مركز البحوث والدراسات الكويتية يوثق تاريخ أسرة الصقر (الحلقة الأولى)

جاسم حمد الصقر (1918- 2006) إبحار في سيرة غنية جمعت بين السياسة والثقافة

نشر في 13-04-2021
آخر تحديث 13-04-2021 | 00:14
يأتي كتاب «جاسم حمد الصقر- سيرته السياسية والثقافية» في إطار سلسلة من الكتب الخاصة بتاريخ أسرة الصقر، والتي يعمل مركز البحوث والدراسات الكويتية برئاسة وإشراف د. عبدالله الغنيم على أن تكون ذات مرجعية موثقة، نظراً لإيداع أسرة الصقر مجموعة من الوثائق الخاصة بها.

ابتدأت السلسلة بكتاب تناول سيرة حمد عبدالله الصقر، ثم كتاب عن عبدالله حمد الصقر ودوره السياسي والاقتصادي.

اهتم كتاب «جاسم حمد الصقر»، الذي أعده د. فيصل عادل الوزان، بجوانب ذات قيمة في سيرته الثقافية والسياسية معاً. فقد كان العم المرحوم أبو وائل شديد الاهتمام بالوثائق التي تخص أسرته ويحتفظ بها في أرشيفه الخاص، الذي قام بتصنيفه بشكل أولي.

وتكمن أهمية هذا المخزون الوثائقي في أنه يحتوي على عقود تجارية، ووثائق عدسانية، ومراسلات، ومقتنيات خاصة أسرية، ومسودات أبحاث تاريخية، إضافة إلى مذكرات يومية كان يحرص على تدوينها.

ومن بين الوثائق النادرة رسائل كتبها أحد أعضاء كتلة الشباب الوطني إلى المرحوم جاسم الصقر حول أحداث مجلس 1938، وقصة إيفاده من الشيخ عبدالله السالم الصباح سنة 1963 للاجتماع مع الرئيس العراقي عبدالسلام عارف بعد سقوط عبدالكريم قاسم، ومفاوضات إيصال مياه شط العرب إلى الكويت، فضلاً عن محاضر لجان سرية عُقِدت بمجلس الأمة عن طرح فكرة تنقيح الدستور، وغيرها الكثير من الوثائق.

وفيما يلي عرض حلقات الكتاب الصادر عن مركز البحوث والدراسات الكويتية.

شهد الحي القبلي بمدينة الكويت في ربيع الأول 1336هـ/ 3 يناير سنة 1918م ميلاد جاسم الابن الرابع للمرحوم حمد عبدالله الصقر من زوجته شيخة السيد فايز الرفاعي. كان له أربعة من الإخوة وخمس من البنات.

ترعرع جاسم في الحي القبلي أيضا، حيث كان يسكن في فريجهم عدد من الأسر، مثل: البدر، والسميط، والبرجس، والنجادة، والحمد، والغنيم، والخرافي. ومن أصدقائه المقربين في هذه الفترة محمد السميط، وثلاثة من أولاد البدر وغيرهم من تلك الأسر الذين كانوا في سن مقاربة له.

رسالة إلى والده حمد الصقر

من الكويت إلى الفاو في 6 جمادي الأولى سنة 1346هـ، (1 نوفمبر 1927م)

«لجناب المكرم الوجيه حضرة سيدي الوالد الحاج حمد العبدالله الصقر المحترم أدام الباري وجوده، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته على الدوام والسؤال عن صحتكم، لازلتم مسرورين، سيدي لنا مدة ما رأينا منكم كتاب، عسى المانع خير. سيدي من طرفنا لا تكون بفكر. إننا مواضبين على المدرسة وعلى الصلاة. ونسأل الله سبحانه وتعالى ان يهدينا ويوفقنا لما فيه خير وصلاح، وأن يجعل التوفيق رائدكم أينما توجهتم هذا ما لزم. سلامنا للأخ عبدالله. ومنا الأخ محمد وعبدالوهاب جميعا يسلمون. وأنت سالم والسلام.

صحيح جاسم بن حمد العبدالله الصقر»

من جاسم حمد الصقر في الكويت إلى أبيه في الفاو 1 نوفمبر 1927م

أُعجب جاسم الصقر بالحياة الدراسية ومجتمع الطلبة ومحيط المدارس، وحببت إليه الدراسة والقراءة وأجواء التحدي والفضول المعرفي، فانعكس ذلك على نشاطه الصفي الذي عُد نشاطا زائدا.

فكان كثير الأسئلة والمجادلة مع المدرسين، مما أثار عليه غضب بعضهم الذين اشتكوا الى أبيه حمد، كما تعكس إحدى الرسائل المؤرخة بـ 24 صفر 1347هـ/ 12 أغسطس 1928م، أي عندما كان جاسم في الحادية عشرة من عمره.

وأثناء دراسة جاسم الصقر في سنته الثانية بالمدرسة الأحمدية توفي والده في سنة 1930م. وكان جاسم حينها في الثانية عشرة من عمره.

الدراسة في البصرة

اقترح أخوه الأكبر المرحوم عبدالله أن ينتقل جاسم وأخوه محمد إلى البصرة. حيث مركز تجارة الصقر الرئيسي. أدى جاسم الصقر امتحان القبول في المدرسة وعودِلت شهادته وقُبِلَ في الصف الثالث الابتدائي. تخرج في هذه المرحلة سنة 1933م، ثم أكمل تعليمه إلى النهاية فدرس في المرحلة المتوسطة، والثانوية بقسمها الأدبي، وتخرج في ثانوية البصرة بعد اجتياز الامتحان النهائي سنة 1939م. وبسبب عدم وجود جامعة في البصرة انتقل إلى بغداد، حيث التحق بكلية الحقوق في جامعة بغداد لتبدأ مرحلة جديدة في حياته، وتساهم في تشكيل ثقافته وسيرته المستقبلية.

ويتحدث المرحوم جاسم الصقر في إحدى مقابلاته المصورة عن سبب اختياره لتخصص الحقوق، فقال إن والده المرحوم حمد كان قد بنى عمارة في البصرة من طابقين، ضمت مكتبا تجاريا وديوانية ومضافة، وذلك لاستقبال الكويتيين الزائرين للبصرة ممن لا يذهبون للفنادق.

كانت الديوانية مجمعا ثقافيا للمتنورين بحكم الميول الثقافية العروبية لأخيه عبدالله، حيث كان منتميا لحركة القوميين العرب ولعدد من تنظيماتها ونواديها مثل كتلة الشباب الوطني، وجماعة الكتاب الأحمر، ونادي المثنى بن حارثة، والنادي العربي بدمشق، وكان مهتما بدعوة زملائه وأصدقائه المثقفين والعروبيين ومجالستهم فيها، وكان كثير منهم يعمل محاميا أو مدرسا.

وكان جاسم عندما يأتي من الثانوية يجد تجمعا من هؤلاء المثقفين في ديوانيتهم، فيجلس معهم ويستمع إلى أحاديثهم. ويقول جاسم إن هذه المرحلة زرعت فيه رغبة في دراسة القانون بعد انتهائه من المرحلة الثانوية. ومما أثر عليه أيضا بيئة البصرة الثقافية التي كان من عادة سكانها قراءة الصحف بشكل يومي، وكانت الصحف والمجلات الصادرة من العراق ومصر والشام ولبنان تتكدس في ركن بيت الصقر في نهاية الأسبوع.

ويقول جاسم إنه بسبب قراءاته الكثيرة في تلك الصحف والمجلات أصبح لديه مخزون كبير من المعلومات العامة ومدارك واسعة، مما جعله يتفوق على أقرانه في المدرسة.

وكان في البصرة أيضا جمعية الشبان المسلمين، التي انتسب إليها جاسم وأخوه عبدالله. وكان جاسم يذهب إليها ليالي الجمعة، ويمكث فيها حتى ساعات متأخرة من الليل. ويقول جاسم إن البيئة الثقافية بالبصرة كانت مشبعة بالتيار القومي العربي الذي انغمس فيه الكادر التدريسي والإداري التربوي وفئة المثقفين والكتاب والصحافيين، حيث كان النشيد الصباحي في مدرسة البصرة الابتدائية هو:

بـــلاد العُرْبِ أوطــاني من الشام لبغدان

ومن نجـــد إلى يمـــن إلى مصر وتطوان

التعريف بالشاعر خالد الفرج

أرسل أحد أصدقاء جاسم الصقر، يحمل اسم خليفة (من المحتمل أن يكون خليفة أحمد الغانم) بتاريخ 22/1/1937م رسالة بخط جميل تطري وتشيد بالشاعر الكويتي خالد الفرج، وتُعرِّفُ بسيرته وتسطر أبياتا من قصائده. كما أرسل نبذة عن حياة الفرج. ويبدو أن جاسم استعان بخبرة ومعرفة صديقه بالشاعر لأنه يريد تقديم عرض لحياة شاعر كويتي في قاعة الخطابة في ثانوية البصرة، وهذا أمر يحسب له في التعريف بذلك الشاعر المبدع. وفيما يلي نصوص وصور رسالتين بهذا الخصوص:

«بسم الله من الكويت في 22 جنوري سنة 1937

أخي العزيز قاسم الصقر

وافاني كتابك الذي تستنجدني فيه على «إحياء شاعرنا المطبوع خالد الفرج» في قاعة الخطابة لثانوية البصرة. وهذه اللفظة «إحياء» التي انفلتت في عبارتك لربما أنها كانت من أصح الفلتات في الدلالة على الحياة المنسية التي يحياها عبقرينا الكبير في تلك الربوع التي تُهرِمُ الشاعرية وتقضي على الإحساس. وما أحب أن تعرف عن خالدنا الشاعر أنه شاعر يتوثب في الخيال، ويُعرِّجُ في سماء التصور الشعري إلى أفلاك الفن والخيال، ثم هو لا يحسن بعد ذلك من بعدها شيئا، كلا، فالرجل في ظني أقوى من ذلك أثرا وأجلى ذاتية، وأن العبقرية التي يتمجد بها الذهن ما تركت في نظري شيئا من معانيها الزائفة إلا وجلَّلته بتلك الذهنية المطبوعة على النقاء والصراحة وصفاء الذهن وعذوبة النفس. ثم هي من بعد ذلك قد أذكت فيه روح الإبداع والعزيمة وإيثار العمل الرائع المسبوك.

أفليس عبقرياً إذاً من تؤاتيه الشاعرية الملهمة وقوة الإنتاج الفكري العملي بحيث تجده المهندس الفنان، والخطاط الأمهر، والكاتب النابغة، والمؤرخ العميق الغور، والفلاح البارز الحكمة والمعرفة، ثم الطباع المحترف إلى آخر ما شاء من صفات العمل والعبقرية الجبارة الفائقة.

إي نعم يا صديقي، هذه هي بعض صفات العبقرية المندرسة في تلك الشخصية التي بدأت تهرم قبل أوانها، وما الذنب إلا ذنب البيئة الفاجرة والحظ المنكود، ثم إن الرجل كما تعلم أبوعيال، وقد تبنى «تزوج» من اثنتين. وبذلك غلت يداه، وهيض جناحه دون الطيران إلى البيئات التي يجوز فيها التحليق إلى سماء المجد والخلود. وهكذا مات حياً أو قل يحيى ميتاً. وتركنا نندب عبقريته في حياته، فما أفجع الذكرى وما أمرَّ المصاب!

وبعدُ فإن من أروع صفات خالد، ومميزات خالد، هذه الدعابة الحلوة الساحرة التي يتفنن بها دائما وأبدا في شعره ورسائله وفي خلجات نفسه. ثم هو فوق ذلك لا يعرف في النكتة تكلفا ولا يشعرك بها صناعة، وإنما أنت تحسبها مرسلة إليه طوعا أو إلهاما من الملائكة أو الشياطين، ولكنك لن تراه فيها إلا المداعب الذرب الموهوب.

مصيف لوذان تكفينا بساطته

في حين أن مصيف القوم لوزان

أما الشعر فتلك سماؤه التي سما فيها وحلق حين تستفزه الشاعرية المشتعلة فيه إلى تقليد خرد الأغاني وأغاريد الأطيار والبلابل الناعمة فيفتننا فيها ويُفتن. ولو أردتَ أن أفيض عليك بما أفاضته شاعريته عليَّ من سحر وعذوبة لاحتجت أن أكون شاعرا مثله، ولكن كما تعلم ذو البضاعة المزجاة والذاكرة الضعيفة التي كثيرا ما تخون صاحبها، وخصوصا بحفظ الشعر وادكار القافية.

ولقد تعبت في البحث عن قصيدته التي قالها في حفلة تكريم أمين الريحاني ارتجالا أو هي أشبه بالارتجال الذي عودنا عليه، ولكني لا أحرمك من نقل بعض الأبيات التي علقت بالذاكرة عنوا لسهولة الوزن والإيقاع، وإليكها:

الغرب قد شدد في حملته

والشرق لاهٍ بعدُ في غفلته

وكلما جــد تســــخيره

يستسلم الشرق إلى رقدته

إلى أن يقول:

من كان لا يحطاط عن محنة

لن يحمد العقبى لدى محنته

وكلنا ينشد في سره

ما قاله الشاعر في حكمته

من حُلِقت لحية جار له

فليسكب الماء على لحيته

وكأنه في هذه الأبيات الأخيرة إشارة صريحة إلى قضية «الإسكندرونة» بين تركيا وسوريا جارة العراق! وبنتيجة بحثي وجدت قصيدة خالد في رثاء أمير الشعراء أحمد شوقي، أبعثها إليك هي والرسالة النثرية التي يصف فيها طريقه إلى «قرية جرية» ليقف بنفسه على بنايات أو معاقل الحدود الجديدة. كما أني أبعث إليك بكتابه «أحسن القصص» ديوان شعر عن سيرة الملك عبدالعزيز بن سعود، والذي يسميه بأخشن الغصص، لأنه ذاق تعب تأليفه وطبعه ونفقة ذلك دون أن يكافأ بالثمرة التي يستحقها لو صال سواه في سوى صقعه القِفْر المجدب. وأَمَلي أن أكون قد تخلصت من عجزي في تعريف الشاعر بمثل هذه المخطوطات التي أبعثها إليك، وأتعشم رجوعها إليّ سالمة، والسلام. أخوك خليفة»

الصفحة الأولى من الرسالة الموجهة من خليفة بن أحمد الغانم إلى جاسم الصقر بتاريخ 22 يناير 1937م

مصلح وكفء

ثم يمضي في الحديث عن أهم المحطات في حياة الفرج: «كلُّ ما أتذكرُ عن حياة خالد ما يأتي: ولد في الكويت مع ولادة القرن العشرين من بيت الشاعر العامي الفحل عبدالله الفرج، وترعرع أو تربى في الهند. وتلقى ثقافته هناك. وتزوج في الهند ثلاث زيجات، إذا تحدث لك عنها فكأنما يتحدث لك عن ليلات ألف ليلة وليلة، لما في ذلك من أفانين الحياة الهندية، وطلاوة روحها الشرقية المطبوعة بسمات الخيال وجمال الروحانية. وقد شكل له مطبعة عربية هناك، ثم قفل إلى الكويت.

ونظرا لعدم ائتلافه مع الجهات العليا نزح إلى البحرين وتولى منصب إدارة البلدية إلى عام 1345 هجرية، ولكن نظرا لنزعته الإصلاحية وهيمنته على مشاريع الإصلاح تخوفت السلطة المحتلة- الوكيل السياسي البريطاني- منه فأبعدته عن هناك. فاستدعي إلى تولي منصب بلدية الأحساء ثم بلدية القطيف. ونظرا إلى ثقة أميرها الجليل المرحوم عبدالله بن جلوي فيه، فقد أبرز الرجل في البلدين نشاطا جبارا وحيوية بعيدة الأثر في أعمال الإصلاح ومشاريع العمل النافع، وما زال حتى الآن مُنجد الحكومة العربية السعودية، كلما همت بتشكيل أو إقامة أو تشييد مصلحة أو قرية أو بناية في ذلك الطرف المجدب من الكفاءة، وإن كان ما يترشح إليه من هذه التكاليف المتواصلة أقل بالقليل مما يستحقه رجل مصلح كفؤ مثله. وعفوا عن العجلة لبعض المشاغل.

يصلكم مني كتاب أحسن القصص مع الأخ محمد الأحمد الغانم».

المدارس الأولى

دخل المرحوم جاسم الصقر مدارس الكويت، مثل مدرسة الأطفال التي أنشأها والده في حيهم وأدارها المرحوم محمد العجيري والد الدكتور صالح العجيري في القبلة، ويقع مكانها الحالي في متحف الكويت الوطني، حيث تعلم القرآن الكريم ومبادئ اللغة العربية، وكان معه في المدرسة محمد عبدالمحسن الخرافي، وأحمد عبداللطيف الحمد، ومرزوق جاسم المرزوق، وخليفة خالد الغنيم، وصالح العجيري، وأحمد السرحان، ومحمد البحر، ومحمد صالح الحميضي، ويعقوب الحمد، ومرزوق العبدالوهاب، وزيد حمد الخالد، وعبدالرزاق حمد الخالد، وعبدالله السميط، وحمد النفيسي، وسليمان النفيسي، ومشاري عبدالله الخالد، ومحمد الراشد النجادة، وعبدالله صقر آل بن علي، وعلي محمد المحميد، وعيسى الجساس.

ثم انتقل إلى مدرسة السيد هاشم الحنيان (التي تقع بالقرب من سوق المناخ بمفهومه القديم وبالقرب من بيوت الزبن) ودرس فيها سنتين (1345- 1347هـ/ 1927-1929م)، ثم انتقل إلى المدرسة الأحمدية سنة 1347هـ/ 1929م ودرس فيها سنتين. وفي هذه المدرسة تلقى تعليمه على يد المرحوم عبدالملك الصالح المبيض، والمرحوم محمود شوقي الأيوبي وغيرهما.

درجاته في امتحانات السنة الدراسية 1932-1933م

حمزة عليان

تنقّل جاسم الصقر بين مدارس والده والحنيان والأحمدية وتلقى مبادئ اللغة العربية وتعلم القرآن فيها

توفي والده وهو على مقاعد الدراسة عام 1930

ديوانية والده تحولت إلى منتدى ثقافي عروبي

تخرج في ثانوية البصرة عام 1939 بعد انتقاله إليها حيث مركز الصقر التجاري

البيئة الثقافية في البصرة زرعت به الرغبة في دراسة القانون

قدم تعريفاً عن خالد الفرج في قاعة الخطابة بثانوية البصرة
back to top