غبار ليلى العثمان

نشر في 04-01-2022
آخر تحديث 04-01-2022 | 00:17
 د.نجم عبدالكريم كتبت لي في إهدائها "كان لا بدّ أن أنفض عنّي كثيراً من غبار السنين، وأرجو أن تنفض معي ما تبقّى من العمر".

قد أكون أكثر الناس تفاعلاً مع ليلى، لأنني عانيت طفولةً بائسة مع زوج أمي، وأشد منها بؤساً مع زوجة أبي، فتجرّعتُ من الاثنين مرارة علقمت سنوات طفولتي الخضراء... ولن أقف طويلاً أمام طفولة ليلى بعد طلاق أمها من أبيها، وكيف عانت من تعامُل زوج أمها، لكنني سأنتقل مباشرةً إلى دخولها بيت أبيها، حيث إنها وصفت ذلك اليوم بالآتي:

***

"انفتح أمامي باب جهنم، فسقطتُ أنا وشقيقاتي الثلاث في جحيمه، فمنذ اللحظة الأولى شعرنا وكأننا غرباء، غير مرغوب في وجودنا، وتحفّزت ضدنا عيونٌ تنطلق نظراتها كرماح النار، ووجوهٌ عابسة تعبّر عن كراهية مخزونة.. ثم صدر لنا الأمر المتجهم "ذلفن لغرفتكن".. ويا لتلك الغرفة!! أرض مفروشة ببساطٍ أغبر، وفرش على الأرض.. وفي الصباح كان فطورنا خبزاً وشاياً، بينما هُم كانوا يأكلون البيض والقشطة، وعند الغداء كانوا يتناولون الأطعمة، بينما أنا وأخواتي ننظر إليهم وأمعاؤنا تتلوّى من الجوع، وبعد أن شبعوا، تركوا لنا فضلاتٍ قليلة.. هكذا كان يومنا الأول مع زوجة أبي الأولى وأولادها، وأخي الأكبر وزوجته وأولاده، وغيرهم".

***

• "أهملونا ولم يسمحوا لنا بغسل شعورنا إلّا مرةً واحدة في الشهر حتى تقمّلنا، واستُخدمت معنا أساليب عديدة، أجدني عاجزة عن وصفها، فتلك الندوب التي توشم على أجسادنا، توشم كذلك في ذاكرتنا، وقد بقيت حيّة تعلّمني كيف أكون طيبة لا أوذي أحداً، فرغم هذا الهول من العذاب، والاستقواء على طفولتي، لم أسعَ إلى تجييش الكراهية في قلبي، وأصبح البؤس رافداً للكتابة عن الظلم والقهر والألم الذي تفجّر في كتاباتي".

***

بعد أن تبدع ليلى في تصوير بؤس طفولتها، تنتقل مع مرور الزمن لتصوير طبيعة حياة الكويت في سنوات ما بعد منتصف القرن الماضي بكل مفرداته، فذكرت الكثير من الأحداث التي عايشتها، وبالطبع لم تُهمل تجاربها الحياتية، والدراسية، وعواطفها، وزواجها الأول، وكيف اقتحمت عالَم الأدب، وذكرت تفاصيل يندر أن يكتبها كاتب، خصوصاً عن علاقتها بوالدها.

***

• أعلم أن هذه السطور لم تسلّط الضوء الذي يجب أن يسلّط على ليلى العثمان، لكن عدد صفحات كتاب "أنفض عنّي الغبار" لا يتجاوز 242 صفحة، وبمقدور مُحب القراءة أن يُنهي قراءته في ساعات قليلة.

وبصدقٍ أقول: إنه لم يحدث أن قرأتُ سيرة مواطنة عربية، وتحديداً كويتية، قالت الحقيقة عن نفسها بكل تفاصيلها، مثل سيرة ليلى العثمان التي كتبتها بكل صدقٍ وجرأة وشجاعة!

● د. نجم عبدالكريم

back to top