أنطونيو سكارميتا... «لم يحدث أي شيء"

نشر في 28-10-2021
آخر تحديث 28-10-2021 | 00:01
ينسى البعض من قراء "ألف ليلة وليلة"، الراوي الأساسي الذي قصَّ على القراء حكاية شهرزاد مع زوجها الملك شهريار، ويظن البعض أن شهرزاد هي التي تقص الحكايات، لكنّها خطة الراوي الأساسية وحيلته الأجمل، في تسخير شهرزاد، ورواة كثر لإكمال حكاياته. وهذا يقول الكثير حول وجود الرواة في العمل الروائي تحديداً.

إن أهم ما يجب أن يتنبّه إليه أي كاتب رواية وأي قارئ هو الدور المحوري والأساسي الذي ينهض به الراوي أو الرواة كحلقة وصل بين المؤلف والقارئ، وأن الراوي في أحيان كثيرة هو ممثل المؤلف الأهم والناطق بفكره ووعيه، لذا لا بدَّ أن تكون هناك علاقة بين الراوي والحكاية التي يقصّ أحداثها، ومن الضرورة بمكان أن يعرف القارئ كيف عرَف الراوي بخفايا الحكاية، وعوالم أبطالها، والأمكنة والبيئات التي جربت فيها.

حين بدأتُ بقراءة رواية لم يحدث أي شيء للكاتب التشيلي أنطونيو سكارميتاAntonio Skarmeta المولود عام 1940، والذي عرفه العالم برواية ساعي بريد نيرودا، ومع الصفحات الأولى، دار ببالي: كم عمر الراوي وهو يقصّ الحكاية على القارئ، وأين تراه مكان وجوده مما يجري؟ وبقيت أتتبع أحداث الرواية الصغيرة - لا تتجاوز الـ 83 صفحة - الصادرة عن دار ممدوح عدوان للنشر، وبترجمة عبدالسلام باشا، دون أن أصل إلى إجابة.

صحيح أن هناك إيحاء بعمر الراوي، وكونه صبياً، لكن هنا يجب القول: لا يمكن لشخص أن يكون راوياً ويقص حكاية على مستمع أو قارئ دون أن يكون له عمر لحظة القص، ودون أن يكون له مكان لحظيّ أثناء القص، وأخيراً لا بدَّ أن تكون له علاقة بما يقص.

رواية لم يحدث شيء تتناول مجيء أسرة من تشيلي إلى ألمانيا، هاربة من جحيم الدكتاتور أوغستو بينوشيه الذي حكم تشيلي الفترة من 1990-1973، وتأتي الرواية بصيغة ضمير المتكلم، وعلى لسان الفتى لوتشو، وهي إذ تقص حكاية ومعاناة الأسرة المكونة من أب وأم ولوتشو الراوي وأخيه الأصغر.

ولأنّ المؤلف أنطونيو سكارميتا كاتب متمرس في صنعة الكتابة، فهو قادر على أن يقود قارئه بحرفيّة عالية لإكمال الرواية وبمتعة وتشويق، لكن القارئ/ الدارس الذي يبحث خلف متعة القراءة عن توافر عناصر الكتابة الإبداعية في العمل، سيرى بوضوح أن المكان اللحظي غائب تماماً، إلّا في مشاهد قليلة، وربما ما أنقذ الرواية، وأعطاها القيمة الأهم، هو المشهد الأخير بعراك الصبي لوتشو/ التشيلي مع الألماني مايكل، حيث يظهر للمرة الأولى المكان بوصفه عنصراً أساسياً ومهماً لتشكيل خلفية المشهد، إضافة إلى إدخال عناصر الطبيعة، الليل والظلمة والمطر، كما أن تصاعد الحدث الدرامي في المشهد، وحده قدّم مقولة الرواية الأهم، بأن الأغراب اللاجئين، وفي أي مجتمع من المجتمعات لا يمكن لهم أن يعمّدوا وجودهم الإنساني دون دفع ثمنٍ لذلك، وهذا الثمن وحده، بضريبته الجسدية والمادية، ما يضمن الاعتراف بهم.

إن انكشاف الترجمة العربية في السنوات الأخيرة على شتى الأسماء الأدبية من العالم، جعل البعض يتكلّم بتفخيم كبير عن أي روائية أو روائي لا لشيء إلّا لأنّه قادم من الضفة الأخرى، دون النظر إلى أن دوائر الاهتمام الأدبي والاجتماعي تختلف من مجتمع لآخر، كما أن ذائقة القارئ الغربي، الأوروبي والأميركي، تختلف بالضرورة عن ذائقة القارئ العربي، كما أن منابر الإعلام والثقافة في الغرب تتلقى وتهتم بالكتابات الأخرى، غير الأوروبية والأميركية، بما يتناسب ومصلحتها ويصب في خانة الدعاية التي تُروّج لها.

رواية لم يحدث أي شيء للتشيلي أنطونيو سكارميتا، رواية متعة صغيرة، ومؤكد أنها أخذت صيتًا وحضوراً عالمياً، لأن مؤلفها هو نفسه مؤلف رواية آسرة هي ساعي بريد نيرودا، وهذا يقول كيف أن نتاج أي مبدع هو كلٌ لا يتجزّأ.

طالب الرفاعي

back to top