لبنان أمام مسارين أميركي وفرنسي «الترسيم» و«التأليف» أو الحصار والعقوبات

نشر في 04-05-2021
آخر تحديث 04-05-2021 | 00:00
عون وقائد الجيش خلال اجتماع مع وفد لبنان التفاوضي مع إسرائيل أمس (دالاتي ونهرا)
عون وقائد الجيش خلال اجتماع مع وفد لبنان التفاوضي مع إسرائيل أمس (دالاتي ونهرا)
تطوران بارزان يترقّبهما لبنان هذا الأسبوع؛ عودة مفاوضات ترسيم الحدود الجنوبية، وزيارة وزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان للعاصمة اللبنانية بيروت، بعد موقف فرنسي واضح بالتوجه نحو فرض عقوبات على شخصيات لبنانية تتحمل مسؤولية إفشال المبادرة الفرنسية وعرقلة تشكيل الحكومة والحلّ السياسي، بالإضافة إلى شخصيات متورطة في الفساد.

وفي ملف ترسيم الحدود، ترأس رئيس الجمهورية ميشال عون، أمس، اجتماعاً للوفد اللبناني المفاوض، وتم خلال اللقاء استعراض سبل التفاوض، التي سينتهجها لبنان. وبحسب المعلومات، فقد أبلغ عون الوفد المفاوض أنه يدعمه في مفاوضاته للحفاظ على حقّ لبنان البحري، وتصحيح الحدود، بمعنى توسيعها، لكنه لم يكن واضحاً حول كيفية توسيع هذه الحدود وإلى أي مدى، الأمر الذي دفع بعض القوى السياسية إلى الخشية من أن يكون الموقف معنوياً فقط.

مصادر سياسية بارزة تعتبر أنه لابد من انتظار الجولة الأولى لمعرفة كيفية إدارة المفاوضات، لاسيما أن الوفد اللبناني يصرّ على التمسك بـ «الخطّ 29»، أي بمساحة 2290 كلم مربع، بينما تؤكد مصادر سياسية بارزة أن عون، خلال لقائه وكيل وزارة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط ديفيد هيل، أبدى الاستعداد لإظهار ليونة والتراجع عن التشبث اللبناني بهذا الخطّ، الأمر الذي يدفع مسؤولين بارزين إلى اعتبار أن عون قطع موقفاً للأميركيين ولا يمكن التراجع عنه.

ملف المفاوضات كان حاضراً أيضاً في المباحثات بين عون والوفد اللبناني مع الوفد الأميركي المشارك في مفاوضات الترسيم. الجانب الأميركي ركّز على أنه ليس من مصلحة لبنان التأخير والمراوحة، فبينما أصبحت إسرائيل على مشارف البدء بعمليات الاستخراج، لم يُجر لبنان أي عملية استكشافية حتى الآن.

أمام هذه المعطيات، هناك وجهتا نظر متقابلتان؛ الأولى تعتبر أنه على إيقاع المفاوضات الحاصلة في المنطقة من فيينا إلى العراق لابد من الوصول إلى الترسيم بالتزامن مع الاتفاق النووي، مما يعني أن الطرفين يجب أن يقدما تنازلات متبادلة، في حين تعتبر الثانية أنه بسبب الخلاف السياسي اللبناني وسوء الإدارة السياسية قد تعقد جلسات التفاوض بدون الوصول إلى أي نتيجة، وتستمر المراوحة في ظل تشبث كل طرف بشروطه ومطالبه، وبالتالي بقاء الأمور معلّقة بدون القدرة على إنجاز أي تقدّم.

في كل الأحوال، هي أيام قليلة ويفترض أن يظهر الاتجاه الحقيقي للمسار الذي سيسلكه هذا الملف.

على صعيد آخر، ينتظر لبنان زيارة وزير الخارجية الفرنسي. وتكشف مصادر دبلوماسية أوروبية أن البرنامج النهائي للزيارة لم يتم الانتهاء منه بعد، خصوصاً أن هناك توجهات متعددة داخل الإدارة الفرنسية. في البداية كانت هناك معلومات تؤكد أن لودريان كان سيلتقي مختلف المسؤولين السياسيين اللبنانيين لإبلاغهم بالقرار الفرنسي فرض عقوبات على المعرقلين والمتهمين بالفساد، لكن برز فيما بعد توجه آخر مفاده أنه لا يمكن للوزير الفرنسي لقاء مسؤولين ستفرض بلاده عقوبات عليهم. هذا التوجه دفع إلى التفكير في تغيير برنامج الزيارة ليصبح مقتصراً على اللقاء مع رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري.

وتكشف المعلومات أن الوزير الفرنسي سيبلغهما رسالة واضحة حول اتجاه باريس لبدء فرض العقوبات من دون الإفصاح عن الأسماء التي ستشملها هذه العقوبات، وسيؤكد أن هذا التوجه يأتي بسبب فشل اللبنانيين بالاتفاق فيما بينهم.

لكن مصادر دبلوماسية تشدد على أن جدول أعمال الزيارة لم ينته بعد، وهو قابل للتعديل، ولكن بحال اقتصرت الزيارة على اللقاء مع عون وبرّي، تكون باريس أرادت تجنّب لقاء الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري، ورئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل.

وتفيد بعض المعلومات بإمكانية ترتيب لقاءات للوزير الفرنسي في قصر الصنوبر مع بعض جمعيات وشخصيات من المجتمع المدني، ولكن ذلك أيضاً لم يحسم.

وهكذا يسير لبنان بين مسارين، مسار أميركي يرعى ترسيم الحدود، ومسار فرنسي يهدف إلى تشكيل حكومة سريعة تنقذ باريس من خلالها مبادرتها التي تحولت إلى شأن داخلي فرنسي سيستغل في الانتخابات الرئاسية المقبلة، التي يتحضر الرئيس إيمانويل ماكرون لخوضها.

وفي حال لم تنجح مفاوضات ترسيم الحدود، ولم تنجح فرنسا في تسيير وتسييل مبادرتها، سيعود لبنان إلى الاختناق بإجراءات عقابية والعزلة الدولية، التي ستتكرس بالبحث الفرنسي الأميركي المشترك عن فرض عقوبات جديدة يتم مناقشتها أيضاً مع بريطانيا.

back to top