البابا يدعو المسيحيين للعودة إلى الموصل «الجريحة»

الحبر الأعظم صلى لضحايا الحرب وزار قرقوش ونينوى... وبارزاني يعده بالالتزام بالحرية الدينية

نشر في 08-03-2021
آخر تحديث 08-03-2021 | 00:05
البابا يحيي مستقبليه في ملعب فرانسوا الحريري بأربيل أمس (رويترز)
البابا يحيي مستقبليه في ملعب فرانسوا الحريري بأربيل أمس (رويترز)
وسط الركام في ساحة «حوش البيعة» بمدينة الموصل «الجريحة»، ترأس البابا فرانسيس صلاة على أرواح «ضحايا الحرب» في منطقة كانت مسرحاً لانتهاكات تنظيم داعش قبل سنوات قليلة، آسفاً في كلمة ألقاها لـ«التناقص المأساوي بأعداد المسيحيين في الشرق الأوسط».
صلّى البابا فرانسيس وسط الركام في ساحة حوش البيعة بالموصل على أرواح «ضحايا الحرب»، وأسف لـ«التناقص المأساوي بأعداد المسيحيين»، قبل أن يتوجه إلى قرقوش وإقامة قداس على أحد مسارح الانتهاكات العديدة لتنظيم داعش في العراق.

وفي اليوم الأخير من زيارته التاريخية للعراق، التي حصلت وسط إجراءات أمنية مشددة، قال البابا قبل أن يبدأ الصلاة قرب أنقاض «كنيسة الطاهرة» السريانية الكاثوليكية القديمة والمدمرة، والتي بنيت قبل نحو ألف عام في الموصل، «هذا التناقص المأساوي في أعداد تلاميذ المسيح، هنا وفي جميع أنحاء الشرق الأوسط إنما هو ضرر جسيم لا يمكن تقديره»، مضيفا: «ليس فقط للأشخاص والجماعات المعنية، بل للمجتمع نفسه الذي تركوه وراءهم»، وأكد أن «الرجاء أقوى من الموت والسلام أقوى من الحرب والكراهية والعنف».

وأضاف أمام المئات من أهالي الموصل: «أرحب بعودة المسيحيين إلى الموصل، وأن الأخوة الإنسانية أقوى من أي شيء آخر»، متابعا: «لا يجوز أن نقتل إخوتنا باسم الله أو نكرههم، واننا جميعا في عين الله أخوة واخوات»، وأردف: «لنصل معا من أجل السلام والوئام، ونرفع صلاتنا أمام الله ترحّما على ضحايا الإرهاب، وأن السلام أقوى من الحرب والكراهية والعنف، وأن الابتعاد عن القيم الإلهية أدى إلى انتشار الشر».

وأكد البابا «ان الهوية الحقيقية لهذه المدينة هي التعايش والتناغم مع أناس من مختلف الثقافات، وأن الأمل مازال ممكنا في المصالحة والحياة الجديدة»، مشددا على أن «مدينة الموصل فيها رمزان يجعلانا نقترب من الله هما جامع النوري ومنارة الحدباء».

ومسيحيو العراق من أقدم الجماعات المسيحية في العالم، وأرغم أبناؤها، بفعل الحروب والنزاعات وتردي الأوضاع المعيشية، على الهجرة. ولم يبقَ في العراق اليوم سوى 400 ألف مسيحي من سكانه البالغ عددهم 40 مليونا، بعدما كان عددهم 1.5 مليون عام 2003 قبل الغزو الأميركي للعراق.

واستقبل البابا في باحة الكنيسة بالتحيات والتصفيق، بينما جلس المصلون على مقاعد خشبية أمام منصة وضعت ليجلس عليها الحبر الأعظم إلى جانب مسؤولين كنسيين آخرين، بينهم رئيس أساقفة الموصل ميخائيل نجيب موسى.

واكتست هذه المحطة أهمية كبرى، لاسيما أن محافظة نينوى وعاصمتها الموصل التي تعرف بـ«المدينة الجريحة»، تشكل مركز الطائفة المسيحية في العراق، وتعرضت كنائسها وأديرتها التراثية العريقة لدمار كبير على يد التنظيم المتطرف.

ولم تخل زيارة البابا من تحديات أمنية، فقد رافقت مروحيته من أربيل إلى الموصل 5 مروحيات عسكرية عراقية، وبعد نزوله منها توجه إلى الباحة بسيارة مصفحة.

وقال البابا، في كلمته أمس، من الموصل «إنها لقسوة شديدة أن تكون هذه البلاد، مهد الحضارات قد تعرضت لمثل هذه العاصفة اللاإنسانية التي دمرت دور العبادة القديمة»، مضيفاً: «ألوف الألوف من الناس، مسلمين ومسيحيين وأيزيديين وغيرهم هجروا بالقوة أو قتلوا»، وكان البابا سمى الأيزيديين الجمعة بـ«الضحايا الأبرياء للهمجية المتهورة وعديمة الإنسانية».

وتجول البابا فرانسيس بسيارة صغيرة مكشوفة في أجزاء من الموصل، وظهر وهو يمسك بحمامة بيضاء قبل أن يطلقها بعد إلقاء كلمته أمام أتباع مختلف الديانات في «حوش البيعة».

بناء قرقوش

وبدا ذلك واضحا في استقبال سكان قرقوش الذين تهجر معظمهم منذ سنوات قليلة جراء الحرب، للحبر الأعظم، واصطفت الجماهير على جانبي طريق مرور موكب البابا، وهم يحملون أغصان الزيتون وأعلام العراق والفاتيكان.

واستقبل سكان البلدة البابا بسعف النخيل، قبل أن يدخل «كنيسة الطاهرة الكبرى» على وقع الألحان السريانية ويؤدي فيها صلاة، أشار فيها إلى ضرورة إعادة بناء ما دمرته سنوات من «العنف والكراهية».

وقال البابا: «ننظر حولنا ونرى علامات أخرى، آثار القوة المدمرة بسبب العنف والكراهية والحرب. كم من الأشياء أصابها الدمار! وكم من الأشياء يجب إعادة بنائها!».

وأحرق تنظيم داعش هذه الكنيسة، قبل أن يعاد ترميمها، ولحق دمار كبير ببلدة قرقوش على يد التنظيم، ولا يزال الوضع الأمني متوترا مع انتشار مجموعات مسلحة بأعداد كبيرة في السهول المحيطة.

وقال البابا، في كلمته، «قد يكون الطريق إلى الشفاء الكامل ما زال طويلا، لكني أطلب منكم، من فضلكم، ألا تيأسوا».

ولبلدة قرقوش تاريخ سحيق في المسيحية، ويعني اسم قرقوش «الطائر الأسود» والاسم القديم للبلدة كان «باخديدا»، ولا يزال يستخدم حتى اليوم، وهو مأخوذ من الآرامية ويعني بيت الحدأة، وهو طائر يعيش في المنطقة.

ويقول رئيس تحرير موقع «عين الموصل» عمر محمد، وهو مورخ أيضا، إن «المسيحية بدأت في قرقوش قبل أن تنطلق إلى أرجاء العراق»، لافتا إلى أن سكان بلدة قرقوش لا يزالون يتحدثون بلغة المسيح عليه السلام، اللغة الآرامية في تعاملاتهم اليومية.

أربيل ونينوى

ولاحقا، أقام البابا قداسا في الهواء الطلق في أربيل، عاصمة إقليم كردستان، الذي لجأ مئات آلاف المسيحيين والمسلمين والأيزيديين إليه، قبل أن يزور محافظة نينوى في خطوة هي الأولى من نوعها.

وتجمع المئات من العراقيين في ساحة «حوش البيعة» التي تضم كنائس ومنازل مدمرة من قبل تنظيم داعش خلال احتلاله مدينة الموصل في صيف عام 2014، حيث جرى تدشين منصة لإقامة حفل استقبال شعبي شاركت فيه أطياف المجتمع وأداء قداس لضحايا الحرب.

وجرى تزيين مكان الاحتفال بعدد من الجداريات التي تحمل صورا للحبر الأعظم كتب على واحدة منها «أهالي الموصل يرحبون بقداسة البابا فرانسيس».

وبعد لقائه البابا في أربيل، تعهد رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني الالتزام بالحرية الدينية والسلام في الإقليم، وكتب على «تويتر»: «يشرفني أن أستقبل البابا فرانسيس في أربيل، ومع بدء الزيارة الرسولية في كردستان، نكرر التزامنا الدائم بالسلام والحرية الدينية والأخوة، كما نتذكر أبطال البيشمركة وكل من قدم التضحيات المطلقة للدفاع عن السلام والحرية لجميع العراقيين».

مقاتلون يعلقون الصليب وقميص المنتخب لفرانسيس

علق مقاتلون في جهاز مكافحة الإرهاب العراقي خلال حمايتهم لزيارة البابا فرانسيس في مدينة الموصل، الصليب على صدورهم، في مشاهد «نادرة».

من ناحيته، قام وزير الشباب والرياضة العراقي عدنان درجال، بإهداء البابا قميص منتخب العراق بكرة القدم وعليه رقم 2 ويحمل اسم البابا نفسه.

back to top