وجهة نظر : أزمة التغير المناخي ومدى أثرها على برميل النفط

نشر في 17-08-2021
آخر تحديث 17-08-2021 | 00:30
 محمد عبدالمحسن حاجية يعتبر موضوع أزمة المناخ من أبرز مواضيع القرن الحادي والعشرين من حيث الأهمية، لكونه متعلقاً بتحديد مصير مستقبل كوكب الأرض كما يرى أغلب العلماء. وفي الوقت ذاته، تم ربط هذه الأزمة ببرميل النفط باعتباره المسبب الأكبر لها، فكثر الجدل في العلاقة ما بين الأزمة المناخية والصناعة النفطية، لذلك، أحببت أن أقوم بكتابة هذا المقال لتوضيح الصورة قدر المستطاع بشكل مبسط يسهل للقارئ فهمه.

ما هي أزمة المناخ؟ يُصنف العلماء اليوم حوالي 90% من الكوارث الطبيعية كالأعاصير والفيضانات باعتبارها كوارث ذات صلة بالطقس والمناخ، حيث أصبح تغير المناخ حقيقة لا يمكن إنكارها، وبحسب التقارير الصادرة من الوكالة الدولية للطاقة، تم رفع تصنيف أزمة التغير المناخي الى "خطر وجودي" يهدد جميع الكائنات الحية على كوكب الأرض. ويرى العلماء أنه من أجل إنقاذ الحياة على هذا الكوكب يجب أن يكون ارتفاع درجات الحرارة لا يزيد على درجة ونصف مئوية منذ بداية الثورة الصناعية عام 1800م الى عام 2100م. ويرى العلماء أن تحقيق هذا الهدف يكمن في تقليل انبعاثات ما يسمى بـ "الغازات الدفيئة" والتي تعتبر المسبب الرئيسي لارتفاع درجة حرارة الأرض، وأبرز هذه الغازات غاز ثاني اكسيد الكربون المسبب الأول لظاهرة "الاحتباسِ الحراريّ"، حيث تسمح هذه الغازات للأشعة الشمسية الحرارية بدخول الغلاف الجوي وتبقيها حبيسةً مما يرفع درجة حرارة الأرض.

كيف تصرف العالم لمواجهة الأزمة؟ نتيجة للحالة الطارئة التي تستدعي تكاتف جميع دول العالم من منطلق وحدة المصير، عقدت قمة باريس للمناخ في عام 2015 حيث وقعت اغلب دول العالم على اتفاقية ملزمة تهدف للوصول الى الحياد الكربوني في عام 2050. ويجب توضيح أن الحياد الكربوني لا يعني عدم وجود انبعاثات كربونية بشكل نهائي، ولكن أن تكون كمية الانبعاثات الكربونية تساوي كمية الامتصاص، وذلك إما عن طريق التشجير أو استغلال تقنيات حديثة مثل عمليات التقاط الكربون وتخزينه وإعادة تدويره. وعلى الرغم من خطورة القضية فإن الصين أكبر ملوث بالعالم (30%) لم تنضم للاتفاقية، وانسحبت الولايات المتحدة الأميركية ثاني أكبر ملوث (15%) بعد مرور عام بحجة عدم مشاركة الصين. مؤخراً، اعلنت الصين الانضمام للاتفاقية وكذلك الولايات المتحدة.

هل العالم في المسار الصحيح للحياد الكربوني 2050؟ تشير الدراسات إلى انه في حال استمرار الوضع على ما هو عليه فإنه من المتوقع ان يصل ارتفاع درجات الحرارة الى ثلاث درجات مئوية بحلول عام 2100، الأمر الذي سيتسبب بأضرار بليغة لا رجوع فيها لنظم الأرض الإيكولوجية، مما يؤدي إلى زيادة تواتر وحدة الكوارث الطبيعية. يوضح الجدول التالي تصنيف النشاطات الرئيسية الباعثة للغازات الدفيئة:

ما هي أبرز التحديات؟ تقع التحديات امام الوصول لهدف الحياد الكربوني عام 2050 تحت عنوانين رئيسيين، الأول الابتكار والثاني: التكلفة. فلتقليل الانبعاثات يجب ابتكار البديل المماثل بالجودة الخالي او قليل الانبعاثات وبتكلفة موازية مع التقليدي لجذب المستهلك والمستثمر بنفس الوقت. فعلى سبيل المثال، فإن لكل 1 طن من الاسمنت يصدر ما مثله بالوزن غازات دفيئة الى الغلاف الجوي. وعلى الرغم من توفر الأسمنت الأخضر الصديق للبيئة، إلا ان تكلفته قد تصل الى ضعف ونصف تكلفة الاسمنت التقليدي. فيتضح من ذلك عدم تواجد جدوى اقتصادية من انتاجه على نطاق صناعي واسع. كذلك، في بعض الأمثلة ربما يكون البديل المثالي متوفراً والتكلفة منخفضة، إلا أنها ليست منخفضة بالقدر الكافي. فقد يستطيع المزارع الأوروبي أو الأميركي (بدعم من حكومته) أن يستخدم السماد الصديق للبيئة الخالي من الأمونيا المسببة للتلوث الجوي أو أن يتحمل تكلفة غذاء خاص للمواشي لتقليل انبعاثات غاز الميثان الذي يصدر من تجشئها وفضلاتها والذي يلوث أكثر من غاز ثاني اكسيد الكربون بـ 80 مرة الى الغلاف الجوي. بينما لا يستطيع المزارع الهندي او الإفريقي تحمل نفس التكلفة.

ما علاقة كل ما سبق ببرميل النفط؟ وهنا تقع المغالطة بربط برميل النفط على انه الملوث الأكبر بينما هو ليس كذلك. فعند تسليط الضوء على المشتقات الرئيسية لبرميل النفط نجد ان ما يقارب 76% (مع خصوصية بسيطة لسفن الحاويات) له علاقة بحركة النقل (البري والبحري والجوي) والتي ذُكرت بالجدول رقم (1) تحت مسمى وسائل النقل حيث جاءت بالمرتبة الرابعة على سلم الانشطة الملوثة. ولتحري الدقة، يجب أن نذكر أن حضور النفط كملوث كان محدوداً جداً في الفئات الأخرى. فعلى سبيل المثال، نجد أن النفط المستخدم في توليد الكهرباء يمثل فقط 3% من اجمالي طلب توليد الكهرباء العالمي، وذلك حسب تقرير شركة بي بي البريطانية الإحصائي لعام 2020.

هل هنالك تهديد للـ 76% من طلب النفط المتعلق بحركة النقل (اليوم)؟ يمثل النقل البري 80% من استهلاك الوقود بينما تشكل حركة التنقل الجوي والبحري ما نسبته 10% لكل منهما. القاعدة الأساسية التي سلف ذكرها وهي حضور الابتكار والتكلفة الموازية لانتشار الاستخدام حاضرة حتى الآن بشكل واضح في وسائل النقل البري وفقط بسيارات الركاب التي تمثل 60% من اجمالي الحركة البرية. لكن ما عدد السيارات الكهربائية اليوم؟ تمثل السيارات الكهربائية 1% فقط من حوالي مليار سيارة ركاب حول العالم، ولكي يتم تحويل الـ 99% المتبقية، فقد يستغرق ذلك عقوداً من الزمن مع افتراض تلاشي جميع العراقيل الأخرى كانتشار نقاط الشحن والعراقيل السياسية.

ماذا عن المستقبل؟ هنالك تصميم غير مسبوق من قوى العالم العظمى للوصول الى هدف الحياد الكربوني في عام 2050. وسيتجلى هذا التصميم من خلال القرارات التي سوف تؤخذ بقمة المناخ خلال نوفمبر القادم في مدينة غلاسكو وهي تعتبر اول قمة عالمية للمناخ بعد قمة باريس. وبسبب عدم وجود خارطة طريق واضحة ممكن تطبيقها حتى اليوم للتقليل أو القضاء على الملوثات الأكبر بالترتيب المذكورة بالجدول رقم (1) حتى عام 2050، فقد قامت تلك الدول مؤخراً (مثال: الاتحاد الأوروبي) بوضع لوائح وقوانين أبرزها ضريبية بحيث ترفع التكلفة على الملوثين من الشركات على حسب نسبة تلويثهم وبنفس الوقت تدعم الشركات ذات المنتجات الصديقة للبيئة. والهدف هو صنع بيئة أعمال مستدامة تشجع على الابتكار في مجال تقليل الانبعاثات الكربونية. وكل ذلك يأتي تحت اطار الهدف الجديد برفع سقف التقليل من الانبعاثات الكربونية لعام 2030 من 30% الى 55% عن مستويات عام 1990 تهيئة للوصول الى 100% عام 2050. أما بالنسبة لما هو واضح المعالم والطريق في الاطارين اللذين تحدثنا عنهما مسبقا (الابتكار والتكلفة) كـسيارات الركاب، فقد قامت دول الاتحاد الاوروبي بوضع هدف بمنع بيع سيارات البنزين والديزل الجديدة في أوروبا عام 2035.

الخلاصة أنه سيكون وضع البرميل النفطي بالمستقبل تحت رحمة تكنولوجيا لم تُخترع بعد، والتي سوف تسبب ما يسمى بـ "الاضطرابات التكنولوجية" وهو أمر غير مستبعد مع بزوغ عصر الثورة الصناعية الرابعة، والتي من المفترض أن تقود العالم تكنولوجياً الى الحياد الكربوني في عام 2050 وإنقاذ كوكب الأرض. ويبقى السؤال: هل الدول النفطية مستعدة لما هو قادم؟

* محلل في مجال الطاقة

محمد عبدالمحسن حاجية

back to top