مرافعة : لا مرافعات في «المدني»

نشر في 30-11-2021
آخر تحديث 30-11-2021 | 00:30
 حسين العبدالله لفت نظري إصرار بعض الهيئات القضائية غير الجزائية في المحاكم الكلية والاستئناف على عدم سماحها للمحامين بالتحدث أو شرح أي من الأسباب أو الدفوع القانونية، لأن القضاء المدني هو قضاء مستندات ومذكرات، ولا يجوز الترافع فيه من قبل المحامين أمام المحاكم، والاكتفاء بما يرد في مذكرات الدفاع أو الطعون المقدّمة الى المحكمة.

ورغم التقدير الكامل لمثل تلك الآراء من بعض الهيئات، فإن الترافع والشرح للنزاعات أمام الهيئات الجزائية أو المدنية هو من صميم حق الدفاع، وهو من حقوق التقاضي التي كفلها الدستور والمواثيق العالمية، والتي لم تقررها في بعض القضاء وتحرمها وتمنعها عند القضاء الآخر، وإنّما سمح بممارستها لأطراف التقاضي وعلى نحو عام، وأن يكفل للقضاء تحقيقها للكل، والمنع من ممارستها هو منع لحقّ أصيل، وهو حق الدفاع الذي مثلما يكون مكتوبا يكون شفاهة، سواء بالترافع أو الشرح أمام المحاكم.

ومثلما يكون وقت المحكمة والهيئات القضائية الموقرة ثمينا، فإن وقت السادة المحامين هو الآخر ثمين ومهم، ولا يمكن التقليل منه أو الإحجام عنه بذريعة وجود قضايا أخرى في ذات رول الجلسات، فلا يضير العدالة أن تتأخر أو يمتد انعقادها الى ساعات أطول أو الى جلسات أكثر، فكلفة القضاء على القضاء وعلى أطراف العدالة بالغة الأهمية، ولن يجزع القضاء الكويتي ورجاله عن تحقيقها، وهو مَن عُرفت عنه الحيدة والنزاهة وشرف تمثيل القضاء والعدالة.

ومثل تلك التنبيهات التي تصدر من بعض الهيئات القضائية إن كانت من باب التنظيم للوقت فلا بأس بها، ويُنظر اليها من باب أهمية وقت العدالة، لا من باب الافتئات على حق الدفاع والمتقاضين في بيان أنزعتهم وشرح معاناتهم والمحامين في عرض دفوعهم وأسباب طعونهم، والتي تطرح حتى تلقى مسامع الهيئات القضائية الموقرة، ويكون لها أثر في فهم حقيقة النزاع، والتي قد لا تعبّر عنها أوراق الدعوى ومستنداتها الكثيرة، ولذا كانت المرافعة الشفوية إحدى الوسائل الرئيسية لحق الدفاع، وما كان للدستور أو القانون أن يستثني ممارستها عند ممارسة حق التقاضي.

ولا ينبغي النظر الى تلك التنبيهات على أنها الأصل أو الاستثناء في عقد الجلسات، فلا القانون يقرها ولا الدستور، والتنبيه عليها من بعض الدوائر يجب أن يكون من باب الحفاظ على وقت المحكمة، وألّا يكون الحديث خارجا عن الخصومة أو النزاع، كما أن الإسراع في نظر القضايا وحجزها للحكم من أول الجلسات، رغم حاجة الدفاع إلى تقديم الدفاع أو المستندات، خاصة إذا كان المحامي موكلا حديثا بالقضية أو المتقاضي الحاضر أمام المحكمة عالما للتو للنزاع، فمن المنطق منحه وقتا، ولو يسيرا، لتقديم دفاعه، لا حجز الدعوى أو الاستئناف للحكم دون أن يتمكّن من حقه في الاطلاع والاستعداد، مما يتسبب في إهدار حقه في تقديم الدفاع، وذلك لرغبة بعض الدوائر القضائية الموقرة في الإسراع بإصدار الأحكام دون مراعاة لبعض الضوابط، ومنها عدم الإضرار بحق الدفاع والتقاضي على نحو عام.

● حسين العبدالله

back to top