف قد أنتج العكس.

لقد اشتد الاحتلال وأصبحت السياسة الإسرائيلية متشددة لدرجة أنه من المستحيل تخيل ائتلاف حاكم يميل إلى إنصاف الفلسطينيين، مما أدى إلى تقوية الميول الفلسطينية، وعززت التيارات المتطرفة، ودفعت إلى أعمال عنف نابعة من اليأس، لكن هذه الدراما استمرت، ولم يستفد كلا الجانبين منها دروسا أو سلوكيات مما يتجلى في المخاوف المتبادلة، ومما يمهد الطريق لجولة أخرى من الغضب والانتقام والعنف، وأثناء الانتفاضة الثانية، حذرت من أن العنف طريقه مسدود، بالمعنى الحرفي للكلمة، ولذا هناك حاجة إلى استراتيجية جديدة، لتحديد هدف ثم تطوير نهج لتحقيقه.

كنت أتفهم أن الغضب الفلسطيني حقيقي وله مسوغاته، لكن الانتقام ليس استراتيجية، وقد يشعر البعض بالرضا اللحظي، لكن التاريخ أثبت أنه بسبب احتكار المحتل للقوة، فإنه يرد بشكل غير متناسب، مما يؤدي إلى خسارة مئات الأرواح مقابل كل شخص فقده من صفوفه، والعنف يولد المزيد من العنف، وحين لا تحقق إجراءاتُك هدفَك، فإن هذه الإجراءات لا تشكل استراتيجية، وحينذاك، أشرت أيضاً إلى أن القيادة الفلسطينية ليس لديها أيضاً استراتيجية يمكن تحديد معالمها.

والدعوات إلى إصدار قرار جديد من الأمم المتحدة لن تقدم حلاً أبداً لأن الولايات المتحدة، لأسباب تتعلق بالسياسة الداخلية، ستعرقله، وكان الاعتماد على الاتحاد الأوروبي بلا جدوى أيضاً لأنه كان ضعيفاً وغير حاسم وغير قادر على التصرف بشكل مستقل، فالروس والصينيون و«عدم الانحياز» قد يصدرون قرارات تندد بالاحتلال، والمطالبات بتحقيق القانون الدولي أو «الشرعية» تصبح جوفاء مع عدم وجود آلية تنفيذ.

والانتقام ليس استراتيجية، وليس استراتيجية أيضاً الشكوى من الظلم أو صدور قرارات غير قابلة للتطبيق، ولن تتغير إسرائيل من تلقاء نفسها ولا الولايات المتحدة أو الأمم المتحدة، لذا يجب على الفلسطينيين تحديد ما يمكنهم تغييره ووضع مسار لإحداث هذا التغيير، فهذا هو تعريف الاستراتيجية، لاحظ مارتن لوثر كينع ذات مرة أنه عند مواجهة طرف أكثر قوة، يجب على المرء ألا يلجأ إطلاقاً للقوة، بل يحول قوة هذا الطرف إلى نقطة ضعف.

وما اقترحه كينغ حينذاك ثم اقترحه ثانية هو حملة مقاومة جماهيرية غير عنيفة، وتخيلوا قوة تقدم مسيرة سلمية تضم عشرات الآلاف من الفلسطينيين غير متسلحين بالحجارة نحو القدس وهم يرددون «دعوا شعبنا يصلي»، أو مسيرة من مخيمات اللاجئين تردد «دعوا شعبنا يعود إلى الديار». لقد جرب الفلسطينيون هذا النهج من قبل، كما حدث في الأقصى في يوليو 2017، على سبيل المثال، وتوجد أمثلة غير عنيفة في جميع أنحاء فلسطين بشكل أسبوعي، ويتطلب الأمر من القيادة الفلسطينية العمل على إبراز هذه الاستراتيجية الجديدة وفرض الانضباط اللازم للسيطرة على أي عنف يأتي بنتائج عكسية.

ولنفكر في كيف ستجري الأمور، حيث سيحاول الإسرائيليون إثارة العنف ويقومون بمزيد من الاعتقالات، لكن إذا استمر اللاعنف، سيضعهم هذا في مأزق لن تتمكن أي قوة عسكرية أو حملات للدعاية الإسرائيلية من التغلب عليه، فلن يستطيع الإسرائيليون ادعاء أنهم ضحية ولن يستطيعوا هزيمة جمهور انتخابي فلسطيني قوي، وسيكون لمثل هذه الحملة تأثير يؤدي إلى تغيرات في السياسة الإسرائيلية والأميركية، وهذه هي قوة اللاعنف، فإنه يقلب الموائد ويقوي الضعيف والمضطهد، واللاعنف صعب بلا شك، لكن يجب تجربته لأن ما تم تجربته حتى الآن لم يجد نفعا، وهناك حاجة ماسة إلى نهج جديد.

* رئيس المعهد العربي الأميركي في واشنطن.

جيمس زغبي

back to top