عبدالمنعم مدبولي... ناظر مدرسة الكوميديا (2 - 5)

أول فنان عربي تكتب عنه دائرة المعارف النمساوية

نشر في 14-04-2021
آخر تحديث 14-04-2021 | 00:01
تتابعت رحلة الفنان عبدالمنعم مدبولي، واكتشف الطفل اليتيم مواهبه في المدرسة الابتدائية، وتعدّدت أقنعته بين التأليف والتمثيل والرسم، والتحق بفرقة جورج أبيض، وتنبأ له الأخير بمستقبل باهر، وانتقل إلى فرقة فاطمة رشدي، وتوجه بعدها إلى دار الإذاعة المصرية، وانضم إلى فريق البرنامج الفكاهي «ساعة لقلبك» ليتحوَّل مسار حياة الأستاذ بكلية الفنون التطبيقية، ويجمع بين العمل الأكاديمي والاحتراف الفني.
حقّق مدبولي نجاحاً كبيراً وراء ميكروفون الإذاعة، واشتهر بكلمة «حيجننوني» خلال فقراته التمثيلية، وكان واحداً من أبرز نجوم «ساعة لقبلك»، ومنهم فؤاد المهندس، وخيرية أحمد، وأمين الهنيدي، وجمالات زايد، وأحمد الحداد، ومحمد يوسف، وتوجهت إليهم أنظار صُنَّاع السينما في الخمسينيات، لاستثمار النجاح الساحق لهذا البرنامج، ومنحوهم أول فرصة ظهور على الشاشة.

وشهد عام 1958 أول فيلم لمدبولي بعنوان «أيامي السعيدة»، وأسند إليه المخرج أحمد ضياء الدين، دوراً صغيراً أمام فيروز، وحسن فايق، وعبدالفتاح القصري، وعبدالمنعم إبراهيم، وفي عام 1960 كُتبت شهادة ميلاده الحقيقية على الشاشة، وتحوّلت كلمته الشهيرة «حيجننوني» إلى عنوان لفيلم قام بكتابة قصته، وأخرجه فطين عبدالوهاب، وشارك فيه بالتمثيل مع إسماعيل ياسين، وسامية جمال، وتوفيق الدقن، وشفيق نورالدين.

ويسرد الفيلم في قالب كوميدي، قصة رجل يضطر إلى إرسال ابنه المريض وزوجته إلى مدينة الإسكندرية الساحلية، ويواصل عمله مع نجمة السينما كمصفف شعر، التي تقرر إبلاغ الشرطة بأعمال زوجها المشبوهة، بعد حدوث خلاف بينهما، وعندما يأتي المصفف إلى منزل الفنانة، يكتشف مقتلها، ويبلغ الشرطة التي تتولى التحقيق، وحين تظهر براءته، تطلب منه الجهات الأمنية أن ينضم إلى العصابة، للمساعدة في القبض على أفرادها.

اقرأ أيضا

وفي العام نفسه، كتب القصة والسيناريو والحوار للفيلم الرومانسي «غراميات امرأة» بطولة كمال الشناوي، وأحمد رمزي، وسعاد حسني، وسميرة أحمد، وفردوس محمد، ومن إخراج طلبة رضوان، وتدور أحداثه حول طبيب شاب تطارده فتاة غامضة، ويكتشف أنها الممرضة الجديدة، وتتصاعد الأحداث.

وبعد نجاح مسرحية «أنا وهو وهي» التي كتبها وأخرجها عبدالمنعم مدبولي، قام بتحويلها إلى فيلم سينمائي عام 1964، من بطولة فؤاد المهندس، وشويكار، وتوفيق الدقن، وعادل إمام، والضيف أحمد، ونبيلة السيد، ونظيم شعراوي، وكتب السيناريو عبدالحي أديب، وأخرج الفيلم فطين عبدالوهاب.

ويسرد هذا الشريط السينمائي حكاية «حمدي» المحامي الذي يعاني مشكلات كبرى مع السيدات تتسبب في إيقافه عن العمل، ليذهب إلى فندق في مدينة الفيوم (جنوبي القاهرة) للاستجمام، ويُقام في الفندق حفل رأس السنة، وتمطر السماء بشدة فيضطر ضيوف الحفل إلى المبيت في الفندق، ويقابل سيدة تبدل مسار حياته، وتتصاعد الأحداث.

وتستمر رحلة مدبولي مع التأليف السينمائي، وحينئذ كان الفنان كمال الشناوي يؤلف بعض الأفلام السينمائية، وألف فيلم «غرام في أغسطس» 1966، ليتعاون معه عبدالمنعم مدبولي، ويكتب السيناريو والحوار بمشاركة الفنان حسين عبدالنبي، والفيلم من بطولة فؤاد المهندس، وشويكار، وعماد حمدي، ومن إخراج فطين عبدالوهاب.

ويسرد الفيلم قصة سلوى التي تعيش في سعادة مع خطيبها، ولكن في ليلة الزفاف تصاب بصدمة نفسية، حينما يموت خطيبها في حادث سيارة، وتنجو سلوى من الموت، وتمر الأيام ولا تنسى الفتاة الحادث إلى أن فوجئت أن زوجها لم يمت، حين تقابل فريد، وهو شبيه زوجها، لكنها سرعان ما تتفهم الأمر، فتتعامل معه على أنه زوجها، ويحاول فريد إقناعها بالحقيقة لكنها لا تقتنع بالمرة، ويطلب والد سلوى من فريد أن يمثل عليها أنه زوجها حتى لا تزداد عقدتها، وحتى يتم شفاؤها، فيتقرب إليها الشاب، ويبدأ في التعاطف معها، ثم لا يلبث هذا التعاطف أن يتحول إلى حب وتبدأ سلوى في اجتياز أزمتها النفسية، وتعرف الحقيقة.

شنطة حمزة

تحوَّل عبدالمنعم مدبولي إلى فنان شامل خلال فترة الستينيات، وأسهم في اكتشاف عدد كبير من نجوم الكوميديا، ومنحهم فرصة المشاركة في أعماله المسرحية، بينما اكتفى بدوره كمخرج يقف خلف الستار، أو ممثل يمنح زملاءه أدوار البطولة، ومنهم محمد عوض في مسرحية «مطرب العواطف» (1963)، وفي العام نفسه أعاد اكتشاف أمين هنيدي زميله في برنامج «ساعة لقلبك»، ومنحه دوراً في مسرحية «أصل وصورة» من تأليف سمير خفاجي، ليدفع به إلى طريق النجومية.

والتقى مدبولي وهنيدي في أعمال أخرى، منها مسرحية «لوكاندة الفردوس» (1964) وظهر اسمه على «الأفيش» مرتين كممثل ومخرج، وهذا العمل شارك في بطولته نجوى سالم، وثريا حلمي، وسلامة إلياس، ولأول مرة الفنان صلاح السعدني في بداية مشواره، وأيضا الفنانتان «الشقيقتان» بوسي ونورا، وجسدا دور طفلتين صغيرتين.

وتدور المسرحية حول «عبدالمتجلي سليط» المدرس القادم من القرية إلى «لوكاندة الفردوس» بعد أن لاقى عدم ترحيب من صديقه «عطية الشلشلموني» وزوجته «شفيقة» ومعه بناته الأربع، ويعاملهم جميعاً بحزم وقوة، بينما كانت «سميحة» جارة عطية دائمة الشجار مع زوجها مسعود بسبب غيرتها الزائدة، وتتابع الأحداث.

كما ذهب مدبولي مع الهنيدي إلى كواليس الإذاعة عام 1967، ومعه مسلسل كوميدي من تأليفه بعنوان «شنطة حمزة»، وحقق العمل نجاحاً كبيراً عند إذاعته خلال شهر رمضان، وبعد أشهر قليلة، أعاد تأليفه للسينما في فيلم بنفس العنوان، بطولة أمين الهنيدي، ونجوى فؤاد، ومحمود المليجي، ومن إخراج حسن الصيفي.

وتناول الفيلم حكاية «حمزة»، الموظف الصغير الذي يعمل مُحصِّلاً ويتسم بأمانة شديدة، ويجد نفسه في مأزق، حينما يقوم بعض اللصوص بإخفاء مبلغ من المال سرقوه من أحد الأثرياء في حقيبته، وذلك أثناء مطاردة رجال الشرطة لهم وتستمر الأحداث في إطار كوميدي.

وبعد مرور سبع سنوات على رحيل عبدالمنعم مدبولي، ظهرت مرة أخرى «شنطة حمزة» عام 2017 من خلال فيلم يحمل العنوان نفسه، من دون إشارة إلى المؤلف الأصلي، وقام ببطولته المطرب حمادة هلال، ويسرا اللوزي، وبيومي فؤاد، وأحمد فتحي، وتأليف أحمد عبدالله، وإخراج أكرم فاروق.

وحاول المؤلف أن يقدم معالجة سينمائية مغايرة للنسخة الأولى من «شنطة حمزة»، ودارت أحداث الفيلم حول «حمادة هلال» النصاب المحترف، الذي يقع في حب فتاة قوية الشخصية، كانت تعمل هي الأخرى مع إحدى العصابات المشهورة بالنصب، وتتصاعد الأحداث في إطار تشويقي يمتزج بالمفارقات الكوميدية.

أبطال الضحك

استطاع مدبولي، خلال حقبة الستينيات، أن يحقق حضوره كمخرج مسرحي، وبدت مشاركاته التمثيلية في المرتبة الثانية، ولعب دوراً كبيراً في إثراء المسرح الكوميدي، وتمتع بشعبية جارفة، وأثنى عليه النقاد، وتناول مورخو الفن مسيرته الإبداعية، كما يُعد أول فنان عربي كتبت عنه دائرة المعارف النمساوية.

وتصدرت صورته غلاف كتاب «أبطال الضحك في تاريخ السينما المصرية» لمؤلفه الناقد الفني الكبير محمود قاسم، والأخير تناول المشوار السينمائي لمدبولي، بوصفه مؤلفاً للأفلام وممثلاً غلب عليه طابع الأداء المسرحي، حتى أعاد المخرج عاطف سالم اكتشاف طاقاته التمثيلية الهائلة في فيلم «الحفيد» (1974)، وحينئذ كان «ساحر الارتجال» قد أبطأ عجلة الإخراج المسرحي، وكرّس جل وقته للتمثيل فقط.

«بابا شارو» يجمع مدبولي وكريمة مختار قبل «الحفيد»

شهد البرنامج الإذاعي «بابا شارو» للإعلامي محمد محمود شعبان، أول ظهور لكثير من النجوم في منتصف الخمسينيات، ومنهم عبدالمنعم مدبولي، وكريمة مختار، ومن خلاله اشتهرت الأخيرة كصوت إذاعي مميز يجيد تقديم الأعمال الدرامية عبر أثير الإذاعة، وشاركها مدبولي في العديد من الفقرات التمثيلية.

وفي ذلك الوقت، كان «بابا شارو» من أشهر برامج الأطفال في الإذاعة المصرية، ويحظى بنسبة استماع كبيرة من مختلف الأعمار، وآنذاك بات محطة مهمة لمدبولي وكريمة محتار، وتزوجت الأخيرة من المخرج نور الدمرداش عام 1958، وأسند لها دور البطولة في فيلم «ثمن الحرية» (1968).

وبعد أكثر من أربعين عاماً، التقى مدبولي ومختار في فيلم «الحفيد» (1974)، وفي لقاء تلفزيوني للفنانة الراحلة، سردت ذكرياتها في كواليس هذا العمل الذي حقق نجاحاً كبيراً، وعن المشهد الذي لم تنسه في العمل، قالت: «عندما كنت أشتري الفراخ (الدجاج) مع الفنان عبدالمنعم مدبولي لابنتنا بعد ولادتها، وكنت أطلب من البائع رقماً كبيراً، ونظرة مدبولي في ذلك الوقت للفراخ كانت مرعبة بسبب خوفـــه من الحســـــــــــاب، هـــــــــــــذا المشهــــــد لا أنساه خصوصا أنه كان يحمل طابعاً كوميدياً».

قدّمت كريمة مختار شخصية «زينب» في فيلم «الحفيد»، زوجة حسين (عبدالمنعم مدبولي) وأم «ميرفت أمين، ومنى جبر، ودينا عبدالله»، وكانت تتدخل دائماً في حياة ابنتها لتخالف اتفاقها مع زوجها بعدم الإنجاب، ما يتسبب في انفصالها عن زوجها، كما تصوِّر شخصية زينب، نمط الأم المصرية المدبرة التي تسيِّر بيتها بالتدبير والحكمة، وكذلك قدَّمت في الفيلم نفسه نمط للحماة الواعية التي تتمتع بكلمة مسموعة لدى أزواج بناتها. أما دور مدبولي، فكان نقلة نوعية في أدواره السينمائية، وقد طرح نفسه بقوة كممثل يجمع بين قناعي الدراما التراجيديا والكوميديا، ما جعل المخرج سعيد مرزوق يختاره في دور مغاير تماماً، وجسَّد شخصية شرير في فيلم «المرأة والساطور» (1997)، وعدّه البعض مقامرة من نجم كوميدي يحظى بشعبية جارفة، ولكن أصداء الإعجاب بأدائه، جعلت جمهوره يتقبل هذه الشخصية المؤثرة في السياق الدرامي لأحداث الفيلم.

العندليب يشيد بأداء مدبولي في أغنية «زمان»

أتقن الفنان الراحل عبدالمنعم مدبولي الدراما الكوميدية والتراجيدية، وفي عام 1976، كشف موهبته في الغناء، عندما شارك في فيلم «مولد يا دنيا» للمخرج حسين كمال، وبطولة محمود ياسين، وعفاف راضي، ولبلبة، وسعيد صالح، ومحيي إسماعيل، وحقّق هذا الشريط السينما نجاحاً جماهيرياً كبيراً.

وفي ذلك الوقت أشاد العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ بأغنية «زمان» التي قدمها مدبولي في سياق الفيلم، خصوصاً الجملة الشهيرة التي يقول فيها «طيب يا صبر طيب»، وقال عنه إن «أداءه رائع، وبالرغم من صوته الأجش فإنه كان داخلاً في المقام الموسيقي، وكان قمة في عظمة الأداء والتمثيل والإحساس بالموقف، لدرجة أن المتفرج لابد أن يبكي مع صوته».

بدأت الحكاية قبل فيلم «مولد يا دنيا» بأعوام، فقد شارك عبدالمنعم مدبولي، في مسرحية «بمبة كشر» من إخراج حسين كمال، وبعده بعدة سنوات طلب منه المشاركة في الفيلم، وقال له: «زي ما بتقدر تضحك الناس بقوة، لازم تبكيهم بقوة، داخل الفيلم أغنية جديدة شكلاً ومضموناً وأنت ستؤديها، كلمات مرسي جميل عزيز، وألحان كمال الطويل».

ووافق مدبولي على الغناء، وأجرى بروفات كثيرة مع كمال الطويل، وحضر حسين كمال لاختيار وتحديد مناطق الحزن، والوقت الذي يبكي فيه، وكان في وسط الأغنية موسيقى يرقص عليها عبدالمنعم مدبولي، وقام بعزفها الموسيقار عمار الشريعي على آلة الأورج، وبعد الانتهاء من تسجيل الأغنية دخل جميع الموجودين في الاستديو في حالة من البكاء بعد سماعها.

ووقتها كشف الفنان الراحل سر إتقانه الغناء بهذا الشكل المؤثر، بقوله إنه كان يحتفظ في ذاكرته بصورة سائقي «الحناطير» الذين يقفون أمام مدرسته الابتدائية بحي باب الشعرية، ويرتدون البذل السوداء المستعملة، وينتظرون أن يطلبهم أحد، ليسيروا بعرباتهم التي تجرها الخيول أمام الجنازة، أو يطلبوهم ليقدموا القهوة في أماكن العزاء، وخلال انتظارهم ساعات طويلة، كانوا يرددون المواويل وأغاني الصير بأصوات مليئة بالشجن والحزن.

أحمد الجمَّال

«أيامي السعيدة» أول ظهور سينمائي لنجم كوميدي وراء الميكروفون

بطل «ساعة لقلبك» يتحول إلى مؤلف وممثل في فيلم «حيجننوني»

«أنا وهو وهي» نسخة سينمائية بتوقيع مخرج المسرحية الشهيرة
back to top