إعادة تصور الرعاية

نشر في 07-12-2021
آخر تحديث 07-12-2021 | 00:00
الرعاية تصبح جيدة بالمعنى الحرفي لهذه الكلمة من خلال اعتبارها تحقيقا لرغبة إنسانية عميقة لا التزاماً، ويمكننا تحويلها إلى مصدر قيمة وشيء يستحق الاستمتاع به ودفع ثمنه واحترامه، ويمكن أن توفر الرعاية طريقاً للخروج من أزماتنا البيئية والروحية الحالية، وجسرا إلى اقتصاد جديد، وفهماً أعمق لإنسانيتنا.
 بروجيكت سنديكيت هناك ميزة مهمة تجمع بين مؤتمر الأمم المتحدة الأخير المعني بتغير المناخ "كوب 26" والمفاوضات الجارية بشأن مشروع قانون البنية التحتية الاجتماعية، الذي طرحه الرئيس الأميركي جو بايدن، والمعروف باسم قانون إعادة البناء بصورة أفضل، إذ يشكل الالتزام برعاية كوكبنا جوهر الجهود العالمية الرامية للتخفيف من تغير المناخ، والتكيف معه، كذلك، يعتبر مشروع قانون بايدن بمثابة دفعة مقدمة لبناء بنية تحتية كاملة في مجال الرعاية- بما في ذلك الإجازة العائلية المدفوعة، ورعاية الأطفال، والائتمان الضريبي للأطفال، والرعاية الأهلية والمنزلية ميسورة التكلفة لفائدة أي شخص آخر يحتاج إلى الدعم- في الولايات المتحدة.

ويخبرنا رد الفعل على هذين التطورين البارزين بشيء مهم حول الطريقة التي يفكر بها الكثير من الناس فيما يتعلق بالرعاية، ففي سياق تغير المناخ، تُترجم العناية بالأرض إلى مجموعة من المحظورات، والقيود، والواجبات، إذ لا يمكننا الاستمرار في العيش بالطريقة التي نحن عليها الآن دون التسبب في كارثة ما، ويبرر الكثيرون دعمهم لرعاية الأطفال والمسنين بالتأكيد على أن المزيد من ذلك سيسمح لمقدمي الرعاية، وأغلبهم من النساء، بالبقاء في القوة العاملة، ومن ثم، بأن يكونوا أفراداً "منتجين" في المجتمع.

لذلك، تعتبر الرعاية في كلتا الحالتين، وسيلة لتحقيق غاية معينة، وليست شيئا مرغوبا فيه ويفتخر به في حد ذاته، فالرعاية واجب: أي أنه ينبغي أن نعتني بكوكبنا وأفراد عائلتنا؛ أو أن يكون ذلك عملا مدفوع الأجر: إذ يمكننا شراء أرصدة الكربون لتعويض متعة الاستهلاك، وتوظيف آخرين لإطعام من نحبهم، ومساعدتهم على الاستحمام، وارتداء الملابس والقيادة.

ولكن كما قد كتبتُ أنا والمصممة الاجتماعية البريطانية، هيلاري كوتام، فإن الرعاية ليست خدمة، ولكنها "علاقة تعتمد على الاتصال البشري"، إذ تعد جودة علاقاتنا مع الآخرين وعمقها عاملين ضروريين لأمد حياتنا، ورفاهيتنا، وتطور عقولنا، ولإنسانيتنا في حد ذاتها، ففي محاضرة ألقيت مؤخرا في مؤسسة الصحة البريطانية، ذكّرنا كوتام بالمفهوم الذي وضعه الفيلسوف مارتن بوبر، والذي كرره البابا فرانسيس في حديث ألقاه عبر منصة تيد (TED) عام 2017، حول نظرية كيف "أصبِحُ أنا من خلالك أنت".

لنفترض، إذاً، أننا "نحن" الجنس البشري، أصبحنا بشرا بالكامل من خلال علاقتنا مع بيئتنا، أو بعبارة أخرى، يمكننا أن نحدد أي نوع من البشر نحن من خلال ارتباطنا بالأرض، يقول عالم الآثار البريطاني، ديفيد وينغرو، بأن الاكتشافات الحديثة لبقايا المجتمعات المبكرة تدحض النظرية القائلة بأن التسلسل الهرمي للسلطة ضروري للحضارة، ويصف "مدن الحدائق" بدون مراكز، والمجتمعات التي تتناوب بين القيادة الهرمية والتعاون القائم على المساواة، والثقافات التي تدير الأرض من خلال القيادة بدلاً من الملكية، وعلى العموم، ختم حديثه قائلا، "لقد تبين لنا أننا كائنات مرحة ومبتكرة علِقت مؤخراً في لعبة مميتة من الاستخراج والتوسع- "فأنت إما أن تنمو أو تموت"- ونسينا كيف نغير القواعد".

وتحدد كيفية ارتباطنا بالأرض بدورها كيفية خلق القيمة الاقتصادية، ففي العصر الزراعي كنا نزرع المحاصيل ونربي الحيوانات لنطعم أنفسنا ونتبادلها مع الآخرين، وفي العصر الصناعي، قمنا باستخراج المواد من الأرض وتحويلها إلى منتجات يمكننا استخدامها في الملبس، والمأوى، والنقل، والتعليم، والترفيه، وفي العصر الرقمي، نستخرج البيانات من التفاعلات البشرية مع بعضهم ومع الأرض، ونحولها إلى مجموعة جديدة من السلع والخدمات (في الغالب).

ولكن إذا كان علينا الآن إصلاح الأرض وضمان الاستدامة المستمرة لتفاعلاتنا معها، فإن الرعاية- مهارات رعاية الأرض، وزراعتها، أو رعاية النباتات، أو الحيوانات، أو البشر- تصبح مصدرا مركزيا للقيمة، ويقول كوتام بأنه "يجب أن تكون أهمية مقدمي الرعاية "بالنسبة لهذه الثورة التكنولوجية بأهمية مهندسيها نفسها، وإن عمل هذا القرن هو عمل إصلاحي: لأنفسنا وبيئاتنا واسعة النطاق".

لذلك ربما ندخل حقبة اقتصادية جديدة تنشأ فيها القيمة بصورة أساسية من العلاقات التي تسهم في سلامة البيئة، واستدامتها، وازدهار الإنسان، وأطلق عليها اسم العصر الترابطي، إذ سنستخدم التكنولوجيا في خدمة مجموعة واسعة من العلاقات- التدريس، والتدريب، والتوجيه، والرعاية، والتدريب، والتطوير، والتمريض، والعديد من العلاقات الأخرى التي لا يزال يتعين اكتشافها أو إعادة اكتشافها- والتي تمكن البشر من الوصول إلى إمكاناتهم الكاملة، والعيش في وئام مع بيئاتهم.

وسينتقل اقتصاد كهذا من الاستخراج إلى الاستثمار؛ ومن التصنيع والبناء إلى الصيانة والإصلاح؛ ومن الحاجة إلى الوجود، ومن الإنتاج والاستهلاك إلى الإبداع والرعاية، ومن شأن الفردية الثابتة أن تفسح المجال للاعتماد المتبادل الديناميكي.

وتتوافق هذه الرؤية التي تعتبر البشر عُقدا في شبكة واسعة من العلاقات التي يمكن أن تحسن أو تدمر فرص حياتهم مع بيولوجيتنا، فعلى أي حال، النظام البيئي هو مجموعة متقاطعة من العلاقات المترابطة، حيث كتب الفيزيائي فريتغوف كابرا عن "شبكة الحياة"، مشيرا إلى الترابط الذي لا حصر له بين الكائنات الحية، فالنشاط في الشبكات البيولوجية هو عملية مستمرة للإصلاح والتجديد الجزيئي والخلوي.

وإذا فكرنا في الرعاية بهذه الطريقة، كمجموعة أساسية من العلاقات التي تسمح لنا بالنمو والازدهار كجزء من نظام بيئي كوكبي أكبر، فإن الرعاية تصبح جيدة بالمعنى الحرفي لهذه الكلمة ومن خلال اعتبارها تحقيقا لرغبة إنسانية عميقة لا التزاماً، ويمكننا تحويلها إلى مصدر قيمة وشيء يستحق الاستمتاع به ودفع ثمنه واحترامه، ويمكن أن توفر الرعاية طريقاً للخروج من أزماتنا البيئية والروحية الحالية، وجسرا إلى اقتصاد جديد، وفهما أعمق لإنسانيتنا.

* المديرة السابقة لتخطيط السياسات في وزارة الخارجية الأميركية، والمديرة التنفيذية لمركز أبحاث نيو أميريكا، وأستاذة فخرية للسياسة والشؤون الدولية بجامعة برينستون، ومؤلفة كتاب: Renewal: From Crisis to Transformation in Our Lives, Work, and Politics, (Priceto, University Press, 2021)

● آن ماري سلوتر - بروجيكت سنديكيت

back to top