نتسم بنهج التفكيك

نشر في 14-01-2022
آخر تحديث 14-01-2022 | 00:00
 سالم الشريع في قراءتي لكتاب "الديموقراطية وتحديات الحداثة" للمؤرخ والباحث اللبناني الحاصل على شهادة الدكتوراه في علم السياسة إيليا حريق، وجدت أن موقف معظم المفكرين العرب من الأيديولوجيات الديموقراطية الغربية مع بداية القرن العشرين اتسم بالنفور والجمود، فذكر أن قلة منهم تابعت التحول الديناميكي المستمر في مدركات وأوساط تلك الأيديولوجيات، ونلاحظ حاليا مجهودات واعدة من فئة مفكرة بالعرب يعملون على إرساء مبادئ الإنسان، ومنهم من يقوم بمحاولة تكييف الحضارة الإسلامية بالديموقراطية الغربية.

ولعل أهم المناهج الديموقراطية المتبعة التي لاحظتها في الكتاب نهج التفكيك (disaggregation)، وهو نهج عوامله التقدم في الفكر الديموقراطي بأن نتخلى عن النهج السائد في الأوساط الفكرية الغربية، والذي يأخذ نقطة انطلاقه من صيغة متماسكة ومترابطة منطقياً للديموقراطية، ويعتمد "التفكيك" كأسلوب التصدي، فيفرد مكوناتها واحداً تلو الآخر ثم يقيمها.

وبين حريق أن القصد من التفكيك يكون واضحاً فلا يحمل على غير معنى، ومن شأن ذلك الرفض والعزل أن يسببا إحباطاً كبيراً عند الناس في سعيهم إلى تحقيق الديموقراطية في بلدانهم بخطوات تدريجية.

ويذكر الباحثون أن نهج التفكيك يسوغ القصور في التوصل إلى مستوى أعلى للديموقراطية بتقييم وضع كل عنصر منها منفرداً، أو التبرير للأنظمة السلطوية التي قد تقدم بعض التنازلات من باب التمويه أو الاضطرار، فالمقصود هو أن تكون نقطة الانطلاق التسليم بأن الديموقراطية عملية متواصلة يتم بناؤها على درجات ومراحل، وليست صيغة جاهزة تامة تحل أغلب المعضلات.

ففي الكويت نجد أن العملية الديموقراطية لا تستطيع تطويق الفساد، وأنها ليست مقوما رئيسا لمنع حدوثه، لأن الديموقراطية لا تنتهي في تاريخ معين، بل تستمر في التحول كما هو الوضع اليوم في أرقى الديموقراطيات الحديثة، والأهم أن تكون استراتيجيتنا المفضلة هي التركيز على قضايا معينة قابلة للتحقيق، لا أن نصر على إنزال صيغة جاهزة تامة دفعة واحدة، فإما أن نكون أو لا نكون.

ومن أمثلة استراتيجية التفكيك بنظري توجيه التركيز على قضايا معينة، وفرض قيود على وسائل أخرى من ذلك:

- فرض الحدود الرسمية على وسائل التعبير السياسي ومقاومة تشكيل التنظيمات السياسية.

- الإصرار على احترام الدستور والعمل به بشكله دون إدخال أي تعديلات عليه تزيد حرياته.

- مقاومة إصلاح قوانين الانتخابات كي تصبح أفضل تمثيلاً، عبر سلامة ضبط لوائح الشطب، ومقاومة نزعة خطاب العنف عند الناخبين، ومقاومة نزعة البعض لبيع الأصوات وشرائها، وتدخل السلطة في مجرى الانتخابات، وغيرها من الشوائب.

هناك أفكار أصيلة أخرى في العقيدة الديموقراطية الغربية بالرغم من أنها لا تزال متداولة لكن ليس لها أساس من الصحة، فعلى سبيل المثال لا الحصر فكرة الحق الطبيعي، وفكرة المشاركة في الإرادة العامة، فهاتان فكرتان وهميتان من حيث ارتكازهما على أسس فلسفية لا يمكن إثباتها، ولفكرة المشاركة في الإرادة العامة نتائج فعلية تعقد الديموقراطية، سنفردها في مقالات لاحقة إن شاء الله.

● سالم الشريع

back to top