ماجدة داغر: بيروت اليوم تفتقد وجهها المضيء

«شوقي بزيع جعلني أفتح عيني على فضاءاتي الشعرية»

نشر في 17-06-2021
آخر تحديث 17-06-2021 | 00:01
يحتاج الشاعر أن يرى نفسه بعيون الآخرين، ليستطيع أن يفرّق بين غثّه وثمينه... هذا ما تقوله الشاعرة والإعلامية اللبنانية ماجدة داغر، مؤكدة أن كل تجربة يجب أن توضع في غربال النقد لتنقيتها، وأن الشاعر لا يستطيع أن يكون ناقدَ نفسه، لذلك هو بحاجة ماسة إلى من يمسك بيد قصيدته، ليدلها على طريق أكثر بهاءً.
وفي حوارها مع "الجريدة" من القاهرة، تحدثت داغر عن تجربتها الشعرية والآفاق التي ترتادها، فضلاً عن العديد من القضايا الأدبية والإعلامية، والكتاب الصادر عنها مؤخراً بعنوان "فتنة الخطاب الشعري اللبناني المعاصر عند ماجدة داغر"، من إعداد الناقدة فاطمة بوهراكة، وتقديم سعاد الناصر. وتعد داغر من الشعراء التي تغنّى ولحّن من شعرها فنانون لبنانيون وعرب، ولديها تجربة فنية شعرية رائدة مع المطربة اللبنانية الكبيرة جاهدة وهبة في ألبومها "أرض الغجر"، وفيما يلي تفاصيل الحوار:
● شاعرة، وصحافية، وإعلامية وباحثة وغيرها... أين أنت فى هذه الرحلة، ماذا أخذت منك، وماذا أعطتك؟

- الشعر شغفي الأول، وفي الشعر يختلف مفهوم الأخذ والعطاء، فالأخذ كالثمر المحرّم، لحظة تذوّقه يُطرد الشاعر من الجنّة الشعرية، ليبدأ رحلة اللاعودة "ألم ترَ أنهم في كل وادٍ يهيمون" من حدائق النور التي يبقى سجين أسوارها كأنه محكوم بالولاء لها وطاعتها، ولكن بعشق شديد وبفرح عظيم.

أمّا في الصحافة والإعلام والعمل البحثي، فالأمر يختلف. هنا نحن بحاجة إلى أكثر من العطاء، ربما إلى البذل والتفاني لنرضي هذا المسار الذي يستنزف سالكه إلى حدّ كبير، من ناحية الجهد والوقت والتعب والمثابرة والاجتهاد، حتى نصل ما بعد منتصف الطريق إلى ما يشبه الرضا عن حياتنا المهنية، شرط عدم الاكتفاء بما وصلنا إليه.

وفي الإعلام نستطيع أن نقول إن العطاء والأخذ متبادلان ومتساويان بالمقدار نفسه. والأهم هو الحفاظ على المكتسبات التي حصلنا عليها، والتي قدّمنا في سبيلها أغلى ما لدينا. أنا مدينة للصحافة والإعلام بشكل كبير لأنهما أعطتياني مكانةً أعتز بها أمام نفسي.

فتنة الشعر

● صدر مؤخراً كتاب "فتنة الخطاب الشعري اللبناني المعاصر عند ماجدة داغر مرايا نقدية"، كيف ترينه؟

- هو إصدار أفتخر به كثيراً ضمن مساري الشعري، خصوصاً أنه صدر عن منشورات فرقة البحث في الإبداع النسائي- كلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة عبدالمالك السعدي بمدينة تطوان المغربية. وأعتز أيضاً بأن من تولّى إعداده والتنسيق له وكتبت افتتاحيته هي الشاعرة والباحثة والرائدة في التوثيق الشعري وصاحبة الموسوعات التوثيقية المغربية الأستاذة فاطمة بوهراكة، وهي مشهود لها في هذا الإطار. وكتبت المقدمة النقدية الشاعرة الدكتورة سعاد الناصر رئيسة فرقة البحث في الإبداع النسائي بالجامعة.

الكتاب في 352 صفحة يتضمّن دراسات أكاديمية نقديّة معمّقة عن مجمل تجربتي الشعرية، شارك فيه 15 ناقداً وناقدة من أبرز الأقلام النقدية من ثماني دول عربية، ولهم فائق الامتنان والتقدير على جهودهم الكبيرة وعصارة فكرهم الثريّ وهم:

الأستاذ ماجد قائد قاسم من اليمن، والأستاذ حاتم عبدالهادي السيد من مصر، والدكتورة آمال لواتي من الجزائر، والدكتور عبدالمجيد علوي إسماعيلي من المغرب، والدكتورة كفاح الغصين من فلسطين، والأستاذة ليلى ممنون من المغرب، والدكتور عبدالعزيز علوي إسماعيلي من المغرب، والأستاذ عدنان أبو أندلس من العراق، والدكتورة ليلى لعوير من الجزائر، والأستاذة ابتسام الخميري من تونس، والأستاذة شيماء أحمد عبيد من مصر، والدكتور المكاشفي إبراهيم عبدالله من السودان، والدكتور ياسر العالم من السودان.

بهاء الطريق

● استطاعت إبداعاتك أن تشد إليها أنظار القراء والنقاد والدارسين، فحظيت بالعديد من التأولايت والقراءات، فما الذي أضافته هذه التلقيات لتجربتك الابداعية بشكل عام؟

- تحتاج كل تجربة أن توضع في غربال النقد لتنقيتها. كما يحتاج الشاعر أن يرى نفسه بعيون الآخرين. عندها يستطيع أن يفرّق بين غثّه وثمينه، فعندما نكتب شعراً ثمة ما يأتي من مكان قصيّ وعصيّ على الفهم، لذا، ما نقوم به كخطوة أولى هو أن ندوّن ما أملاه علينا هذا المجهول، وكأنّ الشطر الأول ينزل من ذاك المكان ونحن نكمل الشطر الآخر. لتصبح القصيدة كائناً غريباً عنا لا نفقه ما تريده.

هنا يأتي الدور الكبير للناقد والدارس لكي يفتح لنا نوافذ لنرى ضوء ما كتبنا، وكأنه يعرّفنا على أنفسنا، فيضيء أمامنا الطريق للقصيدة المقبلة، لا يستطيع الشاعر أن يكون ناقد نفسه، لذلك هو بحاجة ماسة إلى من يمسك بيد قصيدته ليدلها على طريق أكثر بهاءً.

تفجر الشعر

● وصفك الناقد الشاعر اللبناني شوقي بزيع قائلاً: تملك ماجدة داغر كل ما تحتاج إليه القصيدة من تحريض داخلي ووعي عميق بالذات وبالعالم وامتلاك لناصية اللغة وأدوات التعبير... كيف تقرأين هذه الشهادة؟

- أعتز بشهادة الشاعر اللبناني الكبير شوقي بزيع، التي جعلتني أفتح عينيّ على فضاءات في داخلي الشعري لم أكن أدركها، وهذا سرّ الناقد وبخاصة إذا كان شاعراً.

ربما هذه هي عدّة الشاعر وأهمها هذا الوعي العميق بالذات وبالعالم، الذي يبني عليه قصوراً شعرية تطال بسموّها السماء. فلا يعوّل على كتابة إذا لم تكن واعية، بمعنى التيقّظ الشعري لالتقاط إشارات الكون والحياة، فيتولّد هذا التحريض الداخلي الذي يأخذ الشاعر إلى أقاصي القصيدة مهما كانت بعيدة وعميقة. أما كيفية توليد الصورة الساحرة فهذا نتيجة تفجّر الشعر وتشظّي الشاعر وخصوبة الخيال وعمق الرؤيا والثقافة.

مداواة الجراح

● أكثر من ديوان منها: "آية الحواسّ"، و"جوازاً تقديره هو"، و"ملتئماً بالماء كَغَريق الطوفان"... هل استطاع الشعر الإجابة عن أسئلتك العصية؟

- أعظم ما في الشعر أنه يحرّض على طرح الأسئلة الكبيرة الوجودية والعاطفية والإنسانية والذاتية من دون الحاجة لانتظار الأجوبة. وأجمل ما فيه أن السؤال الشعري هو إجابة لا يفقه مغزاها سوى الشاعر لأنه لا ينتظر إجابات، بل هو مدمن البحث عن علامات الاستفهام ليضعها في نهاية الإجابة وليس السؤال. ويبقى الشعر هو السؤال الأكبر والأخطر لأنه "يداوي الجراح التي يحدثها العقل" كما وصفه الفيلسوف والشاعر الألماني نوفاليس.

اعتذار

● ما بين الشعر و"بيت الذاكرة"... لـ "إذاعة الشرق" في بيروت، إلى أي مدى تستطيع ماجدة داغر أن تقول إنها أخلصت لأي منهما؟

- مما لا شك فيه أن العمل في مهنة المتاعب من الصحافة المكتوبة إلى التلفزيون وصولاً إلى الإذاعة، استطاع أن يقضم الكثير من الوقت المخصص للشعر. المهنة لها متطلباتها القاسية، لذا استطاعت أن تأخذني من الشعر رغماً عني، فخسرت بذلك مساحة كبيرة للإبداع كانت لمصلحة العمل الإعلامي. وهنا أقدم اعتذاري إلى القصيدة لأنها حضرت مرات كثيرة ولم أستطع استقبالها.

غربة

● يغلب على مجمل إبداعاتك تصويرها لغربة الإنسان في الحياة. هل ترين هذه الرؤية صحيحة؟

- غربة الإنسان عن نفسه ووطنه وروحه لا تقتصر على زمن معين، بل هي في كل الأزمنة، وربما في زمننا هي الأشد فتكاً بالإنسان المعاصر. وكما يبدو أن التطور والتقدم العلمي والتكنولوجي يزيدنا غربة وعزلة وانكفاء. لذلك، تبدّل القيم لا يخفف من هذه الظواهر النفسية بل يزيدها تعقيداً. ومع نضج التجربة، وجدت أن الشعور بألم الآخر وظلم الآخر وغربته هو الشعور الأعمق والأسمى، وهو المحرّض الرئيسي على الإبداع في أي شكل من أشكاله. لذلك، مهما شهد العالم من تغيرات، يبقى الإنسان في سجنه الصغير، الذي تحول مع الوقت إلى سجن كبير هائل هو الكرة الأرضية المفتوحة الحدود أي القرية الكونية، والتي عجز الإنسان عن إيجاد حريته فيها رغم شساعتها.

بيروت

● فقدت الساحة اللبنانية في السنوات الأخيرة كبار الكتاب والشعراء والمفكرين والفنانين تاركين فراغاً كبيراً... كيف تقرأين الواقع الثقافي الآن؟

- من دون أي مواربة الواقع الثقافي اليوم في أسوأ أحواله. خصوصاً ما يتركه غياب كبار القامات الفنية والأدبية والفكرية، هذا الفراغ الذي يحدثه موت الكبار لا يمكن ردمه. الواقع اللبناني اليوم لا يشبه لبنان منارة الحضارة على المتوسط والمختبر الثقافي الذي كان قبلة المثقفين والفنانين والمفكرين العرب. لا أريد المقارنة بالماضي المشرق للبنان ودور بيروت، لأن المقارنة بيومنا مؤلمة جداً. تفتقد بيروت اليوم وجهها المضيء، وليس الواقع الثقافي هو السبب بل تراكم الأزمات على مدى سنوات جعلها تفقد بريقها. ولكن الأمل كبير بهذه العاصمة الفريدة بعطائها وجمالها أن تعود كما كانت في السابق، وأن يعود مشهدها الثقافي ليحتل الصدارة.

تعدد الأوطان

● ماذا عن مشروعاتك الإبداعية القادمة؟

- أنتظر صدور ديواني الذي تأخر بسبب الأوضاع في لبنان، وكان جاهزاً للصدور العام الماضي، وهو الآن يصدر عن "دار ورد" في الأردن الشقيق مع كل التقدير لهذه الدار التي تكرمت بتبنّي هذا العمل. وبدأت بالتحضير لديوان جديد للعام المقبل، بالإضافة إلى بعض المشاريع الإعلامية أعلن عنها في حينها.

محمد الصادق

أرى نفسي في عيون الآخرين... والناقد يأخذ بيد المبدع إلى طريق البهاء
back to top