«الدستورية» تنتصر للحريات وتلغي تشريع التشبه بالجنس الآخر

اعتبرت مواده فضفاضة وتفضي إلى المساس بالحقوق المكفولة بالمادة 30 من الدستور

نشر في 16-02-2022 | 10:46
آخر تحديث 16-02-2022 | 10:46
منطوق الحكم
منطوق الحكم
في حكم قضائي يعزز الحرية الشخصية إعمالاً لأحكام الدستور، قضت المحكمة الدستورية اليوم ، برئاسة المستشار محمد بن ناجي بعدم دستورية المادة 198 من قانون الجزاء بشأن التشبه بالجنس الآخر؛ لمخالفتها المادة 30 من الدستور والتي تكفل الحرية الشخصية.

وقالت المحكمة، في حيثيات حكمها بعدم دستورية القانون الصادر في عام 2007، إن الصور التي وردت في القانون فضفاضة، وتفضي الى المساس بالحقوق التي كفلها الدستور، ويتعين صياغة النصوص الجزائية على نحو ضيق، وذلك للتعريف بالأفعال التي تجرمها.

ويترتب على الحكم الصادر من "الدستورية" اليوم بعد نشره في الجريدة الرسمية الاسبوع المقبل، الافراج عن المحكومين المحبوسين، وإسقاط الاتهامات عن المتهمين المقدمين الى القضاء بوقائع التشبه بالجنس الآخر الواردة في القانون.

عبارات فضفاضة

وأوضحت المحكمة أن مبنى النعي على نص المادة 198 من قانون الجزاء سالفة البيان فيما تضمنته من تجريم التشبه بالجنس الآخر بأي صورة من الصور، أن عبارات النص قد جاءت واسعة فضفاضة غير محددة للافعال المؤثمة بصورة قاطعة بما يحول دون التباسها بغيرها حتى يكون المخاطبون بها على بينة من حقيقة الافعال التي يتعين عليهم تجنبها، ولا يترك تقديرها للقائمين على تنفيذها وتطبيقها، وإحلال فهمهم الخاص لمقاصدها محل مراميها على نحو يفضي إلى المساس بحقوق كفلها الدستور.

وذكرت ان هذا النعي سديد ذلك ان النص في المادة 30 من الدستور على ان "الحرية الشخصية مكفولة" وفي المادة 32 منه على أنه "لا جريمة ولا عقوبة الا بناء على قانون..." يدل وفق ما جرى به قضاء هذه المحكمة، على ان مبدأ شرعية الجريمة والعقوبة الذي يخول المشرع بموجب سلطته التقديرية التي يمارسها وفقا للدستور- الحق في إنشاء الجرائم وتحديد العقوبات التي تناسبها، واتخاذ هذا المبدأ من كفالة الحرية الشخصية بنيانا لإقراره، وأساسا لتأكيده أن هذه الحرية ذاتها هي التي تقيد محتواه ومضمونه بحيث لا يكون إنفاذه الا بالقدر اللازم الذي يكفل صونها ولازم ذلك انه يجب ان تكون الافعال المؤثمة محددة بصورة قاطعة بما يحول دون التباسها بغيرها.

وأكدت ضرورة أن تكون هذه الافعال واضحة في بيان الحدود الضيقة لنواهيها حتى يكون المخاطبون بها على بينة من حقيقة تلك الافعال التي يتعين عليهم اجتنابها، ذلك أن الاصل في النصوص الجزائية أن تصاغ في حدود ضيقة للتعريف بالافعال التي تجرمها، وتحديد ماهيتها لضمان ألا يكون التجهيل بها موطئا للإخلال بحقوق كفلها الدستور.

خفاء وغموض

وبينت المحكمة ان التعديل الذي جاء به القانون رقم 36 لسنة 2007 على المادة 198 من قانون الجزاء قد أضاف الى الافعال المعاقب عليها بموجب تلك المادة فعلا جديدا هو "التشبه بالجنس الآخر بأي صورة من الصور"، دون ان يتضمن النص معيارا موضوعيا منضبطا يتعين مراعاته لتحديد ذلك الفعل المؤثم قانونا، وما يعد تشبها بالنجس الآخر وما لا يعد كذلك.

وأشارت إلى أن عباراته جاءت بالغة العموم والاتساع يمكن تحميلها أكثر من معنى، على نحو قد تتعدد معه تأويلاتها وما أوردته المذكرة الايضاحية للقانون من صور التشبه التي اعتبرت منها (تزي جنس بملابس الجنس الاخر المقصور عليه بحسب العرف السائد في البلاد أو تقمصه شخصية الآخر) يكشف عن مدى الاتساع الذي يمكن ان تحمل عليه هذه العبارة، وافتقادها الى عناصر الضبط والاحكام الموضوعي، وانطوائها على خفاء وغموض قد يقع معه الكثير في دائرة التأثيم، إذ يصبح تقدير الامر في النهاية متروكا للجهات القائمة على تطبيق القانون وفقا لتقديرها ودون ضابط يقيدها، وبما قد يؤول في التطبيق الى اطلاق العنان لسوء التقدير، وهو ما يتأبى مع ما حصر عليه الدستور من كفالة الحرية الشخصية وصونها.

وقالت المحكمة ان النص المطعون فيه بالصيغة التي أفرغ فيها قاصر عن تحديد الافعال المؤثمة من خلال معيار منضبط لها، ومفتقد للتحديد الجازم لضوابط تطبيقه فيكون بذلك قد اخل بالحرية الشخصية التي كفلها الدستور طبقا للمادة 30 منه بما يتعين معه القضاء بعدم دستوريته، لذلك حكمت المحكمة بعدم دستورية المادة 198 من قانون الجزاء رقم 16 لسنة 1960 المعدل بالقانون رقم 36 لسنة 2007 فيما تضمنته من تجريم من "تشبه بالجنس الآخر بأي صورة من الصور".

للإطلاع على منطوق وحيثيات الحكم

● حسين العبدالله

المحكمة أكدت أن صياغة النصوص الجزائية يجب أن تكون على نحو ضيق

الحكم يؤدي إلى الإفراج عن أي محكومين أو متهمين بقضايا التشبه بالجنس الآخر

مواده تسمح بإطلاق العنان نحو تفسير الأحكام بما يسيء التقدير نحو صور التجريم
back to top