قناة السويس لاتزال رئة رئيسية للتجارة رغم أزمة «إيفرغيفن»

3 مشاريع لاستبدالها واجهت عراقيل... والقاهرة تستفيد من دروس 6 أيام هزت العالم

نشر في 06-04-2021
آخر تحديث 06-04-2021 | 00:04
عبرت مصر والعالم أزمة توقف المرور في قناة السويس، للمرة الأولى منذ جائحة "كورونا" التي أربكت العالم ولاتزال منذ العام الماضي، انشغل العالم فجأة بما حدث في 23 مارس الماضي وحتى الـ29 من الشهر نفسه في القناة. إنها ستة أيام هزّت التجارة الدولية. فهل لايزال هناك ما يجب الحديث عنه الآن حول هذا الحدث الملاحي الكبير؟

3 مشاريع بديلة

فجأة، قفزت إلى الواجهة أنباء عن مشاريع قدمتها ثلاث دول لتكون بديلة عن القناة المصرية. هذه الدول هي: روسيا، وإسرائيل، وإيران.

في نهاية الشهر الماضي أوردت الـ"فايننشال تايمز" من موسكو ان روسيا التقطت الفرصة لتطرح أهمية طريق محيط الاركتيك في القارة القطبية الجنوبية، الذي يتيح الوصول من اوروبا الى آسيا. وتم العام الماضي، عبر هذا الطريق الذي يسمى أيضا طريق "بحر الشمال"، نقل 33 مليون طن من البضائع.

ولفتت الصحيفة الى انه خلال تعطل العبور في السويس، والذي أدى الى توقف مرور 3 ملايين طنا يوميا، اعتبرت وزارة الطاقة الروسية ان هناك حاجة الى طرق أقصر في حالات الطوارئ. ورغم أن الملاحة على مدى العام على طريق الشمال ليست متوقعة قبل 2025-2030، فإن هناك محاذير سوء المناخ التي لاتزال قائمة، غير أن شركة "روستوم" المملوكة من الدولة، وهي المسؤولة عن خط الشمال البحري تتوقع تزايد الطلب على هذا الخط.

ومن المشروعات الأخرى البديلة التي يجري الحديث عنها كما تقول "بي بي سي"، قناة "بن غوريون" الإسرائيلية، التي تربط بين البحرين الأحمر والمتوسط، والتي يروج الإسرائيليون لها، على أنها تمثل البديل لقناة السويس، إذ يقولون إن المسافة بين إيلات والبحر المتوسط ليست بعيدة، وتساوي تماما، المسافة التي تقطعها السفن في قناة السويس بين البحرين، وتستهدف خطة المشروع الإسرائيلي القديم، بجانب إيجاد ممر بديل عن السويس، إنشاء مدن وفنادق ومطاعم ونواد ليلية حول الممر.

أخيرا ولس آخرـ أكد سفير إيران لدى موسكو كاظم جلالي، ضرورة تفعيل ممر "شمال-جنوب" ليكون بديلا عن قناة السويس.

ونقلت وكالة "إيرنا" الإيرانية الرسمية عن جلالي قوله، إن "الإسراع في إكمال البنى التحتية وتفعيل ممر (شمال-جنوب) كبديل عن ممر قناة السويس، يحظى بالأهمية أكثر مما مضى". وأضاف: "الممر يختصر الزمن حتى 20 يوما، والتكاليف حتى 30 في المئة".

المرتبة الرابعة

بحسب التصنيف الدولي، فإن قناة السويس تحتل المرتبة الرابعة عالميا. وفي المرتبة الأولى، الممر الإنكليزي English Channel. وهو ممر مائي بين إنكلترا وفرنسا. يربط بين المحيط الأطلسي وبحر الشمال، حيث يبلغ طوله ما يقارب 563 كيلومترا، ويتراوح عرضه بين 35 كيلومترا و160 كيلومتر.

في المرتبة الثانية، مضيق ملقا. وهو ممر مائي يقع في جنوب شرق آسيا بين شبه جزيرة ماليزيا وجزيرة سومطرة الإندونيسية، يصل ما بين بحر أمدان في المحيط الهندي من جهة الشمال الغربي، وبين بحر الصين من جهة الجنوب الشرقي. يقدر طول المضيق بنحو 800 كيلومتر، بينما يتراوح عرضه بين 50 و320 كيلومترا.

في المرتبة الثالثة قناة بنما. هي ممر مائي يعبر برزخ بنما، ويصل ما بين المحيطيّن الأطلسي والهادئ. وبعد الانتهاء من شقها عام 1914 جرى تقصير مسافة رحلة السفن ما بين مدينتي نيويورك وسان فرانسيسكو إلى أقل من 8.370 كيلومتر. بينما في الفترة التي سبقت شق هذه القناة، كان على السفن التي تقوم بمثل تلك الرحلة، أن تبحر حول أميركا الجنوبية قاطعة نحو 20,900 كيلومتر.

في المرتبة الرابعة قناة السويس. هي ممر مائي ازدواجي المرور. يبلغ طولها 193 كم وتصل بين البحرين الأبيض المتوسط والاحمر، وتصل ما بين قارتيّ آسيا وأوروبا.

وتعتبر أسرع ممر بحري بين القارتين وتوفر نحو 15 يوماً في المتوسط من وقت رحلات السفن. ويمر عبر القناة ما بين 8 في المئة الى 12 في المئة من حجم التجارة العالمية.

رسالة من عنق الزجاجة

كبريات الصحف والمجلات العالمية لاسيما تلك الناطقة بالإنكليزية، أفردت منذ ما بعد 23 مارس الماضي حتى الآن مساحات واسعة لمواكبة تطورات الإغلاق المؤقت لقناة السويس.

في عددها الحالي، حمل غلاف مجلة "ايكونوميست" العنوان الاتي: "رسالة من عنق الزجاجة لا تتخلوا عن العولمة". وارفق الغلاف بصورة زجاجة بداخلها سفينة الحاويات "إيفر غيفن" التي تسببت في تعطيل حركة مرور السفن عبر قناة السويس، إثر جنوحها، ما أعاق حركة المرور عبر هذا الممر المائي الدولي.

وجاء في عنوان موضوع المجلة الرئيسي: "سلسلة الإمدادات العالمية مازالت مصدر قوة لا ضعف"، فكتبت تقول: "أفضل ما في الأسبوع ان قناة السويس سدّها مجازيا 200 الف طن (وزن السفينة). ليست ايفر غيفن واحدة من اكبر سفن الحاويات في العالم، بل انها رمز ردة الفعل على الاتهام بأن العولمة ذهبت بعيداً. فمنذ بداية التسعينيات، بلغت سلسلة الإمدادات أقصى فعاليتها. وسعت المؤسسات الى التركيز على مهمات محددة في أماكن تتمتع باقتصاديات نامية. لكن القلق يتصاعد الآن من ان هكذا سفينة كبيرة جدا قد تتحول مصدرا للدعاوى للحصول على تعويضات".

وخلصت الى القول: "ان المثابرة لا تأتي من الكفاءة الذاتية، بل من تنوع مصادر الإمداد وتأقلم القطاع الخاص مع الصدمات. ومع الوقت، ستتاقلم المؤسسات حتى مع التهديدات طويلة الأمد، بما فيها التوتر ما بين الولايات المتحدة والصين والتأثيرات المناخية، وذلك بالتحول التدريجي الى الاماكن التي يمكن توظيف استثمارات جديدة. انها لحظة خطرة للتجارة. وينما تحث العولمة على الانفتاح ، تؤدي الحماية والدعم في دولة للانتقال الى دولة اخرى. إن العولمة هي ثمرة عقود فلا تدعوها تتعرض للخطر".

ما يشبه ما أوردته المجلة البريطانية، ورد في مقال نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" قبل أيام تحت عنوان "المرحلة التالية للعولمة" كتب مارك ليفنسون الاقتصادي والمؤرخ، وهو مؤلف كتاب بعنوان "خارج العلبة: كيف تحوّلت العولمة من أمر متحرّك الى افكار منتشرة"، كتب يقول: "توقف الناقلة العملاقة إيفر غيفن في 23 مارس واعادتها للعمل مجددا الاثنين 29 مارس في قناة السويس ربما كانت أنباء سيئة للاقتصاد العالمي، لكن مازالت سدادات زجاجات شراب الاحتفالات تفرقع في مراكز عمل خطوط امداد الناقلة في العالم، فالناقلات حظيت بأفضل سنة عمل على الأقل منذ 2008، والسفن تبحر بكامل حمولتها، والرسوم في أعلى مستوياتها، والأرباح التي كانت ضعيفة في الاعوام الاخيرة عادت تتحسن. لكن خطوط الامداد للمسافات البعيدة التي طبعت العولمة منذ الثمانينيات تنطوي على محاذير التأخر في النقل. وما تعطل العبور في قناة السويس إلا آخر الأمثلة. ومن المتوقع تراجع هذا النوع من النقل لمصلحة إيجاد مراكز إنتاج السلع في اماكن قريبة من أسواق استهلاكها بفعل تدني الأجور".

دائماً نحو الأكبر

أما "فيننشال تايمز" الصحيفة المتحصصة اقتصاديا فكانت مميزة في تغطيتها. فبعد معاودة الملاحة في القناة كتبت تحت عنوان "مصر دائماً نحو الاكبر" تقول: "عرقلة الملاحة في قناة السويس سلطت الأضواء على توجه مصر الى المشاريع العملاقة. لم يكن هذا واردا في فكر الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قبل 7 اعوام عندما وعد بزيادة الملاحة في القناة. لكنه بعد تسلم منصبه أمر بتوسعة القناة بمبلغ 8 مليارات دولار. وبعدما كانت القناة مخصصة للعبور في اتجاه واحد، عمد العمال الى توسعة قسم منها، وشقوا خطا ملاحيا على امتداد وسطها فأوجدوا ممرا جانبيا بطول 72 كيلومترا (45 ميلا)، لكي تبحر السفن في اتجاه معاكس، وتتجاوز الواحدة الاخرى.

"فايننشال تايمز" تحت عنوان "مرافئ اوروبا تتحضر لزحمة بعد فتح قناة السويس" كتبت: "مرافئ أوروبا تحضر نفسها لموجة وصول السفن كي تخفف من وطأة التعثر في خطوط الإمداد بسبب توقف الملاحة في القناة على مدى ستة أيام. مرافئ شمال اوروبا كانت لها فرصة لتأهيل منصاتها قبل عودة الازدحام عليها. وتنقل عن أحد المسؤولين قوله: توقف الملاحة في قناة السويس ذكّرني بأنه في عملنا، هناك الكثير من المتغيّرات التي لا يمكن لأحد ان يسيطر عليها".

"وول ستريت جورنال" في عددها 3-4 أبريل تحت عنوان "داخل السباق لإعادة فتح قناة السويس"، لفتت الى انه مرّت مؤخرا ذكرى مرور 150 عاما على افتتاح القناة. ونقلت عن مسؤول مصري قوله ان الرئيس المصري عندما تبلّغ نبأ معاودة العمل في القناة قال: "نشكر الله... إن سمعة مصر بين أيديكم".

وكشفت "الايكونوميست" عن "ان خطأ بشريا وراء حادث الناقلة العملاقة وليس الرياح القوية كما ذكر سابقا".

وقالت "واشنطن بوست" إن "200 الف طن من الفولاذ والبضائع الاستهلاكية سدّت رابع أكثر ممر مائي في العالم ازدحاما". وأضافت انه "لو فشلت عملية إعادة الناقلة الى مسارها لكان على الحكومة المصرية تفريغها من 18 الف حاوية".

الأرخص

ما يجمع عليه خبراء دوليون، أن الأزمة الأخيرة لانسداد قناة السويس، أظهرت أن القناة لاتزال تمثل رقماً صعباً في النقل البحري، وأنها لاتزال الأرخص في نقل السلع والبضائع، وفي مقدمتها الطاقة من نفط وغاز ووقود.

ورغم تعدد المشروعات البديلة لقناة السويس، فإن جانبا من الخبراء، يرون أن إنجاز تلك المشروعات، لن يكون أمرا سهلا، وأن معظمها يحتاج إلى استثمارات هائلة، تتكلف عشرات المليارات من الدولارات، إضافة إلى أنها قد تستغرق وقتاً طويلاً جداً في إنجازها، ويخلصون إلى أن قناة السويس، ستظل عدة سنوات طويلة شريانا حيويا للنقل البحري العالمي، وأن منافسوها لن يقدروا على إزاحتها من موقعها. لكن من الدروس المستفادة هو ان وزن الناقلة الآن 220 الف طن وطولها بارتفاع مبنى "الامباير ستات" بنيويورك، واخذت صناعة السفن علما ان مالكي السفن بدأوا يطلبون ناقلات اصغر وزن الواحدة منها 15 الف طن.

الحياة عادت الان الى قناة السويس، وصرح الفريق أسامة ربيع رئيس هيئة القناة، بأن حركة الملاحة بها تعمل بصورة منتظمة، حيث سجلت التقارير الملاحية، في نهاية الشهر الماضي، عبور 81 سفينة من الاتجاهين بإجمالي حمولات صافية قدرها 4.8 ملايين طن.

القناة... من الفراعنة إلى أمير المؤمنين وصولاً للفرنسيين

تستعد مصر لتسليط الأضواء على تاريخ القناة بعد إحيائها ذكرى مرور 150 عاما على افتتاحها، لكن تاريخ القناة يعود ربما الى آلاف السنين، فقد نقلت صحيفة "الأهرام" عن رئيسة المتحف العالمي لقناة السويس سحر زغلول أن فكرة شق القناة أبصرت النور قبل الفي عام قبل الميلاد، مع قناة سنوسرت الثالث، التي كانت أول قناة تربط بين البحرين الأحمر والمتوسط عبر نهر النيل وفروعه.

وتروي بعض المصادر عن شق قناة باسم "أمير المؤمنين" عام 640 ميلادية، تصل بين الفسطاط والسويس، بعد الفتح الإسلامي لمصر على يد عمرو بن العاص، مشيرة الى أن هذه القناة استمرت 150 عاماً إلى أن أمر الخليفة العباسي أبوجعفر المنصور بردمها، وبعد ذلك أعاد الخليفة هارون الرشيد فتحها، ثم ردمت من جديد لأسباب يتباين حولها المؤرخون.

وبعثت فكرة إنشاء القناة عام 1798 مع الحملة الفرنسية على مصر، عندما فكر الامبراطور نابليون في شقها، إلا أن مسعاه لم يكلل بالنجاح، حتى عام 1854 عندما استطاع الفرنسي فرديناند دي ليسبس إقناع محمد سعيد باشا بالمشروع الذي حاز موافقة "الباب العالي" العثماني، ما أسفر عن منح الشركة الفرنسية برئاسة ديليسبس امتياز حفر وتشغيل القناة لمدة 99 عاما، واستغرق بناء القناة 10 أعوام بين 1859 و1869.

وحاولت الشركة الفرنسية تمديد حق الامتياز 50 عاما إضافية إلا أن تلك المحاولة لم تنجح، وفي يوليو 1956 قام الرئيس جمال عبدالناصر بتأميم القناة، فقامت كل من بريطانيا وفرنسا وإسرائيل بشن حرب ثلاثية على مصر انتهت بانتصار مصري.

وتسببت حرب عام 1967 في إغلاق قناة السويس لأكثر من 8 سنوات، وأعيد فتحها بعد فض الاشتباك بين مصر وإسرائيل، والتوصل إلى وقف إطلاق النار إثر قيام الرئيس أنور السادات بشن حرب العبور في اكتوبر 1973.

بعد ذلك شهدت القناة عدة مشاريع لتوسيع مجراها وتقليل وقت عبورها، بدءا من 1980، وآخرها في 6 اغسطس 2015، مع افتتاح مشروع قناة السويس الجديدة.

وفي نوفمبر الماضي شهدت محافظة الإسماعيلية المصرية وصول تمثال ديليسبس إلى متحف هيئة قناة السويس قادما من محافظة بورسعيد، لينضم إلى مقتنيات مشروع المتحف الذي يتم الاستعداد لافتتاحه.

ووصل التمثال المثير للجدل الى الإسماعيلية بعد أن رفض أهالي بورسعيد إعادة نصبه إلى قاعدته في شوارع المحافظة، وشارك في عملية النقل أكثر من 200 من أبناء هيئة قناة السويس من مختلف الإدارات، بإشراف رئيس الهيئة.

وتجرى حاليا في متحف هيئة قناة السويس أعمال إنشائية، وترميم أول مبنى إداري للقناة، لإعادته إلى سالف عهده إبان الافتتاح الأول التاريخي لقناة السويس عام 1869، وتأهيله ليكون متحفا عالميا يحكي تاريخ قناة السويس منذ نشأتها.

ومن المقرر أن يتم افتتاح المتحف قريبا، وسيضم مقتنيات كثيرة حقيقية كانت موجودة فى حفل افتتاح قناة السويس الأولى ،وكانت موجودة في فرنسا، وتمت إعادتها إلى مصر مجددا، إضافة إلى بعض الكتب والتماثيل لديليسبس ومنزله ومقتنياته.

«إيفر غيفن» أظهرت أن العولمة لم تنته لكن خطوط الإمداد للمسافات البعيدة تواجه تحدياً
back to top