مدبر الأمور

نشر في 30-05-2021
آخر تحديث 30-05-2021 | 00:09
اكتشف الشاب متأخراً أن الكويت جميلة وأهلها طيبون ومحبون للجميع وواعون وعلى دراية عالية بكل الأمور والأحداث حولهم، وأن الإشاعات وتضخيم الأحداث والوقائع من قبل النواب والإعلام وأحزاب الظلام هي من حملت الشباب هموماً جمة، وجعلت عدساتهم سوداء حتى ضاقت صدورهم واعتقدوا أن في الهجرة الحل السحري.
 حـنان بدر الرومي شاب كويتي في الثلاثينيات من العمر، جامعي ويعمل في قطاع مهم ومحترم راتبه ممتاز، وبالرغم من كل هذه الامتيازات فهو شديد الاستياء من جميع الأوضاع التي تحيط به ونظرته سلبية جداً إلى المستقبل، لذلك رفض الزواج رغم كل محاولات والدته، لا يرى بارقة أمل ولو بسيطة في البلد وفي جميع الأمور التي حوله، لذلك قرر الهجرة وبدأ فعليا باتخاذ خطواته الإجرائية وبصمت تام فهو يعرف ردود والديه، قدم أوراقه للعديد من مراكز العمل العالمية بعد أن انتقاهم بحرص، وفعلا تلقى الموافقات.

قرر أن يكون عام 2020م هو عام الهجرة وبداية حياة جديدة، فأخذ رصيد إجازته بالكامل، وسافر للتعرف على مراكز العمل عن قرب وانتقاء الأفضل، وفي الدولة الآسيوية المتطورة وقع عقد العمل على أن تتم مباشرته في أوائل شهر مايو 2020م، وككويتي حريص على المستوى الجيد لحياته قام بشراء شقة سكنية قريبة من عمله وأثثها بالكامل، كما فتح حساباً بنكياً وقام بكل الإجراءات المطلوبة منه في تلك الدولة للهجرة.

رجع للكويت في بداية مارس وعقله يرتب خطوات الاستقالة من وظيفته والهجرة، وقرر ألا يبلغ والديه بالأمر إلا قبل ساعات من سفره الأخير، ولكن القدر رتب له خطة بديلة، فبعد وصوله أعلن مجلس الوزراء الكويتي عطلة رسمية للدولة لمواجهة تداعيات فيروس كورونا فعجز عن تقديم استقالته وبدأت الحياة بالانغلاق التام وسيطر الخوف على العالم بأكمله.

التغيرات الإجبارية خلال فترة الحظر ألزمت الشاب البقاء في المنزل، وتزايد معه شعوره بالمسؤولية تجاه والديه والحرص على سلامتهما، وبدأ بمشاركتهما مسؤولية البيت والتسوق وكثر جلوسه معهم ومع العائلة، كما قويت علاقته بالجيران، وبدأ بمصاحبة والده يومياً للجلوس في ديوانية أحد الجيران حيث استمع لقصص عن تاريخ الكويت وأحداثها والقصائد والزهيريات والألغاز، واندمج معهم بالتحليلات السياسية والاقتصادية والصحية وبمرور الوقت تنوعت علاقاته مع الجيران لتشمل أعماراً مختلفة، وبدأ يخطط معهم لبرامج ترويحية ورياضية تشغل يومه.

ألغت الشركة الآسيوية عقد العمل مع تقديرها لظروف الوباء وعاد الشاب إلى عمله مع عودة الحياة التدريجية وعقله لا يزال يحدثه بالهجرة لكن قلبه يرفض ذلك، فكيف سيترك والديه وأهله والجيران وحياته التي ازدانت بالمودة واللطف الصادق، ليحسم القدر كلمته بوفاة اثنين من كبار المديرين ومع حركة الترقية تتحرك الكراسي بسرعة لأكثر من منصب، وتأتي ترقيته المفاجئة كأصغر مدير للقسم، ولأن مديره السابق أصبح في مركز قيادي فبدأ بترشيحه للعديد من اللجان مع الوزير والوكلاء وأصبح اسمه معروفاً.

يقول الشاب إنه اكتشف متأخراً أن الكويت جميلة وأهلها طيبون ومحبون للجميع وواعون وعلى دراية عالية بكل الأمور والأحداث حولهم، وإن الإشاعات وتضخيم الأحداث والوقائع من قبل النواب والإعلام وأحزاب الظلام هي من حملت الشباب هموماً جمة، وجعلت عدساتهم سوداء حتى ضاقت صدورهم واعتقدوا أن في الهجرة الحل السحري، ونسوا أن المشاكل موجودة في كل مكان، وأن الحياة تخلو من المدينة الفاضلة، وجمال الحياة لا يكون إلا بوجود الأحباب حولك، وأن الوحدة بين أفراد العائلة وأبناء الشعب الواحد هي ركيزة الوطن وقوته التي يجب ألا تنهار.

● حـنان بدر الرومي

back to top