سياسة الأمر الواقع

نشر في 01-04-2022
آخر تحديث 01-04-2022 | 00:07
 د. نبيلة شهاب حدثتني صديقة عن موقف مزعج قد مرت به، حيث اتصلت بها مجموعة من الزميلات، وقلن: «رح نمرچ اليوم من زمان ما تجمعنا»، لكنها اعتذرت لانشغالها ببعض الأعمال المهمة، وما هي إلا دقائق وهي منشغلة بالكتابة والتحضير إلا وهؤلاء الزميلات ينتظرنها في صالة البيت، وقد أحضرن معهن طعام العشاء وغيره، فانصدمت واضطرت أن تجلس معهن على امتعاض وضيق، لدرجة أنها لم تستطع مشاركتهن طعام العشاء، والأمثلة كثيرة، فذلك الشاب الذي يفرض عليه أصدقاؤه الخروج في وقت معين بإحراجه أمام الآخرين لا يقل ضيقاً، ونتساءل: في شرع من يستطيع الفرد إجبار الآخرين على القيام بعمل ضد رغبته؟ مفاجأة الفرد وإخضاعه للأمر الواقع تصرف سيئ وغير راقٍ ويخلو من الاحترام والتقدير.

وللأسف الشديد قد يفترض البعض أنه من السهل ولا خطأ فيه تغيير خطط أي فرد من أفراد الأسرة حسب رغباتهم ومبتغاهم، فتغيير موعد قد قطعته الأم على نفسها للترفيه عن أبنائها ولقضاء وقت أسري ممتع في رحلة على سبيل المثال، قد تعتبره شيئاً عادياً لكنه في حقيقة الأمر إخلال بالوعد وفرض أمر واقع بالموعد الجديد على الأبناء، وكما أن مفاجأة الزوج أو الزوجة للآخر بزيارة الأهل أو بعض الأصدقاء وقضاء وقت معهم، دون معرفة الطرف الآخر أو مراعاة لظروفه وخططه يعتبر سلوكاً وتصرفاً غير منصف وخال من أي احترام لوقته ورغباته وخططه، واختيار ديكور معين للمنزل على سبيل المثال دون موافقة الطرف الآخر أو الرجوع إليه، ولو كان على سبيل المفاجأة، قد يؤدي الى الشعور بالضيق وقلة التقدير والاستياء، وكثيراً ما تسببت تلك التصرفات وغيرها بخلافات بين الزوجين خصوصاً إذا تكررت.

والأمثلة كثيرة، فصدمة الطلبة في وقت الاختبار بأنه «مقالي» بعد أن أوضح لهم الدكتور أنه سيكون اختباراً «موضوعياً» كبيرة وتشعرهم بالظلم، والأسوأ من ذلك جميعه، وإن قل وجوده حالياً، هو اختيار الزوجة للابن أو الموافقة على زواج الابنة دون الرجوع إليهما قبل أي موافقة مبدئية، فالبارون بآبائهم يقبلون ذلك على امتعاض إرضاءً للوالدين، وقد يدفعون ثمن ذلك من سعادتهم وراحتهم.

سياسة الأمر الواقع، باختصار، هي فرض تفكير معين وسلوك معين على الآخرين، إلى جانب تسيير الآخرين حسب الرغبة وبالفرض دون احترام لرغباتهم وتوجهاتهم وأوقاتهم، وهو سلوك أقرب إلى سرقة وقت ومجهود الآخرين وراحتهم النفسية وإجبارهم على القيام بشيء لا يحبون القيام به أو على الأقل في الوقت الراهن، قد يكون ذلك الشيء نشاطاً إيجابياً لكنه ضد رغبة وظروف الآخرين.

في الواقع أكثرنا، إن لم يكن جميعنا، قد مررنا، وقد نكون ما زلنا نمر بتلك الظروف، ولكن ردة أفعالنا تتفاوت وتختلف، فهناك من يتساهل ويتنازل، وآخرون يظهرون امتعاضهم لكنهم يستمرون بقبول ما فرض عليهم، أما من يقف لنفسه فيرفض بحزم وأدب ويقوم فقط بما هو يريد وما خطط له فهؤلاء هم الأفضل، وهم من يشترون راحتهم النفسية دون الإضرار بالآخرين.

د. نبيلة شهاب

back to top