شبح «هارون الرشيد» في رمضان

نشر في 21-04-2021
آخر تحديث 21-04-2021 | 00:10
تتحدث «موسوعة ويكيبديا» عن «العباسة» كشاعرة وأميرة وأخت غير شقيقة لهارون الرشيد وكانت مع أخيها غير الشقيق إبراهيم «مشهورين بالعزف والشعر»، وتتألف الكثير من أشعارها من أبيات قصيرة صممت للغناء، والمرجع الأساسي لحياتها كتاب الأغاني للأصفهاني، وهي امرأة ثرية لديها الكثير من الجواري، وتزوجت من أحد الأمراء العباسيين.
 خليل علي حيدر نتنقل مرة أخرى بين نوادر كتب "مكتبة البابطين" فنختار منها هذه المرة كتابا يتحدث عن شخصية نسائية أدبية تاريخية، دار حولها الجدل وهي "العباسة" أخت هارون الرشيد، وكتاب "براءة العباسة أخت الرشيد"، مؤلف الكتاب الشيخ "طنطاوي جوهري" صاحب المؤلفات الكثيرة وبخاصة "تفسير الجواهر للقرآن الكريم"، الذي هو ربما أكثر تفاسير القرآن العربية رواجا وانتشارا بين رجال الدين في إيران كما يقال! أما كُتُب "جوهري" الأخرى فهي في مجال التاريخ وعجائب المخلوقات والأرواح!

ومما يلفت النظر في مجلدات "تفسير الجواهر"، يقول د.محمد حسين الذهبي، وزير الأوقاف المصري الأسبق الذي اغتالته جماعة متطرفة، إن "الطنطاوي" يضع لنا في تفسيره كثيراً من صور النباتات والحيوانات ومناظر الطبيعة وتجارب العلوم! كما كان بالإضافة، يقتبس في تفسيره فقرات من كتاب "جمهورية أفلاطون" و"رسائل إخوان الصفا والإنجيل"، وقد صادرت المملكة العربية السعودية تفسيره ولم تسمح له بدخول البلاد وتوزيعه.

وكان "الطنطاوي" شديد الاهتمام بمختلف العلوم الطبيعية، ويأخذ على المسلمين "أن في القرآن من آيات العلوم ما يربو على سبعمئة وخمسين آية في حين أن علم الفقه لا تزيد آياته الصريحة على مئة وخمسين آية". وتساءل مستغربا: "لماذا ألف علماء الإسلام عشرات الألوف من الكتب الإسلامية في علم الفقه.. وقل التأليف جدا في علوم الكائنات التي لا تخلو منها سورة؟". (التفسير والمفسرون، د.محمد حسين الذهبي 3 أجزاء، القاهرة، 2005، ج2، ص445)، ملاحظة لا تخلو من حكمة!

ويقول "الذهبي" إن "طنطاوي جوهري" ترأس تحرير جريدة "الإخوان المسلمين" الأسبوعية، إلى جانب انشغاله بمؤلفاته وبعلم الأرواح وتحضيرها، ويقال إن الإخوان المسلمين رشحوه لمنصب "المرشد".

اشتهرت "العباسة"، في كتب الأدب، بعلاقتها بجعفر البرمكي، وكان "البراكمة"، تقول المراجع، أسرة فارسية ذائعة الصيت، أدت دورا أساسيا في شؤون الدولة العباسية في عهد الخلفاء الخمسة الأول، وناصرت العلوم والفنون والآداب، والبرامكة جمع "برمك"، وهو لقب لكبير سدنة "معبد التوبهار" القريب من "بلخ"، وهو أكبر بيوت عبادة النار وفقا للديانة الزرادشتية القديمة. وكان برمك رأس هذه الأسرة فارسياً عالماً بالطب والتنجيم، وكانت زوجته من سبي قتيبة بن مسلم الباهلي.

وعندما تولى "الرشيد" الخلافة، اتخذ يحيى بن خالد البرمكي ثم ابنيه الفضل وجعفر مساعدين له، ثم اتخذ جعفر نديما له، ويقال قام الرشيد بتزويج أخته "العباسة" بجعفر، ويقال إن هذا الزواج لم يقع، "وعظم شأن الأسرة وتدفقت عليها الأموال فقصدها طلاب الحاجات ووفد على رجالها الشعراء والأدباء وكانوا كرماء فأغدقوا الأموال وأسرفوا في المنح والهبات حتى أوغروا صدر الرشيد ونافسوه في الأبهة والجاه، وكان للوشاية أثرها في ذلك، إذ حاول خصوم البرامكة وعلى رأسهم الفضل بن الربيع حاجب الخليفة انتهاز كل فرصة لتأليب الرشيد عليهم فقلب لهم ظهر المجن ونكبهم في (187هـ/803) بعد 17 عاما من خلافته، إذ قتل جعفر وحبس يحيى والفضل وصادر أموالهم ونكب جميع الأسرة تقريبا".

(الموسوعة العربية الميسرة، ج1، ص475)

ويفتتح كتاب العباسة أخت الرشيد "بمقدمة مطولة للأستاذ محمد صادق عنبر يروي فيها ما سمعه عن المجلس الذي كانت تحضر فيه الأرواح فيقول: "في إحدى الجلسات تم تحضير روح هارون الرشيد وجرى حوار بينه وبين طنطاوي جوهري حول أخت الرشيد العباسة وما زعم أنها تزوجت بجعفر البرمكي، وينفي الرشيد هذه القصة ويطلب من طنطاوي أن يوضح بكتاب منه حقيقة قتله لجعفر، وأن السبب سياسي ولا علاقة له بما زعم، ويذكر المقدم أن الكتاب يكشف عن سر دفين، وهو ما جنته الجمعيات السرية الفارسية التي عملت على تقويض الدولة العباسية، وكيف تصدى الرشيد لهذا المخطط بقضائه على البرامكة".

(نوادر البابطين، المجلد 19، فبراير 2020، ص75).

يروي المؤلف "طنطاوي" في مطلع كتاب "براءة العباسة"، كيف ظهر له شبح هارون الرشيد في شهر رمضان، ويبدأ أولاً حديثه بـ"أنه كان بتاريخ 23 من شهر أبريل سنة 1920م في مجلس مع مجموعة من العلماء والأدباء في دار فسيحة يتبادلون الحديث في التاريخ والشعر فسار بهم الحديث الى ما قيل في البرامكة وأسباب نكبتهم وما قاله الشعراء في رثائهم، وانتهى بهم الحديث الى السبب في قتل البرامكة، فأخذ القوم يفيضون في القول، فانبرى أحدهم وهو "محمود طلعت" للقول إنه قرأ في كتاب "الفخري" أن الرشيد زوج جعفرا أخته العباسة بشرط أن لا يقربها ولكن جعفر لم يراع هذا الشرط وحبلت العباسة منه وولدت ولدين، فكان ذلك سبب نكبة البرامكة، وقد وافق على هذا الرأي "جرجي زيدان" فتصدى له المؤلف وطلب منه عدم القطع في أمر قبل التدقيق فيه، والبحث فيه من مختلف الجوانب". (العباسة، ص75).

ويضيف "طنطاوي" والعهدة على المتحدث، أنه أي الطنطاوي "كان مضطجعا في إحدى ليالي شهر رمضان من سنة 1338هـ بين اليقظة والنوم إذ تجلى له شبح وسيم الوجه ومعه لوح قد كتب فيه: أنا هارون الرشيد، وطلب من المؤلف أن يصنف كتابا يثبت فيه أن العباسة لم تزن مع جعفر وأنه لم يتزوجها، وأن قتله كان لخيانته وأن يدحض مزاعم جرجي زيدان".

وانبرى الشيخ "طنطاوي" في كتابه "براءة العباسة" لهذه المهمة، ويذكر طنطاوي أسباب انقلاب الرشيد على البرامكة ومنها "طمع الفرس في الملك، والتجاوزات التي نسبت الى البرامكة، وميلهم الى العلويين وهم أعداء العباسيين".

ويستشهد "طنطاوي" برأي "ابن خلدون" الذي ينفي مزاعم زواج جعفر بالعباسة، ويؤكد أن سبب نكبة البرامكة هو استبدادهم بالأمر واحتجابهم أموال الجباية". (براءة العباسة، ص77).

وتتحدث "موسوعة ويكيبديا" عن "العباسة" باسمها "عُليّة بنت المهدي" (777م-825م) كشاعرة وأميرة وأخت غير شقيقة لهارون الرشيد وكانت مع أخيها غير الشقيق إبراهيم "مشهورين بالعزف والشعر، وتتألف الكثير من أشعارها من أبيات قصيرة صممت للغناء، والمرجع الأساسي لحياة "علية" كتاب الأغاني للأصفهاني، وتضيف الموسوعة أن "علية العباسة كانت امرأة ثرية لديها الكثير من الجواري"، وقد "تزوجت علية من أحد الأمراء العباسيين لكنها احتفظت بقصائد الحب التي كتبتها لاثنين من العبيد".

ويقول "وجدي" في دائرة معارفه إن علية "كانت من أعقل النساء وأجملهن، وكانت من أعف النساء إذا طهرت لازمت المحراب، وإذا لم تكن طاهرا غنت!".

ومن أشعارها:

بُنيَ الحب على الجور فلو

أنصف المعشوق فيه لسمج

ليس يُستحسن في حكم الهوى

عاشق يحسن تأليف الحجج

ويقول "وجدي":

ولدت عُلية بنت المهدي سنة 160هـ وتوفيت سنة 210هـ ولها من العمر خمسون سنة".

خليل علي حيدر

ابن خلدون ينفي مزاعم زواج جعفر بالعباسة ويؤكد أن سبب نكبة البرامكة هو استبدادهم بالأمر وحجبهم أموال الجباية
back to top