الأدب المُنحط!

نشر في 16-11-2021
آخر تحديث 16-11-2021 | 00:20
 د.نجم عبدالكريم هناك حضارات كُتب لها تاريخ لم يزل شامخاً حتى الآن، سطره أولئك الذين كانوا يبدعون في معطياتهم الفلسفية، والفكرية، والأدبية، بل في أشعارهم، فجلجامش تُعد من أبرز علامات حضارة العراق، وإلياذة وأوديسة "هوميروس" لم تزل أوروبا تتغنى بهما فخورةً بماضيها، بينما تراجعت حضارة الرومان بسبب مباذل "كاليغولا" و"نيرون"، والانحطاط الذي كان يمارسه الممثلون فوق خشبة المسرح، مما عجّل بانهيار حضارة روما. وسيطول بنا الحديث عندما نأتي على معطيات التاريخ الإبداعي للإنسان العربي، ولكن ما أريد الوصول إليه من هذه المقدمة أن آداب الأمة هي التي تؤرخ لها، إذا كانت معبرةً عن معطياتها الحضارية، فتجعلها ساطعةً على امتداد التاريخ، وهي التي تنحط بها إذا كانت تُفرز أدباً مُنحطاً.

****

* رغم سنوات اغترابي الطويلة، كنت أتابع فيها الحركة الأدبية في الكويت من خلال رموزها التي كانت ومازالت شديدة الحرص على الارتفاع بمستواها، وكذلك تحافظ على إرثها الثقافي الذي نشأ منذ نشأة الكويت نفسها، وهذا ما أكده كتاب "تاريخ الثقافة في الكويت" للدكتور خليفة الوقيان، وكذلك من تلك البحوث والدراسات التي كتبها العديد من المثقفين الكويتيين، لكن الذي يبدو أن النزاعات والمزايدات السياسية، التي سادت في معظم المرافق، قد شملت هذا المرفق الأدبي المتميز، مما اضطره تحت صرامة تطبيق قوانين جمعيات النفع العام إلى أن يفتح أبوابه لمن لا يفرق بين عضوية جمعية تبيع مواد غذائية وغيرها من الأدوات المنزلية، وعضوية رابطة الأدباء، التي يفترض أن يكون العضو فيها من صفوة الصفوة، لما يجب أن يتمتع به من مميزاتٍ أدبية وفكرية، لأن أي عضو في رابطة الأدباء يعتبر إنساناً قيادياً في المجتمع، فهو يتعامل مع الكلمة، والرواية، والقصة، والقصيدة، وهذه كلها تستهدف المجتمع كله، ولهذا فلا يجوز قبول عضوية من لم تتوافر فيه الخصائص الأدبية والفكرية، والموهبة الشعرية، فجمعية الخريجين لا تقبل من لم يتخرج من جامعة، وكذلك جمعية المحامين، وهكذا الحال مع الجمعيات المتخصصة، وهكذا يجب أن تكون الرابطة، وكما قلت في بداية المقال: إن المبدع هو الذي يسطر تاريخ أمته.

****

* بكل الحزن والأسف أقول: لقد وقعت بين يدي بعض الكتب، والقصص، والأشعار لموهومين أنهم أدباء، واطلعت على العديد من تلك المطبوعات، التي لا أسميها أدبية، لأنها كارثية، وهي من إنتاج أناس يفتقرون إلى الموهبة، ولو أن القانون يسمح لي لذكرت عناوين الكتب وأسماء مؤلفيها، لكن سيصبح كل واحدٍ منهم شيكسبير عصره، وطاغور دهره، ودوستويفسكي زمانه، ويرفعون قضايا رد اعتبار، بينما أنا أطالب برد اعتبار لهذا البلد الجميل، الذي بات يُعبث بمعطياتهِ الحضارية، باتخاذ قرار إعدام كل هذا الهزال الرث، بتشكيل لجان تنظيف الساحة الأدبية!

د.نجم عبدالكريم

back to top