الانتقال من النية إلى العمل في قمة المناخ «كوب 26»

نشر في 10-10-2021
آخر تحديث 10-10-2021 | 00:00
لن يُساعد إعلانان أو ثلاثة إعلانات «ضخمة» في إنجاح مؤتمر «كوب 26»، ولن يتسنى تحقيق هذه الغاية إلا من خلال مجموعة متوازنة من القرارات والإجراءات التي تعكس توقعات واهتمامات واحتياجات جميع الأطراف المعنية، ناهيك عن الطموح المتزايد.
 بروجيكت سنديكيت أصبحت هناك أدلة متزايدة على الدمار الذي ينتظرنا إذا فشلنا في التصدي للتغيرات المناخية، فالفيضانات الكارثية التي اجتاحت آسيا وأوروبا الغربية مؤخرا، وارتفاع درجات الحرارة بشكل غير مسبوق في أميركا الشمالية، ونشوب حرائق الغابات في جنوب أوروبا- والتي تعكس جميعها الكوارث التي واجهتها البلدان النامية في السنوات الأخيرة- تذكرنا بأنه ليس هناك بلد آمن، يعتمد مستقبل كل فرد على تصرفات الجميع.

إن المنظور العلمي واضح للغاية، ففي شهر مايو الماضي، حذرت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية من أن هناك احتمالا بنسبة 40 في المئة بأن يتجاوز المتوسط السنوي لدرجة الحرارة العالمية 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، على الأقل بشكل مؤقت، في غضون السنوات الخمس المقبلة، وتستمر الاحتمالات في الارتفاع، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى إحداث نقاط تحول كارثية مُحتملة.

واليوم، يعمل الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ على وضع اللمسات الأخيرة على تقريره الرئيسي القادم بشأن تغير المناخ، الذي سيصدر قبل انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة السادس والعشرين المعني بتغير المناخ "كوب 26" في غلاسكو، إذ يُعد كل تقرير مُتتال صادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أكثر صرامة من التقرير السابق، وليس هناك ما يدعو للاعتقاد بأن التقرير التالي سيكسر هذا النمط.

وبعد كل شيء، لا يسير العالم على المسار الصحيح لتحقيق هدف اتفاقية باريس للمناخ المتمثل بالحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية بحيث لا تتجاوز درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية- ناهيك عن تحقيق هدفه "المثالي" ببلوغ 1.5 درجة مئوية- بحلول نهاية القرن، بل على العكس من ذلك، وكما أظهر العدد الأولي للتقرير التجميعي لجميع المساهمات المحددة وطنيا الصادر في فبراير الماضي، فإننا نتجه نحو ارتفاع يبلغ 3 درجات مئوية، أو حتى أكثر، بحلول عام 2100.

لكننا يجب ألا نفقد الأمل، ففي حين نتحرك نحو نقطة اللاعودة، لم يفت الأوان بعد لتغيير المسار والانتقال إلى مسار أكثر استدامة، وهو ما سيُساعدنا في الحد من أسوأ تأثيرات تغير المناخ، وفي اتفاقية باريس للمناخ، لدينا بالفعل خريطة طريق شاملة.

ومع ذلك، فإن الخريطة التي لا يتم إتباعها لا تعني شيئا، ولكي تقودنا اتفاقية باريس للمناخ إلى التحول اللازم، يجب على جميع الدول أن تتعاون لتحقيقه، وهذا يعني الوفاء بالتزاماتها الفردية والعمل على خفض الانبعاثات الكربونية بنسبة 45 في المئة بحلول عام 2030 (مقارنة بمستويات عام 2010)، وتحقيق صافي الانبعاثات الصفرية بحلول عام 2050، وهذا هو الجدول الزمني الذي توصي به الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ للبقاء دون عتبة 1.5 درجة مئوية، وهذا يعني أيضا مواصلة التكيف وتعزيز القدرة على مواجهة التحديات المستقبلية المتعلقة بالمناخ.

هذه مهمة صعبة، ولكن هناك من الأسباب ما يجعلنا نعتقد أن العالم قادر على تحقيق هذه الغاية، فعلى سبيل المثال، كانت الدورات الافتراضية التي عقدتها مؤخرا الهيئات الفرعية لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ مُشجعة للغاية، حيث شارك المندوبون بشكل فعال في مجموعة كبيرة من المواضيع الحاسمة، وفي حين ظل الاتفاق على العديد من القضايا الرئيسة بعيد المنال، تم إحراز تقدم ملحوظ.

كانت إحدى الدروس الرئيسة المستفادة من تلك المناقشات تتمثل في أن الدفع بجدول الأعمال إلى الأمام يتطلب توجيها سياسيا، فقد تم توجيه هذه الرسالة بقوة في الاجتماع الوزاري الذي عقده مؤخرا الرئيس المُعين لمؤتمر الأمم المتحدة بشأن تغيّر المناخ "كوب 26" إتش إي ألوك شارما، وقد حضر هذا الاجتماع وزراء وممثلون رفيعو المستوى من البلدان في جميع مجموعات التفاوض الرئيسة.

كانت جميع قمم "كوب" للمناخ مهمة للغاية، لكن التحديات البيئية المتصاعدة تعني أن كل قمة كانت أكثر أهمية من سابقتها، وقمة المناخ "كوب 26" ليست استثناء، بل على العكس من ذلك، فنظرا إلى التأثير المدمر الناتج عن جائحة كوفيد19 على المجتمعات في جميع أنحاء العالم وتأثيراته السلبية على عمليتنا، فقد ارتفعت المخاطر بشكل كبير، لكن هذه الأزمة تمثل أيضا فرصة قوية للتقدم، حيث تسعى البلدان إلى "إعادة البناء بشكل أفضل".

ويتعين على العالم العمل على إنجاح قمة "كوب 26" للمناخ، حيث تتمثل فرصتنا الوحيدة للوصول إلى طريق من شأنه أن يبقينا دون عتبة 1.5 درجة مئوية في إجراء اختبار حاسم للمصداقية في المعركة العالمية ضد تغير المناخ، فإذا نجحنا في هذا الاختبار، فسنتمكن من تعزيز ثقتنا بقدرتنا الجماعية على مواجهة التحديات غير المحدودة مثل الأوبئة.

وتحقيقا لهذه الغاية، هناك العديد من القضايا الحاسمة التي يجب حلها في مؤتمر قمة "كوب 26". هناك أربع أولويات واضحة:

أولاً: يجب الوفاء بالوعود السابقة، يُعد إثبات الوفاء بالالتزامات التي تم التعهد بها حتى عام 2020 أمرا ضروريا لبناء الثقة بين البلدان، ويشمل ذلك، على سبيل المثال، هدف حشد 100 مليار دولار سنويا بحلول عام 2020 لمساعدة الاقتصادات النامية في التحول نحو الطاقة الخضراء، وتقديم الدعم في شكل بناء القدرات ونقل التكنولوجيا.

نجحت البلدان المتقدمة في تعبئة موارد هائلة لدعم اقتصاداتها خلال جائحة فيروس كوفيد19، ويتعين عليها إظهار مستوى مماثل من الالتزام لدفع عملية الانتقال نحو مستقبل أكثر استدامة ومرونة في التعامل مع أزمة المناخ، وهذا يعني ضمان حصول نظرائها من الدول النامية على الدعم المطلوب.

ثانياً: يجب حل الخلافات القائمة بشأن التمويل والشفافية والتكيف والمرونة والخسائر والأضرار والدعم الفني والتوجيه للبلدان النامية، حتى نتمكن من تنفيذ اتفاقية باريس للمناخ بالكامل، إذ تعتبر حماية الناس والكوكب أكثر أهمية من أي خلاف تقني، مهما كان مُعقداً أو مُثيراً للجدل.

ثالثاً: يجب رفع مستوى الطموحات، ويتعين على البلدان الالتزام ببذل المزيد من الجهود في المجالات الرئيسة الثلاثة لجدول أعمال المناخ: التخفيف والتكيف والتمويل، وسيعطي التقرير التجميعي التالي للمساهمات المحددة وطنيا، والذي سيتم إصداره قبل انعقاد قمة "كوب 26" صورة أكثر وضوحا للتقدم الذي تم إحرازه حتى الآن، حيث سيتضمن المزيد من مصادر الانبعاثات الرئيسة. أيا كانت نتائج هذا التقرير، فلا شك أن المزيد من الخطط الطموحة والحازمة من جانب الحكومة والشركات ستكون ضرورية لوضع العالم على مسار تحقيق هدف بلوغ 1.5 درجة مئوية.

رابعاً: لا يمكن أن تظل الأصوات غير مسموعة، والاقتراحات بدون مراقبة، ففي ظل مواجهة أزمة عميقة مثل تغير المناخ، يؤدي جميع الأفراد دورا حاسما، ولهذا السبب، يُعد التمثيل المتوازن لجميع المناطق والمجموعات ضروريا لنجاح مؤتمر الأطراف السادس والعشرين، حيث يُشارك المراقبون والشركاء من غير الأعضاء، بما في ذلك الدوائر التسع للمنظمات غير الحكومية، مشاركة إيجابية في هذه العملية. ينبغي لمبادرات مثل شراكة مراكش للعمل المناخي العالمي وحملة السباق نحو تحقيق صافي انبعاثات أن تُسهم إسهاما كبيرا في العمل المناخي وتُعزز الطموحات في مجال المناخ على الصعيد العالمي.

باختصار، لن يُساعد إعلانان أو ثلاثة إعلانات "ضخمة" في إنجاح مؤتمر "كوب 26"، ولن يتسنى تحقيق هذه الغاية إلا من خلال مجموعة متوازنة من القرارات والإجراءات التي تعكس توقعات واهتمامات واحتياجات جميع الأطراف المعنية، ناهيك عن الطموح المتزايد.

لقد أصبح القول إن التحديات العالمية تتطلب حلولا عالمية أمرا مُبتذلا، ومع ذلك، وكما أظهرت الأزمات الأخيرة، فإن هذا لا يمكن أن يكون أكثر صحة. من فيروس كوفيد19 إلى تغير المناخ، لن يكون أحد في مأمن حتى يصبح الجميع آمنين.

وإن تغير المناخ الجامح ليس أمرا حتميا، ولكن إذا لم نتصرف بسرعة، فسيُصبح كذلك. لقد أثبتنا قدرتنا على القيام بمهام تحديد محركاته ووضع استراتيجية عالمية شاملة للتعامل معه، والآن يتعين على حكوماتنا القيادة، وعلى شركاتنا الابتكار، كما يجب أن تتحد مجتمعاتنا في خدمة قضية مشتركة: بناء مستقبل مستدام.

* الأمينة التنفيذية لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ.

* باتريشيا إسبينوزا

Project Syndicate

العالم لا يسير على المسار الصحيح لتحقيق هدف اتفاقية باريس للمناخ المتمثل بالحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية

بينما نتحرك نحو نقطة اللاعودة لم يفت الأوان بعد لتغيير المسار والانتقال إلى مسار أكثر استدامة
back to top