قوة صواريخ متكاملة تلوح في أفق الهند

نشر في 26-11-2021
آخر تحديث 26-11-2021 | 00:01
صواريخ «براهموس» الهندية المضادة للسفن
صواريخ «براهموس» الهندية المضادة للسفن
حين تصبح قوة الصواريخ المتكاملة ناضجة بما يكفي سيبدأ خصوم الهند بالقلق تلقائياً من قدرة نيودلهي على تنفيذ مهمة تقليدية ضد قوتهم النووية، ومن المتوقع أن تتأجج هذه المخاوف وسط المخططين الباكستانيين تحديداً، ولهذا السبب لا بد من تنظيم حوار بين الهند والصين وباكستان لتخفيض المخاطر التي تطرحها حقبة المواجهة المرتقبة.
في سبتمبر 2021، أعلن رئيس أركان الدفاع الهندي، الجنرال بيبين روات، أن الهند تسعى إلى اكتساب «قوة صاروخية» خاصة بها، كان ذلك التصريح بمنزلة اعتراف متأخر بالاختلاف الكبير في التوازن العسكري الراهن بين الصين والهند، إذ تستطيع قوة الصواريخ التابعة لجيش التحرير الشعبي أن تطلق حملة من الضربات الصاروخية التقليدية الكبرى ضد الجيش الهندي وأهداف مدنية أخرى، في حين تبقى خيارات الرد الهندية محدودة مقارنةً بها، وقد تُسبّب هذه الحملة الصاروخية أضراراً هائلة من دون أن تصل إلى العتبة النووية، ولهذا السبب، كانت المواجهة الطويلة بين القوات الهندية والصينية على طول «خط السيطرة الفعلية» منذ صيف عام 2020 كفيلة بتشجيع نيودلهي على تقليص هذا الفرق في القدرات أو حتى إلغائه بالكامل.

لكنّ نظام «قوة الصواريخ المتكاملة» المرتقب لا يهدف بكل بساطة إلى ردع وابل الصواريخ أرض– أرض الاستباقية أو استبدال إطلاق النار التقليدي بـ«قوة الصواريخ التابعة لجيش التحرير الشعبي» عند الحاجة، بل إنه يعكس عموماً نزعة عالمية إلى استغلال الفرص التي تقدمها المواجهات الاستراتيجية ضد مواقع العدو، مثل مراكز التحكم والقيادة، ومجسّات ومواقع الدفاع الجوي، ومراكز القوة، ومنصات الهجوم، والخدمات اللوجستية التي تقدّمها ناقلات أرضية يصعب اعتراضها نسبياً.

قد لا تكون التكنولوجيا عائقاً أمام بناء قوة صاروخية فاعلة، لكن تستمر النقاشات حتى الآن حول تركيبة قوة الصواريخ المتكاملة، وحاجتها إلى خليط من الناقلات، وكمية المعدات التي تدخل في جميع الخانات، كذلك، لم يتّضح بعد الجانب البيروقراطي من هذه العملية، أي مدى الحاجة إلى الاستثمار بما يتجاوز قيمة «الأصول الثابتة»، منها الناقلات التي لا تُستعمل إلا خلال الحروب الكبرى (مقارنةً بالطائرات المقاتلة أو الدبابات القتالية الأساسية). هذه الرؤية تحديداً هي التي جعلت مخزون الصواريخ الباليستية الهندية محدوداً حتى الآن، إذ تضطلع الصواريخ الباليستية المستعملة اليوم بدور نووي بحت.

قد تنشأ أيضاً مشاكل مرتبطة بإضافة المعدات النووية المسلّحة إلى الناقلات الطويلة المدى إلى أن تصبح الأنظمة فائقة سرعة الصوت متاحة، ثم تبرز مشكلة التدريبات وتدعيم قوة الصواريخ المتكاملة، وحين تنضج هذه القوة بدرجة كافية، فقد تبرز الحاجة إلى معالجة مشاكل مرتبطة باستقرار أنظمة الردع، لا سيما تجاه باكستان.

قد يكون إنشاء قوة صواريخ متكاملة مبرراً، لكن لا بد من التساؤل عن السبب الذي يدفع الهند إلى اختيار بنية منفصلة لهذه القوة الصاروخية المرتقبة، إذ تشمل الترسانة الهندية أصلاً ناقلات أرضية قادرة على شن ضربات استراتيجية، مع أنها موزّعة على خدمات متنوعة، لكن المشكلة تكمن في هذا الجانب بالذات، وتهدف قوة الصواريخ المتكاملة إلى ترسيخ هذه القدرات في إطار بنية موحّدة للقيادة والتحكم للتمكن من استعمالها بأفضل الطرق داخل بيئة عسكرية مشتركة، بدل توزيعها على مختلف الأقسام وإخضاعها لخطط فردية، وتستطيع أي قوة صواريخ متكاملة أن تُحقق هذا الهدف على المدى القريب إذا كانت تحمل قدرات كبرى ودقيقة وتجميعية تشتق من القوات البرية والجوية والبحرية.

لكن بما أن هذه التعديلات لا تزال قيد التطوير، فقد يكون تقييم القدرات المؤثرة انطلاقاً من مواقع الخدمة أفضل طريقة كي يصبح تطوير الضربات خلال المواجهات الاستراتيجية تدبيراً اعتيادياً داخل الجيش الهندي، وقد تمنع هذه الخطوة المنافسات القائمة بين مختلف الأجهزة من كبح تطوير عقيدة مناسبة تزامناً مع زيادة التداخل بين تلك الأجهزة، وقد يكون إنشاء شبكة خاصة بقوة الصواريخ المتكاملة ومتّصلة بالقوات البرية والجوية والبحرية ركيزة أساسية لتعزيز تماسك الجيش الهندي، وهذا التماسك قد يمتد أيضاً إلى مجال المشتريات لأن قوة الصواريخ المتكاملة قد تسعى إلى الاستفادة من الاقتصادات الكبرى لطلب ناقلات هجومية ومعدات للمخابرات والمراقبة والاستطلاع مثل الأقمار الاصطناعية.

لكن سيبقى مبدأ التجميع هذا محدوداً على الأرجح، فينحصر في إطار الناقلات الأرضية، ولم يتضح بعد مدى استعداد سلاح الجو الهندي لتطبيق المقاربة نفسها مع صواريخ «كروز» الجوية التي يملكها، وستبقى هذه الأنظمة على الأرجح جزءاً من عقيدة الأجهزة الناشطة، وقد تسيطر قوة الصواريخ المتكاملة مستقبلاً على صواريخ «كروز» طويلة المدى التي يطلقها مقاتلو سلاح الجو الهندي مثلاً، لكن سيتردد المسؤولون في التنازل عن سلطتهم لصالح مقاتلين متعددي الأدوار. من الطبيعي أن تتراجع فاعلية الناقلات في قوة الصواريخ المتكاملة إذا لم يسيطر المسؤولون على المنصة التي تطلقها.

على صعيد آخر، قد تشمل قوة الصواريخ المتكاملة بطاريات ساحلية مزوّدة بصواريخ «براهموس» المضادة للسفن، ومن المتوقع أن يصبح هذا النوع من الأنظمة جزءاً أساسياً من أي هندسة مستقبلية تُصمّمها الهند لمنع الوصول إلى جزر «أندامان» و«نيكوبار».

قد يكون صاروخ «برالاي» الباليستي وقصير المدى اقتراحاً جاذباً في هذا المجال، لكنه يفتقر إلى العمق الاستراتيجي، وحتى لو كان هذا الخيار أقل كلفة من صواريخ «براهموس»، تبرز الحاجة في مطلق الأحوال إلى أنظمة قادرة على استهداف مواقع على بُعد يتراوح بين ألف وألفَي كيلومتر، ولفرض تكاليف باهظة على القيادة الصينية ودفعها إلى إنهاء الصراعات، يجب أن تتمتع الهند بالقدرة اللازمة على إطلاق اعتداءات تقليدية دقيقة ضد مواقع في عمق الصين، ومن المتوقع أن تتكل قوة الصواريخ المتكاملة على مجموعة من صواريخ «كروز» الهجومية البرية والمنقولة بالسفن في هذا المجال بالذات. أصبحت صواريخ «براهموس» التي يصل نطاقها إلى 800 كلم قيد التطوير راهناً وقد يتوسع هذا النطاق لاحقاً، لكن سيبقى صاروخ «نيربهاي» الأرضي، الذي يُفترض أن يندرج في معدات سلاح الجو الهندي بكميات كبيرة خلال السنوات القليلة المقبلة، العنصر الأساسي في هذه العمليات، ويبدو أن سلاح الجو الهندي هو أول طرف سيُشغّل صاروخ «كروز» المنطلق من الأرض.

لكنّ صواريخ «كروز» المنطلقة من الأرض لن تُغني عن الصواريخ الباليستية التي يكون نطاقها أطول من صواريخ «برالاي» المستعملة عموماً لتحقيق أهداف تقليدية (إلى أن يظهر جيل جديد من الأنظمة فائقة سرعة الصوت)، حيث ستتمكن هذه الصواريخ الباليستية من بلوغ أهدافها بسرعة متزايدة، وستوصل رأساً حربياً أكبر حجماً إلى وجهته، وسيكون اعتراضها أكثر صعوبة.

في النهاية، يُفترض أن يهدف مفهوم العمليات في قوة الصواريخ المتكاملة إلى طرح تحديات دفاعية صاروخية متنوعة على الأعداء، وتحديداً على مستوى المسارات، والسرعات، والحمولات، وحُزَم التوجيهات، وسيكون صاروخ «أغني برايم» متوسط المدى، الذي خضع للاختبار حديثاً، مرشحاً حتمياً لاستكمال صواريخ «كروز» المنطلقة من الأرض.

لكن إذا اكتفت أنظمة مثل «أغني برايم» بأداء دور تقليدي في نهاية المطاف، فستزيد حدة المشاكل المرتبطة بالالتباس والتشابك قبل الإطلاق لأن هذا النظام يهدف للانضمام إلى قيادة القوات الاستراتيجية الهندية المسؤولة عن نظام الردع النووي في البلاد. لا يملك أي بلد في العالم التكنولوجيا اللازمة للتمييز بين الرؤوس الحربية النووية والتقليدية بطريقة دقيقة، لكن لا يعرف المخططون الهنود حجم القدرات الباكستانية للتمييز بين أنواع مختلفة من الصواريخ الباليستية الموجّهة ضدها، إنه واحد من أبرز الأسباب التي تفسّر تعليق اختبارات صواريخ «برالاي» حتى الفترة الأخيرة، فقد انشغل المخططون النوويون الهنود في هذه المرحلة بمشاكل مرتبطة باستقرار الردع في أنظمة مثل «برالاي» وتلك التي تستعملها قوة الصواريخ المتكاملة، لكن التهديد الذي تطرحه قوة الصواريخ التابعة لجيش التحرير الشعبي على الهند أدى إلى نسف هذه التوجهات التي تُمعن في تقييد المقاربات المعتمدة، ويعني تطوير باكستان صواريخ مسلّحة نووياً وقصيرة المدى، مثل «نصر»، أن الهند لن تمارس بعد الآن مبدأ ضبط النفس غير المتماثل.

لكن حتى لو عولجت المشاكل المرتبطة بخليط الأنظمة التي ستخضع لسيطرة قوة الصواريخ المتكاملة قريباً، فلا بد من معالجة الجدل القائم حول عددها وتأثيرها أيضاً، وستكون الكمية عاملاً أساسياً لتحديد مستوى الردع في أنظمة قوة الصواريخ المتكاملة لأنها تشير إلى حجم القدرات المتاحة ومدى استعداد المعنيين لاستعمال الأنظمة التي يملكونها. خلال الصراع الأخير بين أرمينيا وأذربيجان، قيل إن الطرفَين امتنعا عن استعمال الصواريخ الباليستية القصيرة المدى كونها من أهم المعدات التي يملكانها، ومن المنطقي أن تعمل قوة الصواريخ المتكاملة على بناء كميات كبيرة من هذه الأنظمة، لكن لا بد من تجاوز العوائق البيروقراطية التقليدية في الهند لتحقيق هذا الهدف.

لن يكون معيار «الكمية» كافياً لزيادة مستوى الأصول الرأسمالية، بل تبرز الحاجة أيضاً إلى إنشاء مجموعة كوادر متفانية وبارعة تقنياً، مما يعني أن تتقن رصد ضربات المواجهات الاستراتيجية والتخطيط لها وتنفيذها، حيث يظن المسؤولون في «منظمة البحث والتطوير الدفاعي» أن تشكيل طاقم متفانٍ يشتق من القوات الجوية والبرية والبحرية لصالح قوة الصواريخ المتكاملة يتطلب بين ثلاث وأربع سنوات، ومن المتوقع أيضاً أن يكون النظام الهندي الإقليمي للملاحة بالأقمار الاصطناعية قد تَوسّع بدرجة كافية بحلول تلك المرحلة، مما يسمح له بتجنب الاتكال على نظام تحديد المواقع العالمي أو نظام الملاحة العالمي عبر الأقمار الاصطناعية «غلوناس» لإلغاء الأخطاء المتراكمة بسبب أنظمة الملاحة بالقصور الذاتي على متن الصواريخ الهندية.

حين تصبح قوة الصواريخ المتكاملة ناضجة بما يكفي، سيبدأ خصوم الهند بالقلق تلقائياً من قدرة نيودلهي على تنفيذ مهمة تقليدية ضد قوتهم النووية، ومن المتوقع أن تتأجج هذه المخاوف وسط المخططين الباكستانيين تحديداً، ولهذا السبب لا بد من تنظيم حوار بين الهند والصين وباكستان لتخفيض المخاطر التي تطرحها حقبة المواجهة المرتقبة، لكن يبدو أن الهند تريد المشاركة في حوار مماثل من موقع قوة، أي بعد تطوير قوة الصواريخ المتكاملة التي تريدها.

سوراف جها – دبلومات

نظام «قوة الصواريخ المتكاملة» المرتقب يعكس نزعة عالمية إلى استغلال الفرص التي تقدمها المواجهات الاستراتيجية ضد مواقع العدو

المسؤولون في «منظمة البحث والتطوير الدفاعي» يظنون أن تشكيل طاقم متفانٍ يشتق من القوات الجوية والبرية والبحرية لصالح قوة الصواريخ المتكاملة يتطلب بين ٣ و٤ سنوات
back to top