«الوعايد بعايد»

نشر في 03-12-2021
آخر تحديث 03-12-2021 | 00:00
 د. هشام كلندر الوعايد: "الوعود"، بعايد: "بعيدة"، أي أن وعود القائل بعيدة المنال لا يفي بها ولا يقوم بتحقيقها.

بدأت مقالي بهذا المثل لأبين أن الالتزام بالوعود في الإدارة والحياة بشكل عام مبدأ أساسي، فالوعود إذا لم تتمكن من الوفاء بها قد تكون أسوأ من الأكاذيب، لأنك بالوعود تجعل الآخرين يأملون شيئاً لستَ متأكداً من قدرتك على تقديمه، والقصة أدناه تبين أهمية الوعود: في إحدى الليالي الباردة التقى ملياردير برجل مسن فقير خارج المنزل، فسأله: "ألا تشعر بالبرودة؟ لماذا لا ترتدي معطفاً؟" فأجاب العجوز: "لا أملكه لكنني اعتدت على ذلك". أجاب الملياردير: "انتظرني، سأدخل منزلي الآن وأحضر لك واحداً". شعر الرجل الفقير بسعادة غامرة، وقال إنه سينتظره، فدخل الملياردير منزله وانشغل ونسي الفقير، وفي الصباح، تذكر الملياردير ذلك الرجل المسكين وخرج للبحث عنه لكنه وجده ميتاً بسبب البرد، لكن الرجل المسكين ترك ملاحظة، كتب فيها "عندما لم يكن لدي أي ملابس دافئة، كانت لدي القوة لمحاربة البرد لأنني كنت معتاداً على ذلك، لكن عندما وعدتني بمساعدتي، التزمت بوعدك واستغرق ذلك قوتي في المقاومة".

كما قال الشاعر:

لا تقطعوا وعوداً لستم بِـأهل لها

فـبعض القلوب تبني على وعودكُم حياة

أعتقد أن الكثير من المشاكل الإدارية وحتى في العلاقات الشخصية تنبع من تقديم الناس وعوداً لا يمكنهم الوفاء بها، فقولك (لا) للعميل أو لا للناس إن كنت لا تستطيع، في بعض الأحيان، ضرورة، وهناك الكثير لا يريدون أن يخيبوا آمال الناس بل يريدون مساعدتهم، فيوافقون على أشياء ليس لديهم طريقة لتحقيقها، لكن من خلال تقديم وعود لا يمكنهم الوفاء بها، وينتهي بهم الأمر بإيذاء أنفسهم على المدى الطويل، فإذا أخبرتني أنك ستفعل شيئاً ما ثم لا تفعله بسبب ظهور شيء ما فهذا ليس المقصود، حيث تحدث هذه الأشياء للجميع، لكن يجب أن يكون هذا استثناءً، فليست مشكلة كبيرة أن تتواصل مع من وعدت وتشرح الموقف، فمعظم الناس سيتفهمون.

في المقابل، لا يعني صعوبة الوفاء بالوعود أو الخوف من الالتزام به أن تمنعنا عن تقديمه تماماً، فهذا يعني أننا يجب أن نكون أكثر حرصا فيما يتعلق بالوعود التي نقطعها، ونريد أن يثق بنا كل شخص، حتى لا ينطبق علينا المثل "الوعايد بعايد".

وأختم مقالي بكلام خير البشر محمد- ﷺ- عن صفات المنافق فقال: "آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان".

● د. هشام كلندر

back to top