يا وطن... لك من يحبك

نشر في 14-01-2022
آخر تحديث 14-01-2022 | 00:00
 د. محمد عبدالرحمن العقيل يتمتع أغلب سكان الكويت بحرية الإفصاح والتعبير، فهم يقولون ما يعجبهم وما لا يعجبهم بكل أريحية وبدون رهبة، وتعتبر هذه من المميزات التي جعلت الكويت مركزا إعلاميا أصيلا يجذب إليه المشاهدين من مختلف الدول العربية الأخرى، ليتابعوا الأخبار الرسمية، وأخبار قنوات التواصل الاجتماعي. فالحرية الموجودة في الكويت تقدم لنا أخبارا أصدق من غيرها، بعكس ما نراه في بعض الدول العربية الأخرى التي لا تسمح لمواطنيها إلا إظهار إنجازاتهم وإيجابياتهم فقط! فلا نشاهد في أخبارهم إلا تطورهم التكنولوجي والعمراني! وأما التطرق لذكر السلبيات أو الاعتراض على أداء الحكومة فمجرم، ويعاقب عليه القانون، وهذا الذي يعطينا انطباعا بأنها دول مثالية متحضرة ومتطورة ولا يوجد فيها عيوب تستحق الذكر! وإني على يقين تام أنه لو سُمح لهؤلاء المواطنين ولو ليوم واحد أن يسجلوا أي سلبية في بلدهم وينشروها للعالم كما نفعل نحن في كويتنا الحبيبة، لشاهدنا الجانب المظلم المأساوي لهذه الدول، ولرأينا العجب العجاب!

إن المشكلة التي وقع فيها كثير من الكويتيين هو الإفراط في نشر سلبيات البلد وبدون تحفظ، وبدافع الغيرة والإصلاح! وهنا أستحضر وصية مهمة للطبيب النفسي السعودي الراقي د. طارق الحبيب، عندما أوصى أهل الكويت بألا يكونوا قاسين على أنفسهم ولا على بلدهم، فتهافت الناس على ذكر السلبيات بشكل مستمر ليس حلا للمشاكل! بل هو مشكلة بحد ذاتها، لأنه سيصبح عادة سلبية في المجتمع، فيجب أن نترفق بأنفسنا، وبلدنا الجميل، ولا نتصيد الأخطاء وكأننا ننتظر الزلة! فتسجيل الأخطاء بدون إحاطة شاملة وحلول منطقية، تكوّن لنا بيئة مشحونة بالسلبيات، وإن حب الوطن لا يكون بتصوير كل صغيرة وكبيرة ونشرها للعالم، فهذا يعطي انطباعا بأن الوضع ميئوس منه، وخارج السيطرة!

إن هذه الحالة من الفوضى النقدية التي تعيشها الكويت قد أخرجت لنا نماذج سيئة من المرتزقة المأجورين الذين يصطادون في الماء العكر، فعلينا أن نحذرهم، فهم يتسترون تحت شعار محاربة الفساد! وهم في الحقيقة يتعمدون إسقاط هيبة الدولة ويزيدون شماتة الأعداء، ويتلذذون بالسخرية من البلد، من أجل الشهرة والتكسب.

إن المصلح الحقيقي هو الذي يراعي سمعة البلد وهيبته، ويحرص على إبلاغ الجهات الرسمية المعنية عن أي قصور حاصل، فالإصلاح الحقيقي يحتاج حكمة وصبراً، وله أصول وضوابط، ولكن يبدو أن هناك من لا يفرق بين ما يسمى محاربة الفساد، ونشر الغسيل!

أحبائي الكرام: إن النهوض بالأوطان يكون في زرع الأمل، وإبراز إنجازات أبنائه، فهذا الذي يكوّن بيئة إيجابية، تساعدنا في التنافس للأفضل، وأما الانشغال في إبراز الزلات والعيوب؛ فكفيل بتكوين بيئة سلبية لا خير فيها ولا بركة، بيئة تزيد الإحباط واليأس وتكدر العيش، وكما يقول الشاعر:

أعلل النفس بالآمال أرقبها

ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل.

● د. محمد عبدالرحمن العقيل

back to top