«عدالة الصورة» في الميزان

إصدار يسلط الضوء على النص البصري الموازي للكتابي

نشر في 20-09-2021
آخر تحديث 20-09-2021 | 00:06
غلاف الإصدار
غلاف الإصدار
​لم يزل د. علي عاشور يبحث عن الجديد في مسالك العلم وممالكه، إذ لا يرتضي ارتياد الوَطِيء وينزع نحو الحزون، وأحسب أن العقلية الناقدة التي يتمتع بها هي حادي وهادي ركبه إلى هذه المسالك العلمية والممالك البحثية.
يكرّس د. علي عاشور في كتابه الذي صدر حديثا عن عدالة الصورة في قصص الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة (2021) جهده، لنقد قصص الأطفال التي اتخذت من ذوي الاحتياجات موضوعا لها، ساعيا إلى نقد الصورة التشكيلية الموازية للنص، وكيف تحقق باعتبارها نصا موازيا للخطاب الغاية من وجودها والوظيفة من حضورها.

ولم يكتفِ عاشور بهذه القراءة الناقدة، بل سعى إلى تأكيد أدوات تحليل الصورة باعتبارها نصا بصريا مستفيدا مما أنجزه بول جي من قائمة أدوات لتحليل الصورة، والتي يمكن توظيفها في قراءة الصور واللوحات الفنية باعتبارها نصوصا بصرية وعلامات غير لغوية، إذ أوجزها في تسعة عشر أداة، منها: أداة الإشارة، وأداة ملء الفراغات، وأداة كشف الموضوع أو الغرض، وأداة التضخيم والتكثيف، وأداة الأفعال لا الأقوال، وأداة تحليل الخطوط، وأداة التساؤل... إلخ.

إن عاشور في هذا المصنف لم يقدّم لنا نقدا لقصص الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة فحسب، بل وضع لنا الأدوات التي يمكن أن تكشف لنا تحقُّق "عدالة الصورة" الفنية متى ما توافرت هذه الأدوات أو بعضها في القصة.

إن "عدالة الصورة" تُعنى بالنص البصري الموازي للنص الكتابي، حيث تتضافر الصورة نصا بالكتابة خطابا من ناحية، ومدى تحقيق الصورة لخصائص الشخصيات أو الأدوات التي يستخدمها أصحاب الإعاقات المختلفة من ناحية ثانية، ليشكّل النصان (اللغة واللوحة) مع خصائص الإعاقة متضافرين الغاية المنشودة والمأمولة من القصة وأثرها البصري.

​وهذا المفهوم لعدالة الصورة تحقق في الفصلين الأول والثاني، حيث أخلص الفصل الأول منه للمهاد النظري الذي كشف فيه عن ثقافته وسعة اطلاعه ووعيه النقدي في صك مصطلح "عدالة الصورة"، من خلال التفريق بين النص والخطاب، فضلا عن استثمار ما أنجزته المناهج النقدية كالسيميائية والتفكيكية وما بعد الحداثة والاستعانة بها في صك المصطلح والوثوق من فاعليته.

​أما الفصل الثاني، فقد سعى فيه إلى تحليل صور المعوقين في النتاجات القصصية من فئة المعوقين ذوي الاحتياجات الخاصة: الإعاقة العقلية، والإعاقة السمعية، والإعاقة البصرية، والإعاقة الحركية، وصعوبات التعلم، والاضطرابات السلوكية والتواصلية، والتوحد الطفولي، هذا فضلا عن صورة الطفل المعوق في أدب الأطفال.

​أما الفصول الثمانية فجاءت كلها تطبيقات ناقدة لصور قصص الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة على حسب الإعاقة: صور الأطفال ذوي الإعاقة العقلية، وصور الأطفال ذوي التوحد الطفولي، وصور الأطفال ذوي صعوبات التعلم واضطراب النطق، وصور الأطفال ذوي الإعاقة البصرية، وصور الأطفال ذوي الإعاقة السمعية، وصور الأطفال ذوي الإعاقات الجسمية والصحية، وصور الأطفال ذوي الأمراض المزمنة، وصور الأشخاص من ذوي الاختلاف المُعَوِّق. وقد بلغ مجموع هذه القصص 236 قصة.

​إن هذا التتبّع العلمي والتصنيف البحثي الدقيق للإعاقات كافة وصورها في قصص الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة هو عمل نقدي من الطراز الرفيع، يحاول أن يقيم ما تم إنجازه، ويفتح أفق الإبداع نحو تعديل المسار في تحقيق "عدالة الصورة" فيما سيتم إنجازه من قصص للأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة في المستقبل.

● عباس يوسف الحداد

back to top