تقويم العجيري... «وعيد النيروز»

نشر في 07-04-2021
آخر تحديث 07-04-2021 | 00:10
 خليل علي حيدر تقويم الاستاذ الكبير والفلكي الكويتي القدير د. صالح محمد العجيري، موجود ومتداول في كل محل ومنزل ومكتب بأشكال التقويم المتنوعة، لشموله ودقته، وهو كذلك جزء من أوعية الثقافة العامة لكثرة ما فيه من معلومات وافية وأجوبة شافية، ومن حكم ونصائح وإحصائيات وتنبيهات وغير ذلك. فكان التقويم لبعض الوقت قبل انتشار الصحف، بمثابة إحدى المطبوعات المقروءة على نطاق واسع، ورغم تحديات تقنيات التواصل الحديثة التي تعجز صحافة العالم عن منازلتها والتصارع معها، فإن «تقويم العجيري» لا يزال يواصل مسيرته التي نتمنى لها الاستمرار وللدكتور الفاضل صالح محمد العجيري الصحة والعمر كله.

يتحدث الأديب «عبدالله الحاتم» في كتابه «من هنا بدأت الكويت» عن د. العجيري وتقويمه التاريخي فيقول إنه عندما جاءت سنة 1935 «ظهر من الكويتيين فتى صغير السن لم يكن يتجاوز الرابعة عشرة من عمره.. واستطاع فتانا النابغة صالح محمد العجيري، في سنة 1936 وهو دون الخامسة عشرة من عمره، أن يحطم الحاجز مبكراً لبلوغ هذه المرتبة العلمية الفذة، وأن يتجاوز الرقم القياسي العالمي في نبوغ الأحداث بإصداره أول تقويم خطي، وفي سنة 1945 طبع أول تقويم له في بغداد عرف باسم (تقويم العجيري) ثم أخذ في إصدار المؤلفات سنوياً، ومنها: تقويم الحائط، ونتيجة الجيب، ومفكرة الجيب، وأجندة المكتب. وتمتاز مؤلفاته بالدقة وضبط الأوقات». (ص188).

عاصر «تقويم العجيري» أحداث الكويت الكبرى من تحول اقتصادي مع بداية عصر النفط، وتغير المجتمع ونمو وتغير الدولة والمجتمع خلال الخمسينيات ما بعد 1950، وما طرأ من تزايد عدد المتعلمين وتصارع التيارات السياسية وتزايد السكان ونيل الاستقلال... إلخ.

وزامن التقويم الأحداث الكبرى العربية والدولية، مثل انتهاء الحرب العالمية الثانية، ونكبة فلسطين وانقلابات مصر وسورية والعراق وحرب الجزائر والوحدة بين مصر وسورية ونكسة حزيران (يونيو) 1967 والعدوان على الكويت... وغير ذلك.

وربما استطاع التلفزيون أو الإذاعة إعداد برامج حول التقويم وتاريخه وذكريات د. العجيري عنها، ومن الممكن إعداد دراسة أو ورقة بحثية عن هذا التقويم الواسع الشعبية الممتد التاريخ.

لفت نظري في التقويم يوم 21 مارس تجاهل يوم المرأة العالمي وعيد الأم، وكذلك حلول عيد النيروز أو النوروز البالغ الأهمية للعديد من الشعوب الآسيوية في العالم الإسلامي مثل إيران وكردستان وتركستان وأذربيجان، حيث تحتفي الملايين من أبناء تلك الشعوب، بمختلف أديانها ومذاهبها احتفال شعوب أخرى براس السنة الميلادية وكريسماس العيدين وغير ذلك من أعياد وأيام، وذلك بالخروج إلى الغابات والسهول ونصب الخيام والبقاء عدة أيام احتفاء بالربيع والطبيعة الجميلة.

إن الاحتفال بعيد النوروز او النيروز قديم حتى في الثقافة العربية وبخاصة في الشعر والقصيد وكان النوروز أكبر الأعياد الشعبية كما هو اليوم في إيران، وهو يوم رأس السنة، حيث كان الملوك «يسعدون رعاياهم في جميع الولايات في هذا اليوم السعيد، وكان من يشتغل يستريح ويحتفل بالعيد».

(ايران في عهد الساسانيين، آرثر كريستنسين: ترجمة د. يحيى الخشاب، القاهرة 1998، ص 162).

ويضيف المؤرخ الدانماركي نفسه «كريستنسين» Christensen قائلا: «تحدث عن هذا العيد، عدا البيروني- في كتابه الآثار الباقية- كُتاب من العرب والفرس، كما أن شعراء كالفردوسي «ومنو جهري» قد تغنوا به، إنه عيد ربيعي قد حفظ بعض خصائص الـ«زجموك» zagmok الذي هو عيد البابليين القدماء وكانت الضرائب المحببة تقدم للملك في «النوروز»، وفيه يعين أو يستبدل حكام الأقاليم، وتضرب النقود الجديدة وتطهر بيوت النار ويستمر العيد ستة أيام متوالية».

ويقول المؤرخ كذلك: «وفي هذه الأيام يجلس الملوك الساسانيون للعامة ويقابلون العظماء وآل ساسان في نظام حسن ويقدمون لهم الهدايا، وفي اليوم السادس كان الملك يحتفل هو نفسه بالعيد مع خاصته، والواقع أن اليوم الأول واليوم الأخير من النوروز (اليوم السادس) كان يحتفل بهما احتفالا يحوي كل المظاهر الشعبية وكانوا يصحون مبكرا في اليوم الأول، ويذهبون الى مجاري المياه والقنوات للاستحمام ورش بعضهم بعضاً بالماء، وكانوا يتبادلون هدايا الحلوى. وكانوا في الصباح، قبل ان ينطق أحدهم بكلمة يأكلون السكر ويلعقون العسل ثلاث مرات، ويدلكون أجسامهم بالزيت، ويتبخرون بثلاث قطع من الشمع ليحفظوا أنفسهم من الأمراض والآفات».

(إيران في عهد الساسانيين، ص 163).

ومن أفضل الدراسات للعلاقات بين العرب وإيران كتاب د. أحمد محمد الحوفي، «تيارات ثقافية بين العرب والفرس»، القاهرة، 1968. يقول د. الحوفي «إن الأمويين حرصوا وولاتهم على الصبغة العربية، فكان تأثرهم بالفرس والروم الى الحد الذي لا ينقلهم الى أن يكونوا أشبه بهم لكن العرب جعلوا يتأثرون بالعادات الفارسية شيئاً بعد شيء، حتى جاء العصر العباسي، فعظم تأثرهم، ونقلوا عن الفرس كثيراً من عاداتهم ووسائل ترفهم ولهوهم ومجونهم». (ص112).

ويقول ان النيروز كلمة فارسية معناها اليوم الجديد، ويوافق شهر «بابه» القبطي، أي انه يوافق أول الربيع، والنيروز استقبال الربيع «والمهرجان» استقبال الخريف» ويضيف د. الحوفي «إن ملوك الفرس كانوا يأمرون بإخراخ ما في خزائنهم في النيروز والمهرجان من ملابس، فتفرق كلها على بطانة الملك وخاصته، ثم على بطانة البطانة، ثم على سائر الناس... وكانوا يتقبلون الهدايا في العيدين من طبقات شتى».

ويضيف: «بدأ اتصال العرب بالنيروز والمهرجان في آخر صدر الاسلام، فقد كانت تحمل إلى «معاوية» ومَن بعده هدايا النيروز والمهرجان، وقد أنكرها علي بن أبي طالب» ثم أبطلها «عمر بن عبدالعزيز، إلى ان أعادها أحمد بن يوسف الكاتب في العصر العباسي الأول. وفي هذا العصر شاع الاحتفال بالعيدين- النيروز والمهرجان- حتى إن الخلفاء والولاة كانوا يجلسون فيها لتقبل التهنئات واستماع مدائح الشعراء، وكان «عبدالله بن طاهر» يفرق ما في خزائنه من ملابس على بطانته ثم على سائر الناس وصار من الشائع في قصائد الشعراء التعبير عن الربيع بالنيروز» وقد ذكر «البحتري» في قصيدة له النيروز، وهنأ «ابن الرومي» عبيدالله بن عبدالله بيوم المهرجان». (ص115).

وعرف العثمانيون «النوروزية» وهي عبارة عن معجون يتركب من العنبر والأفيون والأعشاب العطرة، يقدم الى السلطان وأسرته والى الصدر الأعظم وسائر رجال الدولة». (معجم الدولة العثمانية، د. حسين مجيب المصري، القاهرة، 1989، ص226).

وفي سنة 1997، احتفل أكراد لبنان بعيد النوروز في قاعة النادي الرياضي في بيروت، تحت رعاية رئيس الوزراء رفيق الحريري، ومن الشعارات التي رفعها الأكراد في هذا الاحتفال أن منح الجنسية ورعاية نوروز إنجازان تاريخيان من «الحريري» لأكراد لبنان. ومن المعروف أن المهاجرين الاكراد والمكون الكردي عموما في لبنان يعاني في سبيل الحصول على الجنسية اللبنانية، مما حال دون تعليم أبنائهم في المدارس والجامعات، وحرمهم من وظائف الدولة، وتسبب في ارتفاع نسبة الأمية، وفي هذا المجال لابد من الاشارة الى ان 90% من الاكراد مولودون في لبنان، إلا ان اكثر من تلثيهم بقي من دون تجنيس حتى عام 1994، وهذا ما دفع بالبعض الى تغيير مذهبه لحل مشكلة الجنسية، وهذا ما حصل في الأول في فبراير 1956 حين تم منح 17 كردياً مع عائلاتهم الجنسية اللبنانية، بعد تحولهم إلى المذهب الماروني».

(تاريخ الاكراد في بلاد الشام ومصر، د. محمد الصويركي، عمان - الاردن، 2010، ص 172 - 173).

تراجعت مكانة «عيد النيروز» في إيران مع تغير النظام عام 1979، وحاولت أجهزة «الجمهورية الاسلامية» والاعلام، تجاهل المناسبة وتقليص حجم الاحتفاء بالعيد قدر المستطاع، وبخاصة في السنوات الأولى، باعتبارها مناسبة قومية ايرانية «زرادشتية» تعود إلى ما قبل الاسلام.

وكان العيد محارباً عبر التاريخ في أوساط المسلمين المتدينين او المعادين للفرس والدولة الصفوية و«الموالي» و«الشعوبية» ... الخ.

وفي السنوات الحديثة جدد التيار السلفي على وجه الخصوص هجومه المعروف على احتفاء المسلمين بأي عيد غير العيدين الفطر والاضحى وحذر المفتون من ان هذه الاعياد كائنة ما كانت هي، «من البدع المحدثة التي سرت الى المسلمين من غيرهم، وفتنوا بها، وصاروا يحتفلون بها كاحتفالهم بالأعياد الاسلامية واكثر. (فتاوى علماء البلد الحرام»، الرياض، 2009، د. خالد عبدالرحمن الجريس، ص771).

وكان تقويم العجيري، في السنوات السابقة، انطلاقاً من «التعددية الثقافية» في الثقافة الكويتية، يشير إلى «عيد النيروز» أو «النيروز». ففي تقويم عام 2001 مثلاً، قبل عشرين سنة، نبه التقويم متابعيه يوم الثلاثاء 20 مارس، قبيل عيد النوروز، بما يلي: «النوروز الساعة 4 والدقيقة 31 مساءً» وبعد ثلاثة أعوام في يوم السبت 20/ 3/ 2004 مثلا، نبه التقويم الى ان «النوروز الساعة 9 والدقيقة 50 صباحاً.

وما نتمناه من الاستاذ الكبير «بو محمد» ان يعيد الاشارة والتحديد إلى «يوم النوروز» الذي له ما له من مكانه في العالم الاسلامي، شيعة وسنة ايران وكردستان وافغانستان وأماكن كثيرة أخرى!

لفت نظري بالمناسبة امر اخر في تقويم شيخ الفلكيين الكويتيين، فهناك تعميم قديم من مجلس الوزراء الكويتي يعاد نشره عاماً بعد عام بخصوص اعتماد التقويم رسيماً، يقول نصه ما يلي: «تعميم على كافة الجهات الحكومية

بناء على قرار مجلس الوزراء رقم 363 الصادر في اجتماعه رقم 24-2 - 2006 المنعقد بتاريخ 23/ 4/ 2006.

فقد تم اعتماد فقط على تقويم العجيري للتاريخ الهجري والميلادي في جميع المعاملات الحكومية».

والسؤال: ألا تحتاج عبارة، «تم الاعتماد فقط على تقويم العجيري للتاريخ الهجري والميلادي... إلخ، إلى النص المعدل الذي نقترحه وهو «تم اعتماد تقوم العجيري... الخ». او «تم الاعتماد على تقويم العجيري وحده للتاريخين الهجري والميلادي في جميع المعاملات الرسمية»؟ وهو تقريباً النص الوارد في تعميم 2 مايو 2006 ويقول: «اعتماد تقويم العجيري للتاريخ الهجري والميلادي في جميع المعاملات الحكومية».

نعود الى التأكيد ختاماً ان تقويم العجيري منذ ظهوره قبل نصف قرن جهد فكري ومتابعة فلكية وحضور متواصل في المجتمع الكويتي، تقف خلفه شخصية نادرة المثال... نتمنى للدكتور صالح محمد العجيري دوام الصحة وللتقويم دوام الاستمرار.

خليل علي حيدر

back to top