طاقية أبو زيد

نشر في 23-04-2021
آخر تحديث 23-04-2021 | 00:00
 عبدالهادي شلا سألوا "أبو زيد الهلالي" البطل المغوار في الحكايات الشعبية: ما أحلى أيامك؟ فقال: يوم كنت أكيـِّل الرمل بالطاقية!!

أبسط معاني هذه البلاغة في الرد لا يخرج عن أن براءة الطفولة هي أجمل أيام العمر، ولعل أبو زيد كان يقصد أن الطفل حين يملأ "طاقيته" بالرمل من الجهة اليمنى، ثم يفرغها في الجهة اليسرى، إنما يريد أن يقول: وبراءة الطفل تهيئ له أنه قادر على نقل "الأرض" من مكانها إلى حيث يريد!! هذا تصور طفل لم يتعارك مع الحياة ولم يتقابل معها في أي مواجهة قاسية من كل مواجهاتها بالعثرات مرة وبالأفراح مرة.

في زماننا اليوم تنوعت "الطاقية" واختلف سحر عملها، فأصبحت خوذة على رأس المحارب أو طاقية عسكرية يتصدر مقدمتها نجمة أو نسر، وأصبحت الطاقية في أعظم حالاتها أمرا من الكبير وعلى الصغير تنفيذه بلا نقاش لأن سيده يملك زمام أمره، وما عليه إلا الطاعة، فتأتي إشارة له أو هاتف بكلمات قليلة تطلب نقل "الأرض" من هذه الجهة إلى تلك الجهة الأخرى، ولكن ليس على طريقة براءة أبو زيد إنما بتدمير وحرق وفناء شعوب وأراض وممتلكات، وكأن سحر الطاقية هذه هو سر من أسرار لعبة الكبار التي خلت منها أي براءة أو حسن نية تفيد البشرية.

"الطاقية" الجديدة في فكر البشر هي حالة من الجشع والفساد استشرت بكل مقاييسها الواسعة واجتاحت في طريقها معظم الفضائل والعادات الحميدة والأخلاق النبيلة التي تغنى بها الشعراء، وكتبوا قصائدهم، والتي جعلتنا ننقل عن"أبو زيد" حكاياته ومغامراته بالصورة الشعبية التي تناقلتها الروايات وسمعناها على عزف "ربابة" المنشدين في المقاهي وجلسات السمر في زمن جميل مضى!

لو سألنا طفلا من أطفالنا: ما أحلى أيامك؟ فمن المؤكد أنه لن يقول: أن أجلس على شاطئ البحر "أكيــِّل الرمل بالطاقية حتى لو كانت طاقيته من أرقى الماركات العالمية"! بل سيقول: استمتاعي بوقتي وأنا جالس على لعبتي الإلكترونية (Game) مع أصدقائي في البيت أو في أي مكان في العالم!

"الطاقية" هنا إلكترونية متطورة تعبر عن أسلوب العصر، والطفل على حق فــ"الطاقية" التي يرتديها طفلنا اليوم يجب أن تكون "ماركة" عالمية عليها شعار لافت للنظر أو اسم فريق رياضي كبير... إلخ.

"طاقية أبو زيد" ما عادت تحقق حلمه في نقل الأرض من مكانها بل إن طفل اليوم هو من ينتقل عبر "الأثير" إلى كل بقاع الأرض، إذ لم تعد أحلام الأطفال "صغيرة" بحجم أعمارهم بل كبرت وتمددت واتسعت حتى غزت عالم الكبار ونافستهم في أحلامهم وتطلعاتهم! لم يعد الطفل هو الصغير في السن إنما الصغير من تخلف عن ركب التطور السريع، ولم يعد الكبير هو الأكبر عمراً، فأدوات العصر عملت عملها في تغيير طبيعة الأشياء حين تمكنت من أن تكون جزءا أساسيا منها لا فكاك، بل لا يمكن الاستغناء عنها.

وفي الحكايات الشعبية هناك طاقية أخرى وهي "طاقية الإخفاء" السحرية التي تخفي لابسها لينتقل من مكان إلى آخر دون أن يراه أحد! وهذه الطاقية لعبت في خيال الشعوب وحققت لهم أمنيات "خيالية" عجزوا عن تحقيقها في عالم الواقع، فاشتروا القصور والعبيد وتحكموا في الكثير من الموارد وتزوجوا من الأميرات وفتحوا الممالك... هكذا يستطيع الخيال أن يأخذ صاحبه إلى المستحيل الذي يصنع له "بعض التوازن" في شخصيته التي ترهقها إرهاصات الواقع المرير الذي يعيشه.

سنبقى دائما نبحث عن جواب لأسئلتنا الكثيرة المطردة مادام العالم قد تغيرت ملامحه البسيطة وأصابت صور قبيحة جماله، ودمرته سلوكيات البشر وغضب الطبيعة! فهل من براءة مازالت على وجه الأرض ونحن نرى ونسمع عن دمار وخراب هنا وهناك أول ضحاياه هم الأطفال أصحاب البراءة التي تلوثت بفعل الكبار؟!

* كاتب فلسطيني- كندا

عبد الهادي شلا

back to top