مركز البحوث والدراسات الكويتية يوثق تاريخ أسرة الصقر (الحلقة السادسة)

جولة في آراء جاسم الصقر الثقافية والفكرية
الحياة الديمقراطية عليها مآخذ والاستجوابات إضاعة للوقت والجهد

نشر في 19-04-2021
آخر تحديث 19-04-2021 | 00:04
يأتي كتاب «جاسم حمد الصقر- سيرته السياسية والثقافية» في إطار سلسلة من الكتب الخاصة بتاريخ أسرة الصقر، والتي يعمل مركز البحوث والدراسات الكويتية برئاسة وإشراف د. عبدالله الغنيم على أن تكون ذات مرجعية موثقة، نظراً لإيداع أسرة الصقر مجموعة من الوثائق الخاصة بها.

ابتدأت السلسلة بكتاب تناول سيرة حمد عبدالله الصقر، ثم كتاب عن عبدالله حمد الصقر ودوره السياسي والاقتصادي.

اهتم كتاب «جاسم حمد الصقر»، الذي أعده د. فيصل عادل الوزان، بجوانب ذات قيمة في سيرته الثقافية والسياسية معاً. فقد كان العم المرحوم أبو وائل شديد الاهتمام بالوثائق التي تخص أسرته ويحتفظ بها في أرشيفه الخاص، الذي قام بتصنيفه بشكل أولي.

اقرأ أيضا

وتكمن أهمية هذا المخزون الوثائقي في أنه يحتوي على عقود تجارية، ووثائق عدسانية، ومراسلات، ومقتنيات خاصة أسرية، ومسودات أبحاث تاريخية، إضافة إلى مذكرات يومية كان يحرص على تدوينها.

ومن بين الوثائق النادرة رسائل كتبها أحد أعضاء كتلة الشباب الوطني إلى المرحوم جاسم الصقر حول أحداث مجلس 1938، وقصة إيفاده من الشيخ عبدالله السالم الصباح سنة 1963 للاجتماع مع الرئيس العراقي عبدالسلام عارف بعد سقوط عبدالكريم قاسم، ومفاوضات إيصال مياه شط العرب إلى الكويت، فضلاً عن محاضر لجان سرية عُقِدت بمجلس الأمة عن طرح فكرة تنقيح الدستور، وغيرها الكثير من الوثائق.

وفيما يلي عرض حلقات الكتاب الصادر عن مركز البحوث والدراسات الكويتية:

تعديل المادة الثانية من الدستور

كانت ولاتزال قضية تطبيق الشريعة الإسلامية في الدول الإسلامية الحالية بصورتها الموجودة في كتب الفقه الإسلامي الصادرة في العصر العباسي موضع نقاش في أحيان، ومتاجرة ومزايدة وتكسبا سياسيا وماديا في أحيان أخرى. وعن سؤال وجهته مجلة “المجتمع” لجاسم الصقر في حوار أجري سنة 1984م حول تعديل المادة الثانية من الدستور، أجاب بشكل قانوني وبنظرة مستقبلية معتمداً على نتائج مباحثات فقهية قانونية سابقة:

“أنا حريص على تطبيق شريعة الله، حرص كل مسلم مؤمن بربه ودينه. هناك رأيان فيما يتعلق بتطبيق الشريعة بطريقة شاملة: الرأي الأول يقول نبدأ حالا بتعديل المادة، ثم نباشر بتعديل ما لا يتلاءم من التشريعات والقوانين مع حكم الشريعة، ويمكن أن أسمي هذا الرأي أنه يبدأ من الأعلى. والرأي الثاني (وأنا من أصحاب هذا الرأي) يقول لا نبدأ من فوق، بل من القاعدة. أصحاب هذا الرأي يقولون لابد أن يصار أولا إلى تعديل التشريعات والقوانين، وأن تتكيف هذه القوانين وتتواءم حسب نصوص الشريعة السمحاء، وبعد استكمال هذه المرحلة يصار إلى تعديل المادة الثانية وتطبق الشريعة بطريقة شاملة.

وأنا في تصوري لو جرى تعديل المادة الثانية من الدستور بالمقترح الأول سيحدث ارتباك قانوي وخلل لا أول له ولا آخر، وستقدم طعون لا حصر لها إلى المحكمة الدستورية من قبل المتخاصمين والناس، استنادا إلى تعديل المادة الثانية، وبالتالي ستنقلب المحكمة الدستورية من محكمة قضاء إلى محكمة تشريع، وبمعنى آخر ستحل المحكمة الدستورية محل المؤسسة التشريعية – أي مجلس الأمة – والارتباك الذي سيحدث لا يمكن تصور خطورته. أنا أظن أن الشريعة السمحاء قائمة على مبدأ التيسير لا التعسير.

لابديل للنظام الديمقراطي

وإجابة عن سؤال حول تقييمه التاريخي للتجربة الديمقراطية في الكويت منذ نشأتها إلى بداية الألفية قال: “الحياة الديمقراطية في الكويت من بدايتها إلى المرحلة الأخيرة مرت بعدة مراحل. تقييمي أنا أول شيء من ناحية مبدئية، لا بديل للنظام الديمقراطي رغم بعض السلبيات التي ترافق بعض جوانب الممارسة الديمقراطية. والأقوال كثيرة في هذا المجال؛ منها ما قاله ونستون تشرتشل عن الديمقراطية انها: “أقل أنظمة الحكم سوءاً”، فهو لم يبرئ الديمقراطية من الأخطاء أو السلبيات. إنما مقارنة بأنظمة الحكم الأخرى؛ تبقى الديمقراطية هي النظام الأفضل. وانظر عبر التاريخ إلى الكوارث التي حدثت في العالم وليس فقط في العالم العربي. لما يكون الحكم فرديا. آخرها الكارثة التي نتجت عن حكم الطاغية الذي احتل الكويت، ومزّق شمل الأمة العربية، وحطم القطر العراقي العزيز على العرب جميعاً، فقد أحدَثَ ما أحدث في أشياء يعرفها القاصي والداني. وحطّم آمال أمة، لأنه في ظل نظام ديكتاتوري. لو كان في ظل نظام ديمقراطي لكانت هناك كوابح، وهناك موانع تردعه، فهذه من بديهيات القول.

لقد مرت الحركة الديمقراطية في الكويت بمراحل، ولما نأخذ المرحلة التشريعية التي بدأت في المجلس التأسيسي وبداية الدستور 1961م واستمرت خلال العقود الأربعة الأخيرة. وفي تصوري كانت البداية من الفصل التشريعي الأول والفصل التشريعي الثاني أكثر - ما أريد أقول أكثر نقاء - أكثر اتزاناً، رغم أن هذه هي سنة الحياة. في الفصول التشريعية اللاحقة بحكم وجود جيل جديد من المثقفين وحملة الشهادات العليا خاضوا غمار الحياة الديمقراطية. بينما الفصل التشريعي الأول ربما نسبة الجامعيين في مجلس الأمة يعدون على الأصابع اثنين أو ثلاثة، إنما الجيل السابق- بصرف النظر عن الجانب الثقافي أو الأكاديمي - غني بالتجربة”.

“الحياة الديمقراطية في المرحلة الأخيرة في الواقع يشوبها كثير من الشوائب، وعليها مآخذ، وهي مسؤولية الجانبين، أقصد السلطتين: السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، كلتاهما تتحملان المسؤولية”.

أنتقلُ إلى السلطة التنفيذية. تُلامُ السلطة التنفيذية فيما يتصل بهذا الموضوع لوماً كبيراً؛ باعتبار مبدأ فصل السلطات مبدأ دستوريا متفقا عليه في الفقه الدستوري، ومنصوصاً عليه في دستور الكويت، يعني وجود سلطة تشريعية ممثلة بمجلس الأمة، ليس معناه ان السلطة التنفيذية تبقى مكتّفة، إنما معروف دستورياً ما هي مسؤولية السلطة التشريعية؛ السلطة التشريعية هي سلطة رقابة وتشريع، والرقابة لها أدواتها من السؤال وآخرها الاستجواب. في الفترة الأخيرة تضاءل وقار أو أهمية أداة الاستجواب، لأنه على أقل سبب يتقدم نائب بطلب استجواب الوزير الفلاني. طبعاً هو حق برلماني لا خلاف على ذلك، حق دستوري، إنما تؤخذ الأمور بثقلها؛ يعني إذا موضوع ينتهي بسؤال فلماذا يلجأ إلى الاستجواب؟ الاستجواب فيه إضاعة لوقت ثـمين من جانب السلطتين، باعتبار الوزير الذي سيُستجوب عليه أن يُعِدّ إعداداً لموضوع الاستجواب، ربما كيان الوزارة كلها يبقى يعمل لتحضير النقاط، ووقت المجلس يضيع. وأحياناً يكون الاستجواب على شيء ممكن ينتهي بصيغة أخرى، وهذه خصوصا في الفترة الأخيرة. حتى الرأي العام أصبح يمجّ كلمة الاستجواب، ما أقول من ابتذالها، لأنه حق مشروع، إنما من تكرارها بدون ضرورة قصوى.

المؤتمر الشعبي في جدة
تلقى جاسم الصقر وأصدقاؤه اتصالا من الحكومة الكويتية في الطائف تدعوهم إلى المشاركة في مؤتمر شعبي كويتي سيقام في جدة بالمملكة العربية السعودية بتاريخ 13 أكتوبر 1990م. فسافر جاسم الصقر وأخوه عبدالعزيز إلى هناك، حيث قدم عبدالعزيز كلمة تمثل الشعب الكويتي.

وهناك أدى جاسم دوراً في لجنة صياغة البيان الختامي المأخوذة من كلمات سمو الأمير الشيخ جابر الأحمد وسمو ولي عهده الشيخ سعد العبدالله وعبدالعزيز الصقر ممثل الشعب الكويتي، والمهندس عبدالرحمن الغنيم الأمين العام للمؤتمر.

هجرة الإيرانيين للكويت

تحدث جاسم الصقر عن عوامل هجرة الإيرانيين إلى الكويت في فترة الثلاثينيات من القرن العشرين فقال: “لقد شهدت فترة الثلاثينيات وما بعدها هجرة أعداد كبيرة من الإيرانيين إلى الكويت. والعوامل التي ساعدت على تلك الهجرة في تصوري تختلف في فترة الثلاثينيات عما بعدها، حيث اختلفت البواعث والنوازع. ففي فترة الثلاثينيات – في تصوري – عاملان مهمان أثرا على تدفق الإيرانيين إلى الكويت:

العامل الأول اقتصادي معاشي. كانت الحياة في إيران – لاسيما في ساحل فارس المواجه لنا – حيث إن تلك الحقبة لم تكن أكثر الهجرة تأتي من داخل إيران، بل تأتي من ذلك الساحل، لأن الحياة كانت قاسية، وكانت في الشاطئ الآخر من الخليج – أي الكويت – نسبيا فيها رخاء أكثر، وهذا عامل هام في التدفق في الثلاثينيات.

العامل الثاني في تصوري أن حكم (رضا شاه بهلوي) أحدث تغييرات سنة 1932م سماها تجديدا على الشعب. والشعب محافظ متدين. ففجأة مثلا، طلب إلغاء الحجاب بالإلزام وبقوة القانون، حيث فرض عقوبة على المتحجبات، إضافة إلى أشياء كثيرة. فشعب متدين مثل الشعب الإيراني حدث فيه نوع من النفور، إلى جانب الضغط السياسي والاجتماعي. وأتصور أن هذا له دور في فرار قسم منهم. وهناك جماعة من جنوب إيران من (كنج) و(لنجة) كنت أسمع قصصهم بنفسي في الثلاثينيات، وقد فر بعضهم واستقر في خورفكان، وبعضهم جاء إلى الكويت. وكثير منهم من أصول عربية ولو أنهم سكنوا ساحل فارس، لكنهم من أصول عربية، حيث حصلت هجرة في القرن الحادي عشر الهجري بسبب الطاعون والمجاعة فهاجروا على شكل قبائل، فبعضهم سكن (كنج) وبعضهم سكن (عوض).

قنصل فخري للسويد

رشحت مملكة السويد المرحوم جاسم الصقر ليصبح قنصلا فخريا لمملكة السويد في دولة الكويت. وتولى هذه المهمة لمدة ثماني عشرة سنة. وفي الحقيقة فإن هذا أمر نادر الحدوث.وقد قدمت السويد لجاسم الصقر بنهاية خدمته سنة 1985م وسام النجم الشمالي برتبة فارس قائد، تقديرا له لجهوده في تقوية الروابط والعلاقات بين الكويت والسويد. وأقيم حفل التكريم في السفارة السويدية في دولة الكويت، بحضور السفير السويدي ورئيس مجلس الأمة وعدد من المسؤولين الكويتيين.

الغزو العراقي لدولة الكويت

كان الغزو العراقي للكويت صدمة كبيرة للكويتيين والعرب، وبخاصة الكويتيون ممن يؤمن بالفكر القومي العربي لما رأوه من طغيان وظلم جار عربي عدُّوه سابقا حامي البوابة الشرقية للأمة العربية، ولما رأوه من دول عربية تخاذلت عن نصرة الحق الكويتي رغم كل ما قدمته الكويت لها من مساعدات إنسانية ومادية، وسميت بدول الضد. وبالتالي حدث تحول فكري ومراجعة للأفكار القومية العربية، وهو ما حدث لجاسم الصقر وغيره.

كان المرحوم جاسم يصطاف في لندن حين غزا العراقُ الكويت. وكان هناك عدد غير قليل من الكويتيين، فأخذوا يجتمعون يوميا للحديث والتخطيط لدعم قضية الكويت والعمل على تحريرها، وكانوا يجتمعون أحيانا في شقة عبدالعزيز حمد الصقر.

نشط المرحوم جاسم الصقر في الدفاع عن الكويت ضد الغزو العراقي للكويت من خلال شرح القضية العادلة للمجتمع الدولي وجذب انتباهه. وكان أيضا يقدم محاضرات للكويتيين والعرب في لندن.

حمزة عليان

الطاعون والمجاعة دفعا الإيرانيين للهجرة إلى الكويت

قسم من المهاجرين الأوائل من برّ فارس أصولهم عربية

إذا كان هناك موضوع ينتهي بسؤال فلماذا الاستجواب؟

لا بديل عن النظام الديمقراطي رغم السلبيات

بدايات الحياة الديمقراطية في الستينيات كانت أكثر نقاءً

مشارك بصياغة البيان الختامي لمؤتمر جدة

حكم رضا شاه والبحث عن الرخاء وراء هجرة الإيرانيين في الثلاثينيات
back to top