كلارا والبحث عن «ربع بقواطي»

نشر في 08-04-2021
آخر تحديث 08-04-2021 | 00:19
 حسن العيسى بزاوية "العاير"، في ذلك الحي بالسالمية، مقابل مستوصف المنطقة الآن، كان حمد الفهد يجلس وحيداً، في منتصف ستينيات القرن الماضي الأمور عند حمد الزاهد بالدنيا، والمتألم من تغير الحال وتباعد الأصدقاء بعد أن انصرف كثير منهم لشؤونهم، كان حمد يردد كلما شاءت الصدف أن نلتقيه أمنيته الخيالية "أخ لو نحصل على ربع بقواطي"، أي أصدقاء في علب، تفتح العلبة كلما ضيقت على روحك أشباح الوحدة والخيبة من تبدل الزمان، لتجد صديقاً تدردش معه، تحاوره، تشكي إليه وتسمع منه، هو "الصديق وقت الضيق" إلا أنه جاهز للاستهلاك الروحي عندما تطبق على روحك عبثية الوجود وملل الزمن.

رحل حمد عن الدنيا لعالم سره عند الخالق، إلا أن الكاتب الإنكليزي -من أصول يابانية- الحاصل على جائزة نوبل للأدب "كازوو ايشيغورو"، استلهم برواية "كلارا" فكرة الصديق الآلي، "كلارا" هي صديقة "افتراضية" طاقتها تستمدها من ضوء الشمس، يمكن الحصول على كلارا ومن مثلها من دكان يبيع هؤلاء الأصدقاء الآليين بأسعار تختلف حسب موديل السنة، كلارا ليست مجرد صديق آلي تؤنس الأطفال وتلعب معهم وتبعد عنهم أشباح الوحدة والضيق الروحي، بل هي تملك المشاعر والأحاسيس الإنسانية، وتتعرض لسوء المعاملة والاستغلال من البشر.

لا يهم اليوم، ونحن نختنق من كابوس كورونا، استذكار تفاصيل الرواية وحكاية المرحوم حمد الفهد مع "ربع بالقواطي"، لكنها مناسبة نشعر بها، بعد فرض الحظر الجزئي وقبله الكامل علينا. ما العمل الآن بعد أن تضاعفت أمراض الاكتئاب بنسبة تقارب 34 في المئة في دولة مثل المملكة المتحدة (افتتاحية فايننشال تايمز عدد الأمس)؟ ماذا عن هنا بدولة "الحمد لله مو ناقصنا شي"؟! لا أحد يتكلم عن واقع الملل والوحدة المفروضة على أرواحنا في السجن الكويتي الكبير، هو سجن كبير بلا أسوار قبل "كورونا"، وأصبح زنزانة فردية بعدها.

الزميل ناجي الزيد ألمح بمقال أمس إلى أن عدد حالات الإصابة لم يقلّ بعد قرارات الحظر الجزئي، بل زاد، لعل السبب هو واقعنا الاجتماعي بعدم اكتراث الكثيرين لقواعد منع التجمعات أو ضرورة التطعيم، أو قد يكون السبب هو بطء إجراءات التطعيم وصعوبته في مناطق مكتظة بالبشر تناستها السلطة منذ زمن طويل.

يا دكتور باسل عندك الأرقام الصحيحة لتزايد حالات المرض، بعد فرض الحظر الجزئي، وانفجار زحمة المرور بالدولة، وأمامك هذا الواقع الاجتماعي، الذي لا تريد مواجهته "ربما" لحسابات سياسية، لماذا هذا الحظر طالما لا فائدة ترجى منه؟ ليست السلطة فقط هي سيفوه وخلاجينه التي لا تتغير، بل هو أيضاً أكثرية الناس وثقافتهم اللامكترثة لقواعد السلامة. اخرج لنا بحل لهذا الحال البائس اقتصادياً وروحياً، ألغ الحظر غير المجدي أو دبر لنا "قواطي" توزعها الحكومة مع الدعم التمويني كل شهر. الكثيرون سيموتون مللاً واكتئاباً، لا من "كورونا"، كم "قوطي" سيبهجون القلوب الحزينة في بلد تشكو من نشافة الأرواح والسأم الممتدين بلا نهاية.

حسن العيسى

back to top