تعديلات «المطبوعات» و«المرئي» تعيد ملاحقة المغردين وأصحاب الرأي بالسجن

• التعديل أخرج الإساءة للدول والقضاء والموظف العام و«الوحدة» بما يسمح بتشديد العقوبات
• كان يتعيَّن على مجلس الأمة إلغاء عبارة «مع عدم الإخلال بالعقوبة الأشد» لتطبيق الغرامات

نشر في 18-01-2022
آخر تحديث 18-01-2022 | 00:05
No Image Caption
التعديلات التشريعية التي أصدرها مجلس الأمة مؤخرا على قانونَي المطبوعات والنشر والمرئي والمسموع لم تنه عقوبات الحبس، وإنما عملت صراحة على إمكان تطبيقها، بعدما انتهت التعديلات إلى إخراج مسائل الإساءة للدول والقضاء والموظف العام والوحدة الوطنية، بما سيسهم في تطبيق أحكام قانون الجزاء وأمن الدولة والوحدة الوطنية.
لم تكن التعديلات التشريعية التي وافق عليها مجلس الأمة بجلسته الأسبوع الماضي على قانون المطبوعات والنشر والمرئي والمسموع ذات مردود حقيقي على حريات الرأي والتعبير ومستخدمي شبكات التواصل المتعددة، وجاءت التعديلات الصادرة بمنزلة العودة إلى عقوبات الحبس مجدداً!

قانونا المطبوعات والنشر والمرئي والمسموع كانا ينصان قبل الإشارة إلى المحظورات على عبارة مع عدم الإخلال بعقوبة أشد، بقانون آخر يعاقب كل من يخالف القانون بغرامة لا تقل عن ثلاثة آلاف ولا تزيد على 10 آلاف دينار حال ارتكاب أي من محظورات المطبوعات والنشر، وبغرامة لا تقل عن 3 آلاف ولا تزيد على 20 ألف دينار حال ارتكاب أي من محظورات قانون المرئي والمسموع.

ووفقاً لتلك الأحكام السابقة، فإنه إذا كانت هناك قوانين تفرض عقوبات أشد فسيتم تطبيقها، وهو عملياً ما كان يحدث، فيُعاقَب الكُتاب والمغردون ومستخدمو المواقع وشبكات التواصل الاجتماعي بأحكام بالسجن لعقوبات ترد في الأحكام المقررة للعقوبات الأشد في قوانين الجزاء، والتي تعاقب على السب والقذف والإساءة للذات الإلهية والقضاء وأمن الدولة، وتعاقب بالسجن من يرتكب جرائم الإساءة لأي دولة أو إذاعة الأخبار الكاذبة والإساءة والطعن والعيب بالذات الأميرية وقانون الوحدة الوطنية لمن يعمل على إثارة الفتن الطائفية.

المحظورات

ومن ثم فإن أياً من المغردين إذا ما ارتكب أياً من المحظورات سالفة الإشارة، ورغم إيرادها لقوانين المطبوعات والمرئي والإعلام الإلكتروني وتقنية المعلومات، فإن المحاكم الجزائية كانت تقوم بمعاقبتهم، نظراً لعبارة مع عدم الإخلال بالعقوبة الأشد، بما يسمح بتطبيق تلك القوانين الجزائية الأشد، ولا يسمح بتطبيق عقوبات الغرامة الواردة بأحكام قوانين المطبوعات والنشر والمرئي والمسموع والإعلام الإلكتروني وجرائم تقنية المعلومات.

وكان ينبغي على مجلس الأمة في تعديلاته الأخيرة الدفع نحو إلغاء عبارة مع عدم الإخلال بعقوبة أشد في قوانين المطبوعات والمرئي والمسموع، بما يسمح للمحاكم تطبيق الغرامات الواردة في أحكام قانون المطبوعات والمرئي والمسموع فقط، لكونها سوف تتقيد بالعقوبات الواردة بقوانين المطبوعات والمرئي والمسمــــــوع عــــلى شــــكـــل غـــــــــرامـــــات لا تقل عن 3 آلاف ولا تزيد على 20 ألف دينار، كما هو منصوص عليه في قانون المرئي، وفي حال تحقق ذلك فإن شبح أحكام السجن لن يطبق على ممارسي حرية الرأي، وستعمد المحاكم إلى تقرير عقوبات الغرامة فقط بحقهم.

لكن التعديلات التشريعية التي تمت أخيرا أبقت عبارة مع عدم الإخلال بعقوبة أشد على جرائم الإساءة والعيب والطعن بالذات الأميرية، كما ستسمح باستمرار إبقاء عقوبة السجن الواردة في المادة 25 من قانون أمن الدولة لمعاقبة مرتكب الفعل بالسجن مدة لا تتجاوز 5 سنوات، وهو ما يعني أن التعديل الحاصل أخيراً لم يأتِ بجديد بشأن هذه المسألة.

تفاوت قضائي

المسائل الأخرى التي أخرجتها التعديلات التشريعية من قوانين المطبوعات والمرئي والمسموع، وهي المحظورات بشأن الإساءة للدول، وكذلك الإساءة للقضاء وأعضاء النيابة العامة وإثارة الفتنة الطائفية والإساءة للموظف العام، وهذا الإخراج من محظورات قوانين المطبوعات والنشر والمرئي والمسموع لا يعني إباحة تلك الأفعال، بل إخراجها من نطاق تلك القوانين، وإدخالها عملياً في دائرة التجريم الواردة بأحكام قانون الجزاء، والتي تعاقب على جرائم الإساءة للقضاء والموظف العام المكلف خدمة عامة، وبأحكام قانون أمن الدولة الذي يعاقب على الإساءة للدول، والذي قد تعتبره المحاكم الجزائية عملاً عدائياً، خصوصاً أن مسألة اعتبار العبارات الصادرة من مستخدمي شبكات التواصل أو حتى في الكتابات الصحافية عملاً عدائياً من عدمه أمر يبقى في عداد التفاوت القضائي للأحكام، والتي تعتبره داخلا ضمن دائرة التجريم، وبعضها غير داخل في ذلك، إلا أنه ليس مستقراً حتى الآن، وكان النص الخاص بحظر التعرض للدول والملغى من دائرة المحظورات في قوانين المطبوعات والمرئي بمنزلة الدرع التي قد ترتديها وسائل الإعلام المختلفة للخروج من دائرة التجريم الواردة بقانون أمن الدولة، لكون النص الملغى كان يشترط الإتيان بالإساءة أو التعرض على شكل حملات، للوصول إلى مرحلة التجريم وفق دلالة النص، وعليه فإن المشرّع الكويتي عندما قرر إلغاء تلك المحظورات الواردة في أحكام قوانين المطبوعات والمرئي والمسموع، فإنه لم يلغها فعلياً، لإمكانية ملاحقة أصحاب الرأي عنها وفقاً لأحكام قانون الجزاء وقانون أمن الدولة والوحدة الوطنية، وكان ينبغي القيام بإلغاء عبارة مع عدم الإخلال بعقوبة أشد، للإبقاء على عقوبات الغرامة الواردة بأحكام قوانين المطبوعات والمرئي، وليس إلغاءها كمحظورات مباشرة، ما سيبقي عقوبات الحبس كما هي، وهو الأمر الذي يدعو إلى القول إن وجود هذه التعديلات لم يؤثر على مسألة الملاحقة بعقوبات الحبس الواردة في قوانين الجزاء وأمن الدولة والوحدة الوطنية، بل إنها لم تملك للمحاكم سوى أمر تطبيق عقوبات الحبس مجدداً على أصحاب الرأي!

الوحدة الوطنية

كما أن التعديل الأخير بتقريره وإلغاء الفقرة الحادية عشرة المضافة عام 2020 على قانون المطبوعات والنشر بمعاقبة مرتكب المخالفة لإثارة الفتن الطائفية والوحدة الوطنية أصدر تعديلاً مهماً طبقته المحاكم الجزائية بأحكام الغرامة على الوقائع المرتكبة بشبكات التواصل الاجتماعي، كونه تعديلاً لاحقاً على قانون الوحدة الوطنية المعاقب بالسجن لمدة لا تزيد على 7 سنوات، ومن ثم فإن قيام المشرّع بإلغائه سوف يتسبب في عودة المحاكم إلى تطبيق النصوص الواردة بقانون الوحدة الوطنية، والتي تعاقب مرتكب الوقائع بالسجن لمدة لا تزيد على 7 سنوات، أو الغرامة التي تزيد على 5 آلاف دينار.

أما بشأن القسم الآخر من التعديلات التي وردت على قانون المرئي والمسموع، فقد كان التعديل نحو قصر مدة التقادم بجرائم المرئي والمسموع على ثلاثة أشهر، بعدما كان الأمر غير منظم، بما سمح بتطبيق قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية، الذي يقرر سقوط الجنح بمضي خمس سنوات والجنايات بمضي عشر سنوات، في حين أن النص الجديد يقرر التقادم بمضي ثلاثة أشهر، أسوة بالنص المقرر للتقادم في جرائم المطبوعات والنشر والإعلام الإلكتروني.

«المرئي والمسموع»

وفيما يخص القسم الثالث في التعديلات، فقد استبعد المذيع ومدير القناة والمُعد والمخرج من المسؤولية الجزائية في حال ارتكبت القناة الفضائية أو الإذاعة أي مخالفة أو محظور من محظورات قانون المرئي والمسموع، وربطت تلك المخالفات حال قيام مدير القناة منفرداً بإعادة التعرض للإساءة، وهو ما يعني إعفاء المدير من أي إساءة تمت بشكل مباشر، وربطت مساءلته عن الإعادة، فيما أبقت المسؤولية الجزائية للضيف مصدر الإساءة أو مرتكب أي من المحظورات.

لكن في حال ارتكاب المذيع أياً من المحظورات الواردة في القانون، فإنه يجوز مساءلته وفق القانون عن جرائم الإساءة الواردة في قانون الجزاء، والتي تعاقب على وقائع السب والقذف.

الموظف العام

كما أن قوانين المطبوعات والنشر والمرئي والمسموع أخرجت من باب المحظورات بند الإساءة للموظف العام أو المكلف خدمة عامة، بعدما كانت المحاكم تقوم بمعاقبة المسيء لهما بالغرامة التي لا تقل عن 3 آلاف ولا تزيد على 10 آلاف دينار، لكن بفضل تلك التعديلات الأخيرة فإنه بإمكان الموظف العام أو المكلف خدمة عامة، كالوزير أو عضو الأمة أو البلدي، معاقبة الصحافيين والمذيعين والمغردين وفقاً لقانون الجزاء، الذي يعاقب مرتكب جرائم السب بالسجن لمدة عام أو الغرامة، أو القذف لمدة عامين أو الغرامة، وهو ما يعني عملياً عودة أحكام الحبس على أصحاب الرأي مجدداً بفضل تلك التعديلات!

ولا يمكن القول إن المحظورات المتصلة بالإساءة إلى شخص اعتبار المجني عليه العادي هي ذاتها التي تنطبق بالحماية على الموظف العام أو المكلف الخدمة العامة، إذ إن الأولى متعلقة بشخص واعتبار المجني عليه العادي، فقرر القانون الحفاظ على سمعته وكرامته، ولا يجوز المساس بها، فيما تلك الحماية لا تمتد إلى الموظف العام أو المكلف خدمة عامة، لأن النقد أو المساس بالمسلك الوظيفي للشخص المكلف خدمة عامة أو الموظف غير مجرم. وعليه فلا يمكن مساءلة الكاتب، لغياب التنظيم عن حماية المساس بحياة الموظف العام أو ذمته المالية، ولعدم النص عليها بقانون المطبوعات والمرئي والمسموع، فسوف يتم تقرير الحماية بشأنها وفق القواعد العامة المقررة للإساءة من السب والقذف بتطبيق أحكام قانون الجزاء، والتي تقرر الحبس، وإن كانت العبارات صادرة من خلال المواقع الإلكترونية أو وسائل التقنية، فسوف يتم تطبيق قانون هيئة الاتصالات حول إساءة استعمال الهاتف، وتحديداً المادة 7 منه.

وتلك التعديلات التي أصدرها المجلس تُعد معيبة ومخالفة لإجراءات إصدار التشريع عن طريق المداولتين، وكان يتعيَّن على المجلس أن يطلب من اللجنة التعليمية إتمام صياغتها، ومن ثم عرضها للتصويت على المجلس، وهو الأمر الذي وقع فيه مجلس الأمة الماضي عند التصويت على قانون مهنة المحاماة، والذي تم إجراء العديد من التعديلات عليه في المداولة الثانية، وتمت إعادة الصياغة، ولم يتسن عرضه مجدداً على المجلس للتصويت عليه، فتم رد التشريع من قبل الحكومة، لعدم سلامة الشكل الدستوري لإصدار التشريع، وهو الأمر الذي ينطبق على التشريعات الأخيرة، والتي تم تعديل صياغتها في المداولة الثانية، دون أن تمكن اللجنة من إتمام عملية الصياغة على نحو واضح وجلي.

أبرز الإزالات التشريعية

• إزالة الإساءة للموظف العام أو المكلف بالخدمة العامة.

• إزالة الإساءة للدول الصديقة عن طريق الحملات.

• إزلة الإساءة للقضاء والنيابة العامة.

• إزالة إثارة الفتنة الطائفية.

• إزالة الإساءة للعملة الوطنية وازدراء الدستور.

● حسين العبدالله

محاسبة مدير القناة حال إعادة برنامج مسيء والتعديل لا يعفي المذيع من المساءلة وفق «الجزاء»

كان على مجلس الأمة إعادة القوانين للجنة التعليمية لصياغة التشريع قبل التصويت

إخراج بعض الأفعال من محظورات القانونين لا يعني إباحتها بل إدخالها تحت قانون الجزاء

التقادم بجرائم «المرئي» 3 أشهر في الجنح بدلاً من 5 سنوات
back to top