«وإنك لعلى خلق عظيم» (3) المثل الأعلى في العشرة الزوجية

نشر في 27-09-2021
آخر تحديث 27-09-2021 | 00:06
 د. عبدالحميد الأنصاري من وصف بالخلق العظيم لا بد أن يكون تعامله مع زوجاته على أكمله، فكيف استطاع نبينا أن يتعامل مع نسائه معاملة الزوج المحب والعادل بينهن؟

المرأة هي المرأة سواء كانت زوجة للرسول أو زوجة لغيره، تنتابها الغيرة والتنافس على قلب الرجل خاصة في وجود الضرائر، لكن رسولنا الكريم استطاع بحسن خلقه وبما آتاه ربه من الحكمة وحسن التصرف أن يوازن الأمور ويقود دفة الحياة الزوجية إلى بر السعادة والعشرة الطيبة، وكيف لا يكون كذلك وهو الأسوة الحسنة لنا، صلى الله عليه وسلم.

لتوضيح الصورة الحقيقية لعلاقة رسولنا بأزواجه، علينا إزاحة ركام هائل من المرويات الحديثية عبر محاكمتها للنصوص القرآنية والمرويات الصحيحة، ومقارنتها بأخلاقيات الرسول وسيرته العطرة.

كتّاب السيرة القدامى، رحمهم الله، والمعاصرون رووا كثيراً من المرويات حول علاقة النبي بأزواجه، ومعظم هذه المرويات بحاجة إلى تقييم نقدي موضوعي يأخذ في اعتباره الجانب الأخلاقي والإنساني للرسول، ولعل من أقيم هذه الدراسات النقدية كتاب (أزواج النبي: دراسة للعلاقة بين النبي وَأَزْوَاجِهِ) عرض ونقد للروايات، للباحث السعودي محمد بن فارس الجميل- دار جداول- بيروت 2016، وسيكون هذا المقال مستفيداً من هذا الجهد التوثيقي.

المقصود بأزواج النبي اللاتي توفي عنهن وهن في عصمته:

(1) سودة بنت زمعة، (2) عائشة بنت أبي بكر، (3) حفصة بنت عمر، (4) أم سلمة المخزومية، (5) جويرية بنت الحارث (6) زينب بنت جحش، (7) صفية بنت حيي، (8) أم حبيبة بنت أبي سفيان، (9) ميمونة بنت الحارث.

تميز رسولنا بلطف المعاملة وحسن العشرة في كل تصرفاته مع نسائه، ورغم ما في طبيعة النساء من الغيرة والتنافس على الاستحواذ بمحبته فإنه كان حريصاً على التسوية وإعطاء كل زوجة نصيبها العادل من الاهتمام والرعاية، ومن هنا فإن كل المرويات عن تفضيله لعائشة بحاجة إلى إعادة النظر، نعم كان هناك الميل القلبي لها وهذا كان معروفاً، لكن لم يصح إعلان الرسول تفضيله عائشة لأنه يهدم مفهوم العدل بين الزوجات.

امتازت حياة الرسول بالشفافية العالية، وقد يلجأ إلى الاستشارة كما في حادثتي الإفك والتواطؤ.

ما أريد تأكيده، لم تكن زوجات الرسول على مستوى خلقي واحد: فهناك من بلغت قمة الرقي الأخلاقي، خديجة، رضي الله عنها، التي أحبها الرسول حباً بلغ أنه لم يستطع البقاء في مكة بعد وفاتها، وظل يحن إليها ويستعيد أيامها ويتحبب إلى أقربائها، وتدمع عيناه إذا رأى شيئاً من آثارها، وهناك من كانت دون ذلك، حتى أن الرسول طلقها ثم استرجعها.

نعم، كان في بيت الرسول غيرة، ومنافسة، بين بعضهن أحياناً، وهذا أراده الله لحكمة عليا، ليؤكد أن هؤلاء ما هم إلا بشر يجري عليهم ما يجري على سائر البشر، وليعلمنا كيف استطاع الرسول أن يسوس أمور هذه الأسرة كربّان ماهر أوصل سفينته وسط العواصف إلى بر الأمان، إذ لو كانت أسرته صفوة فأي امتياز له، وأي درس نأخذه؟

يقول أحمد شلبي في (الرسول في بيته): إن الله سبحانه وتعالى كون هذه الأسرة على هذا النمط ليتعلم منه المسلمون كيف يسوسون أسرهم ويدبرون حياة بيوتهم.

تروي كتب السيرة والحديث 4 حوادث كبرى في الحياة الزوجية للرسول، من شأنها العصف بالحياة الزوجية لأي منا: حادثة الإفك (الخامسة للهجرة) حادثة العسل (السابعة للهجرة)، حادثة خلو الرسول بمارية (الثامنة للهجرة) اعتزال النبي لنسائه شهراً (التاسعة للهجرة)، لكن الرسول عالجها بحكمته العالية وخلقه السامي، ليعلمنا كيف تكون العشرة الطيبة.

أخيراً:

الدروس التي نأخذها من بيت الرسول، أنه على الرغم من منغصات الحياة الزوجية فإنه، عليه الصلاة والسلام، ما ضرب، ولا عنّف، ولا شتم قط، ولا طلق باتاً أيا من نسائه، ومن طلقهن استرجعهن، وكان أسلوبه دائماً: الصمت وكظم الغيظ والتسامح، وحتى تجاه أشد المواقف الغاضبة له، كان أسلوبه الاحتجاج الصامت والاعتزال لاغير. ما أعظمك خلقاً أيها الرسول!

يتبع،،،

* كاتب قطري

د. عبدالحميد الأنصاري

back to top