القومية الهندوسية تتوسع في الهند بلا رادع

نشر في 22-04-2022
آخر تحديث 22-04-2022 | 00:00
أعمال عنف طائفية تزامنت مع مهرجان هندوسي في 10 أبريل الجاري وفي الاطار يوغي أديتياناث
أعمال عنف طائفية تزامنت مع مهرجان هندوسي في 10 أبريل الجاري وفي الاطار يوغي أديتياناث
في 25 مارس، فاز يوغي أديتياناث بولاية ثانية كرئيس وزراء ولاية "أوتار براديش" الهندية، حيث ينتمي هذا الراهب إلى "حزب بهاراتيا جاناتا" الهندوسي اليميني الأصولي، فطوال ساعتين من صباح ذلك اليوم، قرعت أجراس المعابد في أنحاء الولاية احتفالاً بهذه المناسبة، وتتماشى هذه الأجواء مع الصورة التي حرص أديتياناث على إظهارها عن نفسه، فهو وريث رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي واسم بارز في حملة "حزب بهاراتيا جاناتا" الرامية إلى تحويل الهند إلى دولة قومية هندوسية.

كان فوز أديتياناث إنجازاً لافتاً، فهو أول رئيس وزراء يُعاد انتخابه في أي ولاية في آخر ثلاثين سنة، وقد حقق الفوز رغم سوء تعامل حكومته مع أزمة كورونا، وتُسجّل الولاية معدلات وفاة مرتفعة وغير معلنة بسبب الوباء، وراحت الجثث تطفو على طول نهر الغانج لأسابيع عدة، كذلك، وجد المرضى صعوبة في التعامل مع غياب الأَسِرّة وكميات الأكسجين الكافية في المستشفيات، ومع ذلك، حصد "حزب بهاراتيا جاناتا" 255 مقعداً من أصل 403 في المجلس التشريعي المحلي، وهو رقم تجاوز توقعات الحزب بأشواط.

"أوتار براديش" هي أكبر ولاية في الهند، وفيها أكثر من 200 مليون نسمة، وتملك 80 مقعداً من أصل 543 في البرلمان الوطني، وحين اختار "حزب بهاراتيا جاناتا" أديتياناث ليكون رئيس وزراء الولاية للمرة الأولى بعد تحقيق فوز ساحق في انتخابات عام 2017، فوجئ عدد كبير من المحللين بهذا الخيار، فقد كان أديتياناث رئيس معهد هندوسي مرموق واتُّهِم بإطلاق تهديدات عنيفة ضد المسلمين، ولم يكن تطرّفه يتماشى مع التزام الحزب المعلن بالتركيز على النمو الاقتصادي.

لكن كانت تصرفات أديتياناث تشير إلى خطط الحكومة المركزية الحقيقية، فهو شارك في تضخيم أجندة مودي بكل وضوح، وفي أواخر عام 2019، مررت الهند قوانين مواطَنة جديدة، وهي تُميّز بين المسلمين والمسيحيين من جهة والمنتمين إلى ديانات هندية أصلية، لا سيما الهندوسية والسيخية والبوذية، من جهة أخرى، وقد أطلقت تلك القوانين موجة احتجاجات واسعة كونها تُهدد بانتزاع الجنسية من مئات ملايين الناس، وردّت حكومة أديتياناث المحلية عبر فرض تدابير صارمة مثل مصادرة ممتلكات المتظاهرين (عادت المحكمة العليا الهندية ومنعت هذا الشكل من العقاب). في غضون ذلك، زادت الاعتداءات ضد المسلمين في أنحاء الهند منذ وصول مودي إلى السلطة، آخرها أعمال العنف الطائفية التي تزامنت مع مهرجان هندوسي في 10 أبريل الجاري، لكن كانت هذه الموجة التصاعدية لافتة في ولاية "أوتار براديش" تحديداً، حيث أطلق أديتياناث حملة أمنية "لحفظ القانون والنظام" لكنها قتلت المسلمين عشوائياً.

اعتبر عدد كبير من المحللين إعادة انتخاب أديتياناث نتيجة لنقل الأموال النقدية والمواد الغذائية إلى الفقراء مباشرةً خلال فترة الإقفال التام في الهند، لكنه تحليل غير منطقي لأن أداء "حزب بهاراتيا جاناتا" كان الأسوأ في بعض المناطق الأكثر فقراً من الولاية، كذلك، يُعتبر فوز أديتياناث جزءاً من نزعة أوسع نطاقاً، فرغم ركود الاقتصاد الوطني، حقق "حزب بهاراتيا جاناتا" سلسلة من الانتصارات اللافتة في أنحاء البلد، بما في ذلك فوز مودي على المستوى الفدرالي في عام 2014، وإعادة انتخابه المفاجئة والساحقة في عام 2019، ومجموعة انتصارات أخرى في الولايات (تحقق جزء كبير منها في أماكن لم ينجح فيها القوميون الهندوس يوماً). كذلك، فاز "حزب بهاراتيا جاناتا" بخمسة استحقاقات في الولايات من أصل ستة خلال شهرَي فبراير ومارس.

يبدو السر الكامن وراء انتصارات الحزب الحاكم عميقاً وقاتماً أكثر مما توحي به الظروف الاقتصادية، فطوال سنوات، سعى القوميون الهندوس إلى ترسيخ أجزاء متنوعة من إيمانهم في إطار حركة سياسية موحّدة، فنجحوا في تنظيم الهندوس المنتمين إلى الطبقة العليا: إنها الفئة التي تقبع في أعلى التسلسل الهرمي الديني وتتألف منها معظم النخبة الهندية، لكن الحزب حصد أيضاً دعم شريحة واسعة من الهندوس المهمشين والمنتمين إلى الطبقة الدنيا، فأقنعهم بأنهم جزء من المجتمع الهندوسي وعيّن ممثلين عنهم، معظمهم من أدنى مراتب الحزب، وفي الوقت نفسه، أجّج "حزب بهاراتيا جاناتا" ظاهرة الإسلاموفوبيا واستعملها كسلاح بحد ذاته، فوحّد بذلك 966 مليون هندوسي في البلد مقابل اضطهاد 200 مليون مسلم.

نتيجةً لذلك، نشأت سلطة سياسية تُميّز بين شرائح المجتمع (اتّضحت قوتها في انتخابات الولايات) لكن نفوذها ينتهيفي أطراف الهند، لا سيما الولايات التي لا يشكّل فيها الهندوس أغلبية السكان، ومن المتوقع أن يزيد هذا الوضع تشدّد الديموقراطية الهندية المتدرّجة، ولا يحصل المسلمون أصلاً على الحقوق التي يتمتع بها المواطنون الآخرون، وتلاحظ المناطق الواقعة على حدود الهند، مثل كشمير، كيف تُمعِن الحكومة الهندية في استعمال الجيش لكبح المعارضة، وفي ظل تنامي نفوذ "حزب بهاراتيا جاناتا"، من المنتظر أن تتفاقم مظاهر التمييز ضد المسلمين وتتوسّع حملات القمع في الولايات البعيدة.

اليوم، تشمل منظمة "راشتريا سوايامسيفاك سانغ" (جماعة يمينية شبه عسكرية تسعى إلى إنشاء إيمان هندوسي موحّد) عشرات ملايين الأعضاء، مما يجعلها أكبر منظمة غير حكومية في العالم، وهي من أقوى الأطراف حتماً، وهذه المنظمة هي محور شبكة واسعة من الجماعات، بما في ذلك أكبر النقابات العمالية في الهند، حيث تتعدد الكيانات التابعة لها، منها رابطة طلابية، وجناح للمعلمين، وآخر للنساء، ونقابة للمحامين. يملك "حزب بهاراتيا جاناتا" في الوقت الراهن دخلاً سنوياً يفوق خصمه السياسي الأساسي بأكثر من خمس مرات، وهو مدعوم من وسائل الإعلام لأن الطبقات العليا تسيطر على الصحافة.

يبقى وسط الهند أكبر من مناطقها النائية، وينمو العدد السكاني فيه بوتيرة أسرع، وترتكز طريقة توزيع المقاعد في البرلمان الهندي اليوم على إحصاء سكاني من عام 1971، وكان أي تعديل مؤجّل سيمنح ثقلاً إضافياً لولايات مثل "أوتار براديش" حيث يملك "حزب بهاراتيا جاناتا" قاعدة قوية، وتبدو سطوة هذا الحزب على السلطة في الهند آمنة ومُعدّة للتوسع إذاً، ومن المستبعد أن يتحدى أحد فكرها، بما في ذلك أحزاب المعارضة السياسية، واليوم، لا تتوقع أي منظمة أن تصل إلى السلطة عبر تهميش الهندوس المتزايدين في وسط البلد.

لهذه الأسباب، قد تنجح منظمة "راشتريا سوايامسيفاك سانغ" في فرض رؤيتها على المعارضين داخل الولايات المركزية، مثل المسلمين في "أوتار براديش" والفئات التي تبقى خارج هذه الأوساط مثل السيخ والتاميل، ونتيجةً لذلك قد تبدأ حملة قمعية واسعة النطاق، ومع أنه لا ينتمي أكثر من 400 مليون شخص إلى الهندوسية أو لا يمارسون الشكل الهندوسي الذي تتبناه منظمة "راشتريا سوايامسيفاك سانغ"، فإن من المتوقع أن يخضع هؤلاء في نهاية المطاف لمشروع إمبريالي يحاول توحيد صفوف الشعب الهندوسي، تزامناً مع تخفيض مرتبة المسلمين والمسيحيين في الهند واعتبارهم مواطنين من الدرجة الثانية.

في ما يخص المناطق الواقعة على أطراف البلد، يعني هذا الوضع التعرّض لتهديدات الاستيعاب الثقافي القسري طوال الوقت، فقد أعلن وزير الداخلية الهندي مثلاً أن اللغة الهندية ستصبح إلزامية حتى الصف العاشر في شمال شرق البلاد، مع أن هذا القرار لا ينجم فعلياً عن أسباب لغوية، وتعني هذه التطورات أيضاً توسّع مخاطر الاستغلال الاقتصادي الدائم، حيث تتفوق ولايات "كيرالا" و"البنجاب" و"تاميل نادو" على وسط الهند في معظم المؤشرات التنموية وقد بدأ الاتحاد الهندي، مركز الأموال، بنقل ثروات وموارد هذه الولايات إلى المناطق التي تقدم أداءً أسوأ بكثير ويحظى فيها "حزب بهاراتيا جاناتا" بأعلى درجات الدعم، ومن المتوقع أن تزداد هذه الممارسات سوءاً، وسيتفاقم الوضع أيضاً بالنسبة إلى المسلمين في وسط البلد، فهم سيواجهون تهميشاً سياسياً واقتصادياً متزايداً، أو يتعرضون لأعمال عنف دائمة من جانب العصابات أو الدولة، مما يؤدي إلى إضعافهم بالكامل في نهاية المطاف.

يعتبر "حزب بهاراتيا جاناتا" إضعاف الآخر غاية ووسيلة في آن، فلا يحمل مشروع الأمة الهندوسية معنىً كبيراً إذا لم يجابه التهديد الإسلامي من الداخل، لكن حتى لو حاول هذا الحزب التواصل مع فئة "الداليت" التي كانت منبوذة في السابق لجعلها في صلب المدّ الهندوسي، فلا مفر من أن يُنتِج مجموعة جديدة من المنبوذين: مسلمو الهند.

* هارتوش سينغ بال

back to top