محمد نجيب جويفل مبعوث تنظيم الإخوان في الكويت (2-4)

نشر في 24-11-2021
آخر تحديث 24-11-2021 | 00:10
 خليل علي حيدر تردد "موسوعة الإخوان الرسمية" ما تذكره كتب الإخوان من أن هدف التنظيم السري المسلح في الجماعة كان التصدي للصهاينة ومقاومة الإنكليز، لا الهيمنة على أوضاع البلاد كما يتهمهم الخصوم.

وقد رأينا في مقال سابق 12/ 5/ 2021 كيف أن د.عبدالله النفيسي يرد على هذه المزاعم في كتابه "الحركة الإسلامية رؤية مستقبلية" فيقول: "إن قيام النظام الخاص من الأساس كان اجتهاداً في غير محله، فهو قد نشأ وقاوم كما تقول مصادر الإخوان (لتواجه به الجماعة مسؤولياتها إزاء الإنكليز في الداخل والصهاينة في فلسطين). كما يقول صلاح شادي على سبيل المثال لا الحصر، والسؤال الذي يلح عليّ: هل كان بإمكان الإخوان في ذلك الوقت أو في أي وقت آخر مواجهة الإنكليز أو الصهاينة".

ثم يتساءل د.النفيسي: "هل يعقل أن يواجه هذه القوة الدولية نفر من طلبة كلية الآداب في جامعة فؤاد الأول (القاهرة) مهما أخلصوا النيات والأعمال، فالواقع السياسي والعسكري فوق الأرض لا تغيره النيات بقدر ما تغيره إمكانات التاج البريطاني، أما الصهاينة في فلسطين فمواجهتهم لا تقل صعوبة عن مواجهة الإنكليز في داخل مصر آنذاك". (ص217-218).

وتقول الموسوعة عن دور نجيب جويفل إنه "شارك بالجماعة وهو في سن مبكرة، وإنه كان يتدرب على الأسلحة والمفرقعات"، وتضيف أنه دخل في اشتباك مع البوليس المصري عام 1948 إثر مظاهرة طلابية ضد الإنكليز، ثم فر مع أحد الإخوان إلى فلسطين، حيث انضما إلى قوات الإخوان المسلمين هناك، وإن جويفل "كان أحد أفراد النظام الخاص"، وإنه شارك قبل ذلك في "أعمال النظام الخاص ضد المستعمر الإنكليزي في مصر".

تولى الوزارة بعد اغتيال النقراشي باشا عام 1948 إبراهيم عبدالهادي باشا، ففكر بعض الشباب بالقضاء عليه، وتضيف الموسوعة دون أن تذكر أن هؤلاء الشباب كانوا من الإخوان، إنهم "وضعوا خطة محكمة وحددوا هدفهم ووجهتهم، وهي التمركز في شقة في مصر القديمة مطلة على الكورنيش، بحيث يستطيعون اقتناص إبراهيم عبدالهادي". وقد فشلت العملية التي جرت في مايو 1949، وتم القبض على بعض الإخوان وقدموا للمحاكمة، حيث كان الثاني في القائمة، الطالب محمد نجيب جويفل، وتعرض الطلاب المعتقلون، تقول الموسوعة، لتعذيب شديد.

يقول د.حسان حتحوت وهو قيادي إخواني معروف: "في سجني عام 1949 علمنا أن الأخ نجيب جويفل الذي كان تحت الحراسة قد غافل حراسه وهرب"، وتقول الموسوعة إن الإخوان اختاروا لجويفل في مرحلة هروبه "شخصية مربية خرساء للأطفال إذ لم يكن من المستطاع تشكيل صوته على النحو الذي يضمن لنا سلامته، وعدم اكتشاف أمره". وقد دبر له الإخوان جواز سفر وأقلعت به الطائرة الى لبنان، وتقول الموسوعة إنه بعد قيام الحركة في يوليو سنة 1952 بأشهر أبلغ المرحوم حسن العشماوي جمال عبدالناصر بقصة نجيب جويفل، فاستقدمه بجواز سفر آخر لحين صدور العفو العام عن قضايا الإخوان المسلمين سنة 1953 والذي شمل اسم نجيب جويفل.

ونتوقف قليلا هنا لإبداء شكوكنا حول دقة موسوعة الإخوان، وتلاعبها بالحقائق، فهي تحاول التخفيف من دور الإخوان في قضية حامد جودة، ومحاولة اغتيال إبراهيم عبدالهادي باشا الذي، كما تقول، فكر بعض الشباب بالقضاء عليه، بينما يقول القيادي صلاح شادي في كتابه "صفحات من التاريخ: حصاد العمر"، 1987، ما يلي: "فكر بعض إخوة النظام الخاص في تدبير حادث حامد جودة الذي كان مقصوداً به قتل إبراهيم عبدالهادي نفسه، وكان يعتبر في الواقع امتداداً لحكم النقراشي إن لم يكن أكثر عنفا منه". (ص114)

ومما يقوله القيادي الإخواني صلاح شادي عن هروب جويفل ما يلي: "وظل الإخوان المتهمون في قضية حامد جودة في السجن ينتظرون تقديمهم للمحاكمة، وكان من بينهم كما ذكرنا سابقا الأخ نجيب جويفل الذي أخطرني المرحوم الأستاذ حسن العشماوي في نهاية سنة 1950 باعتباره مسؤولا عن لجنة الدفاع عن قضايا الإخوان أن أدلة الاتهام ضده جعلت موقفه عسيراً وأدانته في قتل صاحب العربة الكارو التي كانت تسير مصادفة الى جوار موكب حامد جودة تبدو محققة، الأمر الذي ربما دعا إلى الحكم بإعدامه، وكان نجيب جويفل قد استأذن السندي في تهيئة من يقوم بتهريبه، فرفض بدعوى عجز الإمكانات المتاحة لهذه العملية وسمح له بالقيام بها على مسؤوليته الخاصة إذا استطاع بدون أن يتحمل النظام الخاص نفقاتها.

وتحمس الأخ المرحوم حسن العشماوي لفكرة تهريبه من المستشفى الذي كان يعالج فيه (مستشفى الدمرداش) وأبلغني بضرورة التخطيط لهروبه في هذا الظرف الملائم قبل انتهاء علاجه وعودته الى السجن.

وكان هروبه من المستشفى إلى مكان آمن بالقاهرة أمراً يسيراً ولكن الذي كان يشغلني هو تهريبه إلى خارج القطر". (ص117).

وتدل عملية تهريب جويفل "كامرأة ومربية خرساء" من المستشفى والمطار على تجاهل الإخوان كجماعة سرية لكل القوانين والتخطيط المتقن لعمليات التهريب ولتجاوز كل المواقع، وتدل كذلك على مدى تخصص عناصرهم وتغلغلهم في الوزارات المصرية والمطار والداخلية وكل مكان آنذاك، وربما الى اليوم في دول عديدة، مما وفر للمتهم نجيب جويفل سفراً آمناً الى بيروت.

وتنقل الموسوعة عن د. يوسف القرضاوي في مذكراته أنه في أواخر سبتمبر 1954 وصلت الأزمة ذروتها بين الإخوان وبين عبدالناصر، وصدر في 23 من الشهر قرار من مجلس قيادة الثورة "بنزع الجنسية عن ستة من المصريين بزعم أنهم أساؤوا إلى سمعة بلادهم في الخارج، وأضروا بعلاقاتها مع جيرانها العرب، وكانت تهمتهم خيانة الأمة، وكان الستة جميعا في الخارج في ذلك الوقت هم سعيد رمضان، وعبدالحكيم عابدين، وسعد الدين الوليلي، ومحمد نجيب جويفل، وكامل إسماعيل الشريف، وهؤلاء جميعا من الإخوان المسلمين". وتنقل الموسوعة عن مصدر آخر أن سورية رحبت بهم لاجئين سياسيين.

وتضيف: "عاش نجيب جويفل فترة في سورية غير أنه تم التحول، ولا أحد يعرف هل كان جويفل تبع المخابرات قبل سفره أم بعده، كما لا يعرف أحد السبب، لكن أصبح نجيب جويفل رجل عبدالناصر المخابراتي الذي ينفذ ما يمليه عليه عبدالناصر حتى أنه حاول شق صف الإخوان في سورية وتأليب الإخوان على الدكتور مصطفى السباعي".

يقول د. مصطفى السباعي مرشد إخوان سورية: "كانت معرفتي بنجيب جويفل لأول مرة في معسكر النصيرات قبل أن ننتقل إلى معسكر البريج، وكان نجيب واحداً من مجموعة طلاب الجامعات الذين هجروا الأهل والدراسة وجاؤوا للالتحاق بكتائب الجهاد".

ويضيف د.السباعي انطباعاته عن جويفل، كما تنقلها موسوعة الإخوان Ikwan Wiki، فيقول: "غريب هذا الإنسان المخلوق الذي يستطيع أن يجمع في إهابه كل الميول والنقائض". وتضيف الموسوعة "كان نجيب جويفل جريئا شجاعا وكان يتمتع بصفات قيادية نادرة، فهو محدث بارع وخطيب مفوه، وكانت لديه قدرة غير عادية على كسب من حوله، ولذلك أصبح الباب مشرعا أمامه لكي يصعد في مدارج المسؤوليات والقيادات، فإذا اجتمعت تلك المواهب الطبيعية النادرة مع طموح لا حد له أصبح الرجل شحنة هائلة قابلة دائما للانفجار، وهكذا كان نجيب جويفل".

وتوقع د.السباعي لنجيب جويفل أن يتسبب هذا كله في مقتله، كما حدث مع الشاعر المتنبي الذي حمله الطموح الهائج الى حتفه كما هو معلوم، غير أن جويفل توفي عام 1987 فيما كان د.السباعي قد رحل سنة 1964.

ويواصل د.السباعي نقده اللاذع لنجيب جويفل وقدراته الهائلة في شق صفوف الإخوان فيقول: "كان لدى نجيب جويفل قدرة عجيبة على شق أي مجموعة متحدة عن طريق المزايدة، وأخذ مواقف التطرف، وهذا النوع يروج في الجماعات الإسلامية أكثر من غيرها، لأنه ينفق من رصيد عاطفی زاخر، يستطيع أن يبرز فيه تراث خالد بن الوليد، وأبو عبيدة، وغيرهم من أبطال الإسلام، بعد أن يضع حولهم ببلاغة هالة مضاعفة، وقد استطاع نجيب أن يشق معسكر البريج لعدة "شلل" المنفى، وجدناه ما دخل بلداً إلا أحدث فيه انشقاقات، إلا أن الختام المفجع قد وقع حين ظهر في بزته العسكرية ضابطا في المخابرات العسكرية".

● خليل علي حيدر

back to top