أوروبا يجب أن تكون الشريك المفضل لإفريقيا

نشر في 16-02-2022
آخر تحديث 16-02-2022 | 00:00
 بروجيكت سنديكيت بعد تأجيلها عدة مرات بسبب جائحة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد19)، ستجمع قمة الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي التي ستنعقد هذا الشهر في بروكسل (17-18 فبراير) بين رؤساء الدول والحكومات الأوروبية والإفريقية للمرة الأولى منذ عام 2017، يتمثل هدف الاتحاد الأوروبي في أن يصبح الشريك المفضل لإفريقيا، وهو الهدف الذي حددته رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين خلال زيارتنا الأولى لمقر الاتحاد الإفريقي في أديس أبابا قبل عامين.

تُـرى ما الذي يَـلزَمـنا لتحقيق هذا الهدف الطموح؟

أولا، يجب أن يكون تناولنا للشراكة بين الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي متواضعا. تعادل مساحة قارة إفريقيا مساحة الولايات المتحدة والمكسيك والصين واليابان والهند مجتمعة، وتضم القارة 54 دولة ويتحدث أهلها نحو 2000 لغة، وتحوي مجموعة متنوعة من الفرص والمشكلات، وكل هذا يجعل من غير الممكن أن نتعامل معها ككيان متجانس.

ثانيا، يجب أن نكون واقعيين، فبين التشاؤم الإفريقي والتفاؤل الإفريقي، أدعو إلى الواقعية الإفريقية، وقبل الحديث عن النمو الاقتصادي والعلاقات التجارية، يتعين على أوروبا أن تُـظـهِـر قدرتها على المساهمة في السلام والأمن والحكم الرشيد في البلدان الإفريقية، وقبل الحديث عن العائد الديموغرافي (السكاني)، يتعين علينا أن نعترف أيضا بحجم الصعوبات التي قد يخلقها النمو السكاني غير المنضبط في المجتمعات، وبحلول عام 2030، سيدخل 30 مليون شاب إلى سوق العمل في إفريقيا كل عام، ولتوليد وظائف مستدامة لهم، يجب أن يكون التعليم الأساسي أولوية قصوى.

علاوة على ذلك، في دعم الانتقال العالمي إلى الطاقة الخضراء والتنمية المستدامة، يجب أن نساعد في ضمان القدرة على الوصول إلى الخدمات الأساسية في قارة يفتقر نصف سكانها إلى الكهرباء ويجب أن يخوضوا معركة يومية للحصول على الماء والغذاء، وبينما نساعد البلدان الإفريقية على تطوير قدرتها على إنتاج اللقاحات في المستقبل، يتعين علينا أيضا أن نساعد في تسريع عملية التطعيم في الوقت الحاضر، فحتى الآن، لا يزال أكثر من 90% من سكان القارة غير محصنين ضد كوفيد19. عند التفكير في هذه القضايا، يتعين على الأوروبيين أن يتجنبوا الوقوع في خطأ الاعتقاد بأنهم يمكنهم فرض أجندة على إفريقيا، ولا ينبغي لنا أن نتجاهل الحقائق المباشرة والقيود القصيرة الأمد التي تواجه الغالبية العظمى من الأفارقة، ويصدق هذا بشكل خاص الآن بعد أن أدت جائحة كوفيد19 إلى تفاقم نقاط الضعف في القارة، ففي منطقة الساحل، يتزايد انعدام الأمان جنبا إلى جنب مع تزعزع الاستقرار السياسي، وأصبحت منطقة القرن الإفريقي، حيث رأينا تحولات ديموقراطية واعدة قبل عامين فقط، غير مستقرة بشدة الآن، وانزلقت بلدان إفريقية عديدة مرة أخرى إلى دوامة الديون. عملت الجائحة أيضا على نقل المنافسة الجيوسياسية في إفريقيا إلى ما هو أبعد من فرص الاستثمار والأعمال لتشمل القيم ونماذج الحوكمة، ونحن نجد أنفسنا في مواجهة قوى عالمية أخرى تختلف أساليبها وأجنداتها تمام الاختلاف عن أساليبنا وأجنداتنا، ولن تتورع العديد من هذه القوى عن استخدام حملات التضليل وغير ذلك من أشكال الحرب الهجينة لتقويض النفوذ الأوروبي.

على الرغم من هذه الصعوبات، لا يزال لدينا من الأسباب المقنعة ما يحملنا على الرغبة في جعل أوروبا الشريك المفضل لإفريقيا، وأحد هذه الأسباب أن مشاكل إفريقيا هي مشاكلنا، فالإرهاب وانعدام الأمن لا يعرفان حدودا، ومنطقة الساحل ليست بعيدة عن أوروبا كما قد تبدو أحيانا؛ كما يهدد عدم الاستقرار في منطقة القرن الإفريقي أحد أهم طرق التجارة في العالم، ثم هناك تغير المناخ، الذي سيخلق حتما موجات جديدة من الهجرة في حين يعمل على تدمير سبل معايش الناس ويجعل مجتمعاتهم غير صالحة للسكن.

تستنهض ثروة الفرص في مختلف أنحاء القارة مساعينا، وتتسم اقتصادات ومجتمعات إفريقيا بالشباب والديناميكية، وستضطر المجتمعات التي تمكنت منها الشيخوخة في أوروبا إلى الاعتماد عليها عاجلا أو آجلا، كما تتمتع القارة أيضا بوفرة من المواد الخام وإمكانات هائلة لنشر تكنولوجيات الطاقة المتجددة والمساعدة في إنتاجها.

أخيراً، ينبغي لنا أن نفكر من منظور جيوسياسي، إذ من المتوقع أن يصل عدد سكان قارة إفريقيا إلى 2.5 مليار نسمة بحلول عام 2050، وتُـعَـد إفريقيا قوة عالمية صاعدة، والشراكة الأوثق من شأنها أن تمكن أوروبا وإفريقيا معا من ممارسة قدر أكبر كثيرا من النفوذ على المسرح العالمي، مما يعطي دفعة لنموذج التعددية الذي يدعمه كلا الشريكين.

لإحراز النجاح، نحتاج إلى أجندة إيجابية تقوم على أولويات مشتركة، ودون تحاشي الصعوبات، يتعين علينا أن نركز على تحقيق نتائج ملموسة سريعة. إن إفريقيا ليست في احتياج إلى الإحسان أو الإثارة الإعلامية، بل تحتاج إلى التعاون والشركات القادرة على تلبية طموحات شعوبها حقا. لتحقيق هذه الغاية، يحتاج الاتحاد الأوروبي إلى الجمع بين مواطن القوة التي تتمتع بها بلدانه، ومؤسساته المالية، وبنوك التنمية، ووكالاته المختلفة، لقد أعطت الجائحة الجوهر لمفهوم هذا النهج القائم على "توحيد قوى أوروبا"، ويجب أن تصبح طريقة العمل هذه عادة لتجنب الاستراتيجية المفتتة وكل ما يصاحبها من مشكلات. في إفريقيا، كما في أي مكان آخر، لا يكون للاتحاد الأوروبي أي ثِـقَـل إلا عندما تعمل الأجزاء المكونة له معا، وهذا لا يشمل مؤسسات وحكومات الاتحاد الأوروبي فحسب؛ بل يجب أن تكون منظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص أيضا أكثر انسجاما مع الديناميكيات على أرض الواقع.

إن مستقبل أوروبا سيتشكل إلى حد كبير من خلال مستقبل إفريقيا، وهناك وفي أماكن أخرى، يتعين علينا أيضا أن ندافع بشكل أفضل عن المشروع الأوروبي من خلال إثبات حقيقة مفادها أن قيمة الاتحاد الأوروبي المضافة تتجاوز مثيلاتها لدى القوى العالمية الأخرى، ويجب أن تكون قمة هذا الشهر نقطة الانطلاق لبناء شراكة جديدة بين القارات.

* ممثل الاتحاد الأوروبي الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، وهو نائب رئيس المفوضية الأوروبية من أجل أوروبا أقوى في العالم.

● جوزيب بوريل - بروجيكت سنديكيت

back to top