العملات الرقمية ليست محض فقاعة

• استثمار عالي الخطورة استند إلى معطيات أساسية وفنية واتسق مع بيانات تاريخية
• أداؤها بدّد التكهنات بانهيارها وانتهاء زمنها وفرَضها واقعاً مادياً رغم افتراضيتها

نشر في 25-04-2021
آخر تحديث 25-04-2021 | 00:00
No Image Caption
كم مرة قرأت خبراً عنوانه انهيار عملة بتكوين؟ أو تحليلاً يخلص إلى حتمية انفجار فقاعة العملات الرقمية؟ وكم مرة عوضت العملة الرقمية الأكثر انتشاراً، خسائرها، وعادت إلى تحقيق مستويات قياسية؟

جرب إذا أن تكتب على محرك البحث «غوغل»، عبارة «مستقبل البتكوين»... سيطرح عليك المحرك، ما يتجاوز المليون ومئة ألف نتيجة لتحليلات متضاربة عن مستقبل العملة الرقمية مستقبلاً، خلصت نتائج بعضها، إلى أن العملة ستتجاوز مستوى الـ 100 ألف دولار، حسماً لأنها مستقبل الاقتصاد الرقمي، بينما ذهب البعض الآخر إلى حتمية انهيارها، استناداً إلى توصيفها كفقاعة مالية.

قد تبقى كل تلك التوقعات، ممكنة، لما لها من دلالات منطقية، إلا أن مستقبل العملة، يبقى في النهاية، رهناً للعديد من المعطيات التي تحسم استمراريتها، حتى وإن تداعت أسعارها لأسباب تتعلق بإجراءات مالية أو رقابية، أو سلوكيات المتداولين عليها، أو حتى لأسباب فنية بحتة.

مع تحول العالم إلى الاقتصاد الرقمي، بدأت العملات الرقمية بالسيطرة على المعاملات المالية والحلول محل النقد التقليدي، بل وباتت تهدد معظم الأدوات الاستثمارية الأخرى، بعد أن وصل عددها إلى أكثر من 5 آلاف عملة رقمية، يتم التداول عليها يومياً، وتصاعدت قيمها السوقية أخيراً لتتجاوز حاجز الـ 1.8 تريليون دولار.

وتشهد هذه العملات منذ فترة صعودا صاروخيا من حيث القيمة والانتشار والهيمنة على أسواق التداول، مما جعل العديد من المساهمين يلجؤون لاستثمار أموالهم فيها، ويبتعدون عن النقد المادي.

ورغم طول قائمة العملات الرقمية التي يتم تداولها والاستثمار فيها، منذ ظهورها في العقد الأول من الألفينات، فإن عشر عملات فقط تحتفظ بالقيمة السوقية الأضخم، وتهيمن على سوق العملات الرقمية في العالم، أشهرها وأكثرها جذباً وانتشاراً على الإطلاق هي البتكوين.

مراحل فارقة

البتكوين، التي مرت بثلاث مراحل فارقة، بدأت أولاها عقب تأسيسها في عام 2008 كعملة لامركزية دُفعت مقابل شراء قطعتين من البيتزا، ثم تحولت إلى عملة مضاربة بعد تجاوزها حاجز الـ 100 دولار بعد نحو 5 سنوات من التأسيس، واستمرت هذه المرحلة، التي شملت العديد من المحطات المهمة، قفزت معها العملة قفزات مئوية، تارة، وألفية، تارة أخرى، حتى جاءت مرحلة الصعود الصاروخي، من مستويات لم تتجاوز حاجز الـ 10 آلاف دولار، في منتصف العام الماضي، لتكسر حاجز الـ 60 ألفاً، وتسجل نمواً كبيراً في سعرها بمعدل بلغ 796.933 مرة منذ عام 2010، وبـ 917 ضعف نمو مؤشر "داو جونز" منذ إنشائه عام 1896، وهو التحول الجذري الذي نقل العملة من مرحلة عملة المضاربة إلى مرحلتها الحالية كعملة أصول.

لم تأت هذه المحطات المهمة في قصة صعود البتكوين اعتباطاً، بل أتت متسقة مع معطيات أساسية وفنية تبرر ذلك الأداء الذي جاء، في كثير من الأحيان، رغم القفزات الكبيرة أو التراجعات المفاجئة، متزناً ومنطقياً.

فأساسياً، جاء الصعود الأخير لبتكوين مع بداية تفشي جائحة "كوفيد 19" بداية العام الماضي، والذي وفر ظروفاً مثالية لجذب شريحة هائلة من المستثمرين لتداول العملة والاستثمار فيها، نظراً لغلق معظم اقتصادات العالم وتحجيم العديد من الأنشطة الاستثمارية، والذي جاء متزامناً مع خطط التحول إلى الاقتصاد الرقمي، ما جعلها متنفساً استثمارياً بامتياز، عززه استثمارات كبيرة من مؤسسات معتبرة كشركة صناعة السيارات الكهربائية "تسلا"، التي أعلنت استثمارها لنحو 1.5 مليار دولار في بتكوين، مع قبولها الدفع بها مقابل سياراتها ومنتجاتها الأخرى في المستقبل القريب، مما دفع العملة الإلكترونية للصعود أكثر من 10 في المئة مباشرة عقب ذلك الإعلان.

أضف إلى ذلك، إعلان الكثير من الشركات قبولها كأداة مدفوعات، وكذا إعلان بنوك مركزية التعامل معها كبديل استثماري، مما مثّل تحولا كبيرا بعد حملة صارمة على إصدار العملات الرقمية وتداولها.

ورغم التشديد على ضرورة المتطلبات التنظيمية لمنع المضاربة على مثل هذه الأصول، لعدم خلق أي مخاطر جديدة على الاستقرار المالي، فإن الكثير من الخبراء رأوا أن "بتكوين" صارت تمثل "ذهباً رقمياً جديداً" و"أننا، سنجدها، قريباً، في احتياطات البنوك المركزية". بالإضافة إلى المزايا التي يحملها التعامل بالعملات الرقمية من سرعة إنجاز المعاملات النقدية وانخفاض تكلفتها، وكذلك غياب الوسطاء، وعدم خضوع العمليات لإجراءات تنظيمية، إلى جانب توافر إمكانية إجراء المعاملات في أي لحظة.

أما على صعيد التحليل الفني، فنجد أن الأداء التاريخي لمؤشر العملة يتناسب، منذ التأسيس، مع المعطيات الأساسية السابق ذكرها، صعوداً وهبوطاً، إذ كان النمو هو السمة الرئيسة للمؤشر، تخللته فترات "تصحيح" منطقية، للتسييل وجني الأرباح، حتى أن الفترات التي شهدت تراجعات عنيفة كانت هي الأخرى، مبررة ومنطقية، كالتراجع الأخير الذي سجلته العملة، بداية الأسبوع الماضي، بنسبة 11.5 في المئة، والذي أرجعته العديد من التقارير التي رصدتها "بلومبرغ"، إلى تكهنات بأن وزارة الخزانة الأميركية قد تتخذ إجراءات صارمة ضد غسل الأموال الذي يتم من خلال الأصول الرقمية، في حين أفادت تقارير أخرى، أن الهند ستقترح قانوناً يحظر العملات المشفرة ويفرض غرامات على أي شخص يتداول أو يمتلك مثل هذه الأصول.

ليست محض فقاعة

إذن، نحن أمام عملة، أقل ما يُقال عنها، أنها استثمار عالي المخاطر، تبرز معه، احتمالية انهيار أسعارها، بناء على آراء خبراء ومتخصصين تعززها بيانات تاريخية، تدحض ادعاءات اعتبارها، محض فقاعة، وتبدد التكهنات المتكررة بانهيارها وانتهاء زمنها، وتفرضها واقعاً مادياً، رغم افتراضيته، واستثماراً مربحاً، رغم مخاطره.

تلك المخاطر التي لا تكمن، فقط، في طبيعتها التي تقوض إمكانية تعقبها وتنظيمها، وهو الأمر الذي بدأت الهيئات والسلطات المالية والنقدية المختلفة في تداركه عبر محاولات الشرعنة ووضعها قيد المراقبة والتنظيم، بل تكمن، أيضاَ، في افتقارها، كأداة استثمارية، إلى ما يتوفر للأدوات الاستثمارية الأخرى من توصيات موثوقة تقدمها منافذ مشروعة ومحللون معتبرون، فلا يجد "زبائنها" من المستثمرين "الجدد" سوى منتديات مجهولة على شبكة الإنترنت، تمدهم بالمعلومات المغلوطة والتوصيات العشوائية المتضاربة، التي قد تكون سبباً رئيساً في التذبذب الكبير الذي تشهده أسعار العملة.

ختاماً، هذه ليست دعوة أو توصية للاستثمار في البتكوين، ولا محاولة لتسويق العملات الرقمية، بل هي إقرار واقع، يستند إلى معطيات أساسية وفنية، وبيانات تاريخية، محركها الأساس هو عوامل العرض والطلب.

تامر عبدالعزيز

بتكوين تفتقر إلى التوصيات الموثوقة و«زبائنها» لا يجدون إلا منتديات مجهولة وعشوائية

مستقبل العملة يرتهن بالمعطيات وتعامل السلطات معها وسلوكيات متداوليها
back to top