التعميم

نشر في 11-06-2021
آخر تحديث 11-06-2021 | 00:00
 د. نبيلة شهاب "التعميم" وما أدراك ما تأثير التعميم، هو بكل بساطة آفة الكلام والكتابة، فيه إلباس الحدث أو الظاهرة أو أي موضوع أو حتى قصة ثياباً ليست لها، وإطلاق صفات ومفاهيم ليست في محلها ولا هي صادقة أيضاً، في التعميم صبغ الكل والجميع بشيء هو في الحقيقة خاص بفئة معينة وقد تكون فئة قليلة جداً.

وللأسف نرى أسلوب التعميم منتشراً عند الكثيرين سواء كان لفظاً أو كتابة، وتتفاوت درجة تأثيره وأذاه حسب موضوعه وقائله والمقصود منه وتوقيته، فالبعض يقصد ذلك والأغلبية لا يقصدون أو يتكاسلون ولا يحرصون على انتقاء واختيار كلامهم وكلماتهم، فكلمة "بعض" على سبيل المثال تكفي أن تبعد الفرد عن آفة التعميم، والكلمة كالسهم إن خرجت فلا رجعة لها، ولذلك من المهم جداً أن يحذر الفرد حين يخاطب الآخرين أو يكتب خصوصا في وسائل التواصل الاجتماعي لأن القراء والمستمعين بالآلاف والملايين.

التعميم لا يقل عن الادعاء والكذب، بل هو كذب مقنع أو غير مباشر، كذب غير مقصود، نعم هو كذلك عند الغالب، ولكنه يكون مقصوداً حين يكون الحديث أو الكتابة موجهة بقصد تشويه سمعة أفراد أو مجتمع، فحين يقال إن هذا المجتمع استهلاكي وغير منتج على سبيل المثال فالمقصود هنا دون جدال تشويه الصورة الصحيحة لهذا المجتمع ككل وإظهاره بصورة سلبية سيئة.

والأمثلة على التعميم المضر كثيرة لا حصر لها: (الطلبة غشاشون، الموظفون كسالى وغير منتجين، النساء تفكيرهن منحصر في التسوق فقط، أصحاب سيارات معينة عدوانيون، حالات الإصابة بكورونا غير صحيحة، والكثير الكثير)، ولا يخفى على أيٍّ منا الآثار السلبية المترتبة على هذا التعميم، فحين يشاع أن الطلبة جميعهم غشاشون ويصدق صغار العقول ذلك يصبح التعامل مع الطلبة بطريقة يغلب عليها قلة الاحترام والنظرة الدونية، ويقع عليهم ظلم بيّن والكثير من الإحباط والضرر، كذلك لو وسم جميع الموظفين بالكسل فإلى جانب الظلم الذي يطولهم سيترتب على ذلك الانتقاص من مجهودهم ووصمهم بالكسل والتقصير مما يسبب لهم إحباطاً وضغوطاً نفسية قد تؤدي الى عزوفهم عن الجد في العمل، وتكون المشكلة كبيرة لو كان المسؤول في العمل هو من يعمم تعامله، فيعامل المجد كالمقصر والعكس، وهو لا يعلم أنه ينشر في بيئة العمل الحقد والحسد والغيرة والإحساس بالإجحاف والظلم وغيره.

وتلك الأم أو الأب الذين يساوون بالعقاب والثواب بين أبنائهم المخطئ والبريء لا يعلمون أيضاً أنهم يغرسون بذلك بذور التفرقة والعداوة والغيرة الشديدة والكره بين الأبناء، فتعميم السلوك الخطأ الذي قام به أحد الأبناء عليهم جميعاً أسلوب غير صحيح في التربية، ويؤدي الى سلوكيات سيئة ومشاعر سلبية مرفوضة.

التعميم سلوك مغلوط يتنافى مع مفهوم التفرد، فلكل منا صفات وسلوكيات خاصة معينة مختلفة عن الآخرين، وهذا الاختلاف والتمايز أساس التكامل لبناء المجتمع.

● د. نبيلة شهاب

back to top