بقايا خيال: تعودنا على الجعجعة بلا طحين

نشر في 03-12-2021
آخر تحديث 03-12-2021 | 00:09
 يوسف عبدالكريم الزنكوي يبدو أننا نعيش حقبة طنطنة أشباه المقاتلين، وجعجعة محاربي الطواحين الهوائية، من الذين يستكثرون على الآخرين عشق تراب الوطن في الميدان، لا عبر الأغاني الوطنية، ولهذا فهم يستغربون من المخلصين لهذا الوطن عدم استخدامهم وسائل الإعلام للإعلان الفوري عن تضحياتهم مهما كانت تافهة، وكأن خدمة الوطن تستوجب إقامة حفلات الزار ومهرجانات شعرية فرحاً بما قدمه أو يقدمه المواطن لبلده.

ولهذا عندما تحدث الأخ العزيز عادل الزواوي عن علاقته بالبطلة الراحلة الدكتورة جميلة محمد خالد الفرج وأعمالها البطولية ودخولها الكويت عبر الحدود البرية لعلاج جرحى المقاومة، ومداواة كبار السن إبان الاحتلال العراقي الغاشم، تساءل البعض "مشككاً" حول سكوت الزواوي عن الإنجازات الوطنية للراحلة طوال السنوات الماضية دون أن يوثقها أو ينشرها عبر مختلف وسائل الإعلام.

أكثر من 80 سنة مرت على الحرب العالمية الثانية وما زال الحلفاء يكشفون حقائق جديدة حول أحداثها التي اشترك فيها أقل من عشر دول، في حين يستكثر البعض ظهور حقائق جديدة حول تحرير الكويت من الاحتلال العراقي رغم مرور ثلاثين سنة فقط، واشترك فيها أكثر من 30 دولة، إذ يظن هذا البعض أن كل حقائق حرب تحرير الكويت قد كشفت وأن ما يتم تداوله من أحاديث حول الأعمال البطولية للمقاومة الكويتية هو إما تكرار لما قيل في السابق، أو هو من وحي الخيال، وأن أي قصة جديدة من بقايا ذلك الزمن الأغبر ما هي إلا زيف للوقائع وتزوير للحقائق وعمليات تجميل لملامح أشخاص كانت غائبة عن ساحات النضال. وقد تكون كثرة ادعاءات الجبناء بقيامهم بأعمال بطولية خلال تلك الفترة دون أن يقوم أحد بالرد عليهم سبباً في عدم تصديق ما خفي من حقائق دامغة حول الأبطال الحقيقيين وحقيقة أعمالهم الفدائية التي نذروها عشقاً لتراب هذا الوطن.

أغلب الكويتيين يعرفون أن بينهم مواطنين ومقيمين كثراً قاموا بصد شرور المحتلين من خلال أعمال بطولية نفذوها بإخلاص، قاتلوا ليس رداً لجميل هذا الوطن ولا خوفاً على "حلالهم أو أرزاقهم"، إنما حباً بالكويت التي أعطت ولم تأخذ حتى يومنا هذا. ويعرفون أنهم يرفضون الإعلان عما قاموا به من إنجازات وطنية كانت تستحق التوثيق، ولكنهم يشعرون أن ما قاموا به كان واجباً وطنياً أنجزوه بهدوء، وكفى الله المؤمنين شر القتال الإعلامي "المبهرج".

وعلى الرغم من أنني أمارس الكتابة الصحافية منذ عام 1969، أي قبل أكثر من 52 سنة، فإنني لم أتطرق إلى ما كنت أقوم به من أعمال بسيطة لخدمة المقاومة الكويتية وبعض الأسر الكويتية التي كانت تحتاج إلى مساعدات مالية وغذائية في تلك الفترة، وهي أعمال تشهد عليها أسرة الجار العزيز والإعلامي الراحل جاسم شهاب (بو وحيد)، وأسرة الجار المرحوم عبدالحميد المسلم (بوسعود)، ويشهد كذلك الأخ العزيز عبدالوهاب الوزان (بو محمد) على توزيعنا منتجات شركات الوزان الغذائية على المقاومة الكويتية والمحتاجين من الكويتيين والمقيمين، وتشهد جمعية خيطان التعاونية على ما كنا نقوم به في صمت حباً لتراب هذه الأرض، ويشهد الله أنها المرة الأولى التي أكتب فيها اليوم، ولو باختصار، عن بعض ما كنت أقوم به إبان الغزو الآثم.

فكيف بأبي محمد عادل الزواوي الذي تسامى على جراح فقده لإنسانة عزيزة مثل الأخت الغالية الدكتورة جميلة محمد الفرج، ليسطر بقلمه بعض ما كانت تقوم به هذه الإنسانة الرائعة التي أعرفها أنا شخصياً منذ عام 1975؟ ألا نردد أحياناً مقولة "أن تأتي متأخراً على ذكر أعمالها الخيرية، خير من ألا تأتي أبداً؟".

● يوسف عبدالكريم الزنكوي

back to top