يوسف شعبان... نجم الدراما المصرية (1-6)

بطل «دماء على ستار الكعبة» يمثل أمام الشيخ الشعراوي

نشر في 24-04-2022
آخر تحديث 24-04-2022 | 00:05
دخل الفنان المصري يوسف شعبان عالم التمثيل، وبات من نجوم الصف الأول في السينما والمسرح والدراما التلفزيونية، وحقّق حضوراً متميزاً على مدار أكثر من نصف قرن، وترأس نقابة الممثلين المصريين دورتين متتاليتين من عام 1997 إلى 2003، وظل في ذروة عطائه ممثلاً متعدد الأقنعة، حتى إصابته بـ «كورونا» ورحيله في 28 فيراير 2021.

كان شعبان أحد أشهر الفنانين الذين عرفتهم الساحة الفنية و«أيقونة فنية لا تتكرر» كما يصفه زملاؤه، ونجم الدراما المصرية، وصاحب الصوت المميز، والأكثر جاذبية في عصره، فضلاً عن حياته الحافلة بالأحداث والمفاجآت، وشخصيته المثيرة للجدل ومواهبه المتعددة.

نجح خلال مشواره الفني الطويل، في بناء جسور من الثقة والاحترام المتبادل بينه وبين جمهوره العربي، من خلال تقديم أعمال فنية تجمع بين الإبداع الفني والمضمون الجيد، ومنها «الشهد والدموع» و«الوتد» و«المال والبنون» على شاشة التلفزيون. وفى السينما قدَّم أعمالاً متميزة منها «ميرامار» و«الرصاصة لا تزال في جيبي» و«الخائنة» و«معبودة الجماهير» و«كشف المستور» و«قضية سميحة بدران»، وفيما يلي تفاصيل الحلقة الأولى:

على الرغم من تقديمه أعمالاً فنية مهمة، ضم أرشيف الفنان يوسف شعبان أعمالاً دون المستوى، وأخرى أثارت الجدل، وتعرَّض بسببها لموجات من النقد والهجوم،

لا سيما دوره في فيلم “حمَّام الملاطيلي”، ولكنه بكبرياء الفنان رفض التبرؤ منها، واعتبرها جزءاً من مشواره السينمائي.

بدأ شعبان مشواره الفني، بدور صغير في فيلم “في بيتنا رجل” عام 1961، قصة الكاتب إحسان عبدالقدوس، وإخراج هنري بركات، وبطولة عمر الشريف ورشدي أباظة وحسن يوسف وزبيدة ثروت وحسين رياض وزهرة العلا، وتوفيق الدقن، واختير هذا الشريط السينمائي ضمن أهم مئة فيلم في تاريخ السينما المصرية.

واستطاع شعبان أن يلحق بقطار النجومية في بداياته السينمائية، وواجه منافسة شرسة من نجوم فترة الستينيات، وكان بعضهم يغري المنتجين بتخفيض أجره، حتى لا تذهب أدوار البطولة إلى هذا النجم الصاعد، بسبب حضوره المتفرد على الشاشة، وقدرته على تجسيد شخصيات متباينة، وتمرده على نمطية أدوار الفتى الأول.

وفي فترة الستينيات بلغت السينما المصرية أوج قمتها، بسبب وجود مخرجين كبار مثل حسن الإمام وصلاح أبوسيف ويوسف شاهين وكمال الشيخ وعاطف سالم، وكتَّاب كبار أيضاً مثل علي الزرقاني، ونجيب محفوظ، وإحسان عبدالقدوس ويوسف السباعي، وعرضت الكثير من الأفلام الجيدة، وبرز العديد من المواهب الشابة، منهم يوسف شعبان وصلاح قابيل وعادل أدهم وعزت العلايلي.

وكان النجم الصاعد على موعد مع أهم أفلام السينما المصرية، سواء في أدوار البطولة الجماعية أو الفردية، وسطعت موهبته كممثل يجيد تقمص شخصيات متباينة، ونال تقدير الجمهور والنقاد على حد سواء، وتوالت أعماله السينمائية التي تجاوزت 133 فيلماً.

وواجه شعبان صعوبات كثيرة خلال مشواره الفني الطويل، بل إن اسمه لم يتصدّر “أفيشات” و”تترات” الكثير من أعماله، ومع هذا لم يشعر بأنه ليس نجماً كبيراً، بل إن بعض النقاد طالبوا برد اعتبار هذا النجم الكبير، وأن يهتم المنتجون بموهبته المتفردة، ويمنحوه بطولات أفلام سينمائية، أسوة بنجوم الستينيات مثل أحمد رمزي وحسن يوسف ورشدي أباظة وشكري سرحان وغيرهم.

وارتضي شعبان أن يشارك في البطولات الجماعية، من دون أن يكترث بتصدر اسمه الملصقات الدعائية للأفلام، ورغم ذلك كان حضوره لافتاً لدى جمهور الشاشة الكبيرة، ووضعه في مصاف النجوم الكبار طوال مشواره الفني، ولكن المعايير السائدة لدى بعض المنتجين والموزعين، حالت دون حصوله على بطولات مطلقة في السينما.

وتمتع يوسف بقناعات فنية وفكرية وإدراك جيد لدهاليز صناعة الفيلم السينمائي، ورفض أن ينضم إلى موجة أفلام المقاولات التي راجت في حقبة التسعينيات، واختار أن يحترم وعي الجمهور، وكرّس اهتمامه لدوره كفنان صاحب رسالة من دون الالتفات إلى لعبة التوزيع والإنتاج، وكان دائماً محقاً، فالجمهور وضعه نجماً بالدرجة الأولى، والجمهور بطبيعته لا يلتفت إلى “التتر”، بل ربما ينشغل بأمر ما حتى يبدأ العمل، فهو لا يهمه اسم من جاء أولاً، بل يهمه من نجح في إمتاعه وإقناعه.

الرسم والتمثيل

بدأت رحلة يوسف شعبان بمولده في حي شبرا بالقاهرة يوم 16 يوليو 1931، وكان والده مصمم إعلانات مشهوراً في شركة “إيجيبشيان غازيت” وطمح أن يحصل ابنه على أرقى الشهادات العلمية، فألحقه بمدرسة الإسماعيلية، وهناك تلقى تعليمه الأساسي، وانتقل إلى مدرسة التوفيقية الثانوية، وظهر تفوقه في مادة الرسم، وقرر الانتساب إلى كلية الفنون الجميلة ولكن عائلته رفضت بشدة وخيّرته بين كلية البوليس ليلتحق بأبناء أخواله، أو الكلية الحربية ليلتحق بأبناء عمومته، أو يدرس في كلية الحقوق.

وتلاشت أحلام الرسّام في دراسة الفن التشكيلي، واستقرت به الحال في كلية الحقوق بجامعة عين شمس، وهناك تعرَّف إلى أصدقاء عمره الفنان كرم مطاوع والممثل والصحافي سعيد عبدالغني والكاتب إبراهيم نافع رئيس تحرير جريدة الأهرام ونقيب الصحافيين الأسبق. وقرّر بناء على نصيحة مطاوع والفنان حمدي غيث الالتحاق بفريق التمثيل في الكلية، ثم قدّم أوراق اعتماده في المعهد العالي للفنون المسرحية.

وواجه شعبان ضغط الدراسة في الكلية والمعهد، وقرّر التركيز في دراسة المسرح، وسحب أوراقه من كلية الحقوق وهو في السنة الثالثة، وتخرج في المعهد العالي للفنون المسرحية عام 1962، وجرفه التيار نحو عالم الأضواء والشهرة، كواحد من أفراد جيل زاوج بين الموهبة والدراسة، وأثبت حضوره في الساحة الفنية عقوداً طويلة.

مسرح التلفزيون

التحق يوسف شعبان بمسرح التلفزيون في عام تخرجه، وكانت بداية هذا المسرح مع إنشاء التلفزيون المصرى عام 1960، لاستيعاب خريجي المعهد العالي للفنون المسرحية، وملء ساعات الإرسال، وفي عام 1962 تم إنشاء ثلاث فرق مسرحية بمسرح التلفزيون هي “النهضة” و”الحرية” و”السلام”، وانضمت لها في 1963 “الكوميدية” و”الشعب” و”النصر” و”التحرير”.

ووقع اختيار المخرج نور الدمرداش على يوسف شعبان، وأشركه في بطولة مسرحية “الطريق المسدود” قصة إحسان عبدالقدوس، التي سبق تقديمها في فيلم سينمائي عام 1958، إخراج صلاح أبو سيف، وبطولة فاتن حمامة وأحمد مظهر وفردوس محمد وزوزو ماضي وتوفيق الدقن.

وعُرِضَت “الطريق المسدود” عام 1967، وجسَّد يوسف شعبان دور “الكاتب أحمد” الذي قدمه في السينما الفنان أحمد مظهر، وتعد تلك المسرحية من الأعمال التي اندثرت من أرشيف التلفزيون المصري. ثم قدم شعبان مع المخرح نور الدمرداش عدة مسرحيات أهمها “شيء في صدري” للكاتب إحسان عبدالقدوس، و”أرض النفاق” للكاتب يوسف السباعي.

وظل مسرح التلفزيون يقدم كل أسبوع عرضاً مسرحياً جديداً، وخلال فترة بسيطة تمكن المسرح من إنتاج أعمال نافس بها العروض التي قدمتها مسارح البيت الفني فترة طويلة، وتخرّج فيه العديد من الفنانين، الذين استقطبتهم السينما ليصبحوا نجوماً ومنهم يوسف شعبان ومحمد عوض وأمين الهنيدي وأشرف عبدالغفور.

وتوقفت تجربة شعبان مع مسرح التلفزيون عام 1970، حين تقدم باقتراح لإنشاء ست فرق مسرحية أخرى، لاستيعاب الأعداد الكبيرة من خريجي المعهد العالي للفنون المسرحية، ولكن اقتراحه قوبل بالرفض وصدر قرارٌ بإيقافه ثلاث سنوات.

وبعدها حدثت أزمة كبيرة في مسرح التلفزيون وقرروا إلغاء إيقافه، لكنه رفض العودة إليهم، وشارك في بطولة مسرحية كوميدية من إنتاج القطاع الخاص بعنوان “مطار الحب” بمشاركة الفنان الراحل عبدالمنعم مدبولي والنجمة ميرفت أمين عام 1970، ولا تزال تلك المسرحية تحقق نسبة مشاهدة عالية، حين يجري عرضها من خلال القنوات الفضائية.

رجل في القلعة

بدأت تجربة شعبان مع المسرح من خلال أعمال سبق تقديمها في أفلام سينمائية، ورغم امتلاكه مقومات الممثل المسرحي، بصوته القوي وإطلالته المميزة، فإنه ارتبط أكثر بالسينما والدراما التلفزيونية، وبعد عشر سنوات من “مطار الحب” شارك في بطولة مسرحية “عروسة تجنن” مع الفنانة إسعاد يونس ونجاح الموجي، وتأليف أحمد عفيفي وإخراج سمير العصفوري.

وتدور أحداثها في إطار كوميدي حول فتاة تُدعى نادية (إسعاد يونس) تتعرض لصدمة بسبب وفاة والدتها ويشترط خالها أن تتزوج وتتعلم حتى ترث تركتها، وذلك بسبب شغبها المستمر، ويطمع ابن عمها (يوسف شعبان) في الاستيلاء على ميراثها فيبدأ في التقرب إليها.

وفي عام 1987 شارك في مسرحية “رجل في القلعة” التي تدور أحداثها حول عهد الخديوي محمد على باشا، مؤسس مصر الحديثة، ومن إخراج سعد أردش، وتأليف محمد أبوالعلا السلاموني، وبطولة نبيل الحلفاوي وسميرة عبدالعزيز وعصام الشويخ وأحمد الناغي وسلوى محمود.

وبعد عامين التقى يوسف شعبان النجم فريد شوقي في المسرحية الكوميدية “100 مسا” إخراج السيد راضي، وشارك في البطولة هالة فاخر، حسن حسني، محمد فريد، ويعد ذلك العرض اللقاء المسرحي الأول والأخير بين وحش الشاشة ونجم الدراما المصرية، بينما تشاركا في بطولة الكثير من الأعمال السينمائية.

وكانت مسرحية “دماء على ستار الكعبة” من إخراج هاني مطاوع، وتأليف الشاعر فاروق جويدة، العمل المسرحي الوحيد الذي حضره الشيخ الراحل محمد متولي الشعراوي، بعد دعوة تلقاها من المؤلف، وقام ببطولته يوسف شعبان، ومنى حسين وإبراهيم الشامي ومحمد الشويحي ومحمد أبوالعينين ومجدي محجوب.

«باب الفتوح»

ترك الفنان يوسف شعبان بصمته الأخيرة في المسرح عام 2014، حين شارك في بطولة مسرحية “باب الفتوح” التي كتبها المؤلف المسرحي محمود دياب في نهاية الستينيات، ومنعتها الرقابة المصرية من العرض على خشبة المسرح، وظلت ممنوعة لمدة خمس سنوات كاملة، حتى أنارت المسرح القومي فى 1971، وقُدِمت في العديد من المسارح العربية.

وشهدت كواليس “باب الفتوح” احتفاء فريق العمل بالنجم يوسف شعبان صاحب المشوار الفني الطويل، وأحد نجوم العصر الذهبي للسينما والمسرح في الستينيات، واستمر التحضير للعمل على مدى عام كامل، حتى عُرضت عام 2014 من إخراج فهمي الخولي، وشارك في بطولتها محمد رياض، وفتوح أحمد وسمر جابر وعزة جمال ونسمة محمود ومصطفي طارق، وحققت نجاحاً جماهيرياً كبيراً.

كان شعبان غزير الإنتاج في السينما والدراما التلفزيونية، وحال تواجده في تلك الوسائط دون إسهامات وافرة في المسرح، ورغم صداقته العميقة مع فنانين مسرحيين مثل كرم مطاوع وحمدي غيث، فإنه كرَّس موهبته للشاشة، لكنه ترك بصمته كممثل مسرحي.

وترجع ندرة أعماله المسرحية إلى بحثه عن النص الجيد، وعدم تفضيل الكم على حساب الكيف، كما حدث في مشواره السينمائي، ورفضه للمسرح التجاري وكوميديا “الفارس”Farce ، ولذلك ثمَّن الجمهور والنقاد تجربته على خشبة المسرح، بل إن بعض أعماله صُنِفَت ضمن أهم الأعمال في تاريخ المسرح المصري.

العندليب يعترض على مشاركة شعبان في «معبودة الجماهير»
تعرض الفنان يوسف شعبان للعديد من المواقف الصعبة في بداية مشواره الفني، ومنها خلاف كبير حدث قبل بدء تصوير فيلم “معبودة الجماهير” 1967، قصة الكاتب مصطفى أمين، حين أسند إليه المخرج حلمي رفلة دوراً بارزاً في هذا الشريط السينمائي، ليقف أمام المطرب عبدالحليم حافظ والفنانة شادية وفؤاد المهندس وحسن فايق ومحمد رضا وزينات صدقي.

وفوجئ شعبان باعتراض العندليب الأسمر على مشاركته في الفيلم، وأنه غير مناسب للدور، وطالب المخرج بالبحث عن ممثل آخر، بينما تحمست له الفنانة شادية لأنهما قدما أفلاماً ناجحة معاً في السنوات السابقة، وهدّدت بترك الفيلم إذا لم يتم التعاقد مع يوسف شعبان، والأخير كان مشهوراً بخطف الكاميرا من خلال إيماءاته وإجادته التعبير بملامحه، ولكنه قرّر الانسحاب كحلٍ وسط للخلاف القائم بين النجمين الكبيرين.

ولكن ذكاء العندليب عبدالحليم حافظ كان أكبر من هذا الخلاف البسيط، واجتمعت جميع الأطراف في منزله وتم حل المشكلة ودياً ووافق على مشاركة يوسف شعبان في بطولة الفيلم، ولاحقاً أصبحا صديقين حميمين.

المفارقة أن شعبان جسَّد شخصية مخرج يعترض على إسناد دور البطولة للممثل المغمور الذي أدى دوره في الفيلم الفنان عبدالحليم حافظ، وتتابع أحداث هذا الشريط السينمائي في إطار اجتماعي، ويتناول قصة النجمة المشهورة “سهير” التي تقع في حب الممثل “إبراهيم” ويقرران الزواج، لكن مدير الفرقة يحاول تدبير المكائد لهما، فيأتي بامرأة تدّعي أنها زوجة إبراهيم، فتقرر سهير الابتعاد عن حبيبها وتخسر شهرتها الفنية، بينما يصعد نجمه ويصبح مطرباً شهيراً.

وكانت العلاقة بين شعبان وعبدالحليم طوال فترة التصوير طبيعية، ولكن بعد عرض الفيلم بسنوات، وقبيل سفر حليم إلى الخارج، لآخر مرة قبل رحيله عام 1977، فوجئ شعبان بالراحل وحيد فريد مدير التصوير، وشريك عبدالحليم في شركة “صوت الفن”، وصديقه المقرب، يتصل به، لأن حليم يريد مقابلته في منزله فوافق على الفور، وحينما ذهب إليه، وجده في حالة صحية حرجة، وتحدث معه العندليب عمّا حدث في فيلم “معبودة الجماهير”، وطلب منه أن يسامحه ولم يتمالك شعبان نفسه وقام باحتضانه، وأخبره أنه ما زال مستوعباً موقفه ولم يغضب منه يوماً.

أحمد الجمَّال

«باب الفتوح» كان ظهوره الأخير في عمل مسرحي منعته الرقابة

الممثل الشاب ودع مسرح التلفزيون بـ «مطار الحب»

المخرج بركات منحه دوراً صغيراً بفيلم «في بيتنا رجل»

النجم الصاعد دخل منافسة شرسة مع نجوم الستينيات

دوره في «حمام الملاطيلي» أثار غضب الجمهور والنقاد
back to top