مستقبل أميركا الديموقراطي

نشر في 13-01-2022
آخر تحديث 13-01-2022 | 00:00
يُـلقى اللوم عن نسبة المشاركة الضعيفة في الانتخابات الأميركية عادة على عدم المبالاة من قِـبَـل الناخبين، لكن انتخابات 2020 أثبتت أن المشكلة الحقيقية كانت دوما تكمن في الحواجز التي تحول دون إدلاء الناخبين بأصواتهم.
 بروجيكت سنديكيت مع انقضاء الذكرى السنوية لأحداث الشغب في السادس من يناير، ينبغي لنا أن نركز على الصورة الكبيرة، فقد كان الشذوذ الأكبر في الانتخابات الرئاسية الأميركية في عام 2020 متمثلا في حقيقة مفادها أن جو بايدن فاز بالتصويت الشعبي الوطني بفارق سبعة ملايين صوت، لكنه كان على مسافة 43 ألف صوت (في ثلاث ولايات متقاربة) من خسارة المجمع الانتخابي، وبالتالي الانتخابات، وفي كاليفورنيا وحدها، حصل بايدن على خمسة ملايين صوت أكثر مما يحتاج، وفي نيويورك حصل على مليونين آخرين.

حتى الآن في قرننا هذا حقق باراك أوباما وحده انتصارات حاسمة في كل من التصويت الشعبي والمجمع الانتخابي، في عام 2000 وفي عام 2016، خسر الفائز بالتصويت الشعبي الانتخابات، وفي عام 2004، تحولت النتيجة بسبب ولاية واحدة: أوهايو، هذا الشذوذ ليس مستمرا وحسب، بل إنه دستوري، وهو ما يجعله عمليا غير قابل للحل.

مع ذلك، كانت انتخابات 2020 انتصارا للديموقراطية، كان الإقبال على صناديق الاقتراع، كنسبة من الناخبين المؤهلين، أعلى من أي انتخابات سابقة منذ عام 1900 (عندما كان حق الانتخاب مقصورا في الأغلب على الذكور، وجميعهم تقريبا من ذوي البشرة البيضاء). اضطرت جائحة مرض فيروس كورونا (كوفيد 19) المسؤولين عن الانتخابات إلى الإبداع، وقد فعلوا ذلك من خلال التصويت الموسع عن طريق البريد، وأيام التصويت المبكر، والتصويت على مدار 24 ساعة، وتخصيص أماكن للتصويت دون مغادرة السيارة، فقبل يوم الانتخابات كان عدد من أدلوا بأصواتهم أكثر من 100 مليون، وفي النهاية، بلغ الإحصاء النهائي لعدد الأصوات التي حصل عليها دونالد ترامب أعلى بنحو 11 مليون صوت مقارنة بما حصل عليه من أصوات في عام 2016، وتجاوز بايدن إجمالي الأصوات التي حصلت عليها هيلاري كلينتون في عام 2016 بنحو 15 مليون صوت. يُـلقى اللوم عن نسبة المشاركة الضعيفة في الانتخابات الأميركية عادة على عدم المبالاة من قِـبَـل الناخبين، لكن انتخابات 2020 أثبتت أن المشكلة الحقيقية كانت دوما تكمن في الحواجز التي تحول دون إدلاء الناخبين بأصواتهم، ففي انتخابات سابقة، كانت أماكن الاقتراع شحيحة، وكانت أوراق الاقتراع طويلة ومعقدة، وكانت العملية برمتها بطيئة، حيث امتدت الطوابير في كثير من الأحيان لساعات طويلة، وكان كثيرون من الناخبين يفتقرون إلى الوقت، أو الصبر، أو القدرة على تحمل الانتظار بدنيا.

كما لم يشجع النظام أي تغيير في أنماط التصويت، لأن مجالس الانتخابات المحلية كانت تخصص الآلات والعاملين وفقا لمعدلات الإقبال السابقة، ولهذا، لم يتوافر العدد الكافي من الآلات لاستيعاب الناخبين الجدد كلما ارتفعت نسبة الإقبال، في أي مكان على الإطلاق، ولأي سبب من الأسباب.

وعلى هذا فإن انتخابات 2020 كانت تجربة ضخمة غير مقصودة في تفجير الحواجز التي تمنع الناس من الإدلاء بأصواتهم، وقد نجحت.

يستشهد الذين يزعمون حدوث احتيال الآن بالزيادة الهائلة في الإقبال على التصويت كدليل، الواقع أن النمو الذي شهده الإقبال في ما يسمى الولايات المتأرجحة لم يكن أكبر مما كان عليه في الولايات، حيث لم تكن النتائج موضع تساؤل أو تشكيك، فكانت ولاية أريزونا بين الاستثناءات القليلة، حيث سجل الإقبال على التصويت نموا بلغ 30%، ولكن بعد التعديل للتعبير عن النمو السكاني السريع في أريزونا، تصبح الزيادة النسبية شبيهة بنظيرتها في كاليفورنيا، حيث كان الاحتيال في تسجيل الإقبال ليصبح بلا طائل، وفي كل الأحوال، كان مسؤولون جمهوريون يديرون التصويت في أريزونا.

ولا تبدو عملية فرز الأصوات مثيرة للريبة، إذ يجري تسجيل الأصوات والإبلاغ عنها من كل مقاطعة، لا على مستوى الولاية فقط، وأي تلاعب في فرز الأصوات كان يجب أن يحدث في مقاطعات بعينها، ولأن انتخابات 2020 كانت لها سابقة قريبة في عام 2016، فإن التغيرات الغريبة في أنماط التصويت في المقاطعات كان سيسهل رصدها.

في تحليل أجريته مع ثلاثة من زملائي لكل ولاية على حِـدة قمنا بمقارنة الولايات الخمس المتأرجحة (جورجيا، وأريزونا، وويسكونسن، وبنسلفانيا، ومتشيغان) بخمس ولايات كانت نتائجها معلومة مسبقا، كاليفورنيا، ونيويورك، ونيوجيرسي، وأوهايو، وتكساس، وقد لاحظنا بعض الشذوذ، فعلى طول الحدود المكسيكية في ولاية تكساس، على سبيل المثال، كان هناك تأرجح حاد في النتائج نحو ترامب، ويرجع هذا بوضوح إلى الرخاء الذي جلبه الإنفاق الفدرالي على الحدود، لكن هذه المقاطعات القليلة ضئيلة للغاية، وفي أماكن أخرى من تكساس، أظهرت مقاطعتان كبيرتان تحولات قوية باتجاه بايدن، وحدث الشيء ذاته في مقاطعتين كبيرتين في جورجيا، ويمكننا إرجاع هذه النتائج إلى حشد الناخبين والتغير الديموغرافي، وبخلاف ذلك، يُـظـهِـر التحليل أن التحولات في الولايات المتأرجحة وغير المتأرجحة، في أي من الاتجاهين، لا يمكن تمييزها في البيانات.

لماذا فاز بايدن؟ تحتوي بيانات الاقتراع على إجابة بسيطة، ومقارنة بعام 2016، كان أداء ترامب أفضل مع النساء، والسود، والإسبانيين، لكنه خسر الأرض مع الرجال من ذوي البشرة البيضاء، الذين تحولوا بنحو خمس نقاط مئوية نحو بايدن، فكان هذا التحول مدفوعا بشكل أساسي بالرجال الذين صوتوا لأوباما في عام 2008 ثم في عام 2012 لكنهم اختاروا ترامب وليس كلينتون في عام 2016، وأحدثت عودتهم الفارق في ثلاث ولايات متقاربة- ميشيغان، وبنسلفانيا، وويسكونسن- كانت حاسمة في عام 2016، فضلا عن كونها قريبة، لم تكن الولايات المتأرجحة استثنائية؛ وكان التحول في المجمل باتجاه بايدن أكبر بعض الشيء في ولايات أخرى، بما في ذلك كاليفورنيا، وتكساس، ونيوجيرسي.

لا يخلو الأمر من مفارقة كبرى في الكيفية التي تجري بها الانتخابات الرئاسية الأميركية الآن، والواقع أن الولايات التي سجلت أكبر نمو في فجوة التفاوت في الدخل منذ أوائل تسعينيات القرن العشرين- بما في ذلك كاليفورنيا، ونيويورك، وكونيتيكت، ونيوجيرسي، وماساتشوستس- تصوت على نحو ثابت لا يتغير لصالح الديموقراطيين، أما الولايات حيث سجلت فجوة التفاوت نموا أقل (وإن لم يكن بالكامل) فإنها تصوت للجمهوريين، فكان هذا النمط واضحا لعقود من الزمن، وهو يزداد قوة مع كل انتخابات رئاسية.

تُـرى ما الذي قد يفسر هذه الحال؟ لا يتعلق الأمر بالمواقف تجاه التفاوت بين الناس، فأغلب الناس لا يعرفون (أو لا يبالون) بمستويات التفاوت في ولاياتهم (والتي احتسبناها لأغراض دراستنا)، الأمر بالأحرى أن الحزب الديموقراطي تحول إلى تحالف يتألف من مجموعتين رئيستين تمثلان ذيلي التوزيع: المهنيين من ذوي الدخل المرتفع في المناطق الحضرية، والأقليات المنخفضة الدخل، وتتركز معاقل الجمهوريين في الضواحي الخارجية، والبلدات الصغيرة، والمناطق الريفية، عند منتصف سلم الدخل، وعلى هذا، يهيمن الجمهوريون على الأماكن حيث فجوات التفاوت أقل اتساعا، في حين يهيمن الديموقراطيون حيث فجوات التفاوت أكثر اتساعا، إنه نمط بسيط ومتسق ومقنع. تتجلى التداعيات المترتبة على هذا النمط في الجنوب والجنوب الغربي، حيث تنمو الأقليات (وخصوصا من ذوي الأصول الإسبانية) بسرعة، وحيث تكتسب المدن تدريجيا موقعا مسيطرا مقابل البلدات والمناطق الريفية، ولهذا السبب، انقلبت أريزونا وجورجيا في عام 2020، وذهبت نيفادا إلى الديموقراطيين قبل بضع سنوات.

في تكساس، مع 38 صوتا في المجمع الانتخابي- أكثر من بنسلفانيا وميشيغان مجتمعتين- يحدث تحول عنيد بمقدار ثلاث نقاط نحو الديموقراطيين كل أربع سنوات: حصل أوباما على40% في 2012، وحصل كلينتون على 43% في 2016، وحصل بايدن على 46% في 2020.

أجـرَت الهيئات التشريعية الجمهورية حساباتها، وخصوصا في الولايات الجنوبية والجنوبية الغربية، وهي الآن مذعورة، لهذا السبب عملت على تحويل تجارب الوصول إلى أوراق الاقتراع الكبرى في عام 2020 في الاتجاه المعاكس، وكان شعار الحزب الجمهوري غير المعلن هو: إعادة الناخبين الأميركيين إلى الطوابير الطويلة (بدون مياه شرب)! الهدف هنا هو إثناء أكبر عدد ممكن من الناخبين عن الإدلاء بأصواتهم على الإطلاق.

إذا فشل الكونغرس الأميركي الآن في حماية حقوق التصويت، فقد تنجح هذه الاستراتيجية لبعض الوقت، وخصوصا في انتخابات التجديد النصفي التي تتسم بانخفاض معدلات الإقبال هذا العام، وقد يتعثر الديموقراطيون لأسباب أخرى في عام 2024، لكن قمع الناخبين من غير الممكن أن ينقذ الجمهوريين، فالتصويت عادة، ومن الصعب كسر العادات، لقد أصبحت علامات التحذير بادية للعيان.

* أستاذ الإدارة الحكومية ويشغل كرسي العلاقات الحكومية-التجارية في جامعة تكساس في أوستن، وهو خبير الاقتصاد في لجنة التنظيم المصرفي في مجلس النواب الأميركي سابقا، والمدير التنفيذي الأسبق للجنة الاقتصادية المشتركة في الكونغرس الأميركي.

● جيمس غالبريث - بروجيكت سنديكيت

مقارنة بعام 2016 كان أداء ترامب أفضل مع النساء والسود والإسبانيين لكنه خسر الأرض مع الرجال من ذوي البشرة البيضاء
back to top