البابا والسيستاني... لقاء تاريخي يتجاوز «الحساسيات»

«سجال إبراهيمي» يطلق حواراً جديداً حول حروب الشرق الأوسط

نشر في 07-03-2021
آخر تحديث 07-03-2021 | 00:11
السيستاني مستقبلاً البابا بمنزله في النجف أمس (أ ف ب)
السيستاني مستقبلاً البابا بمنزله في النجف أمس (أ ف ب)
كل شيء هدأ في العراق منذ وصول بابا الفاتيكان إليه صباح أمس الأول، باستثناء المنصات الإعلامية المقربة إلى طهران، والتي واصلت طرح الشكوك في القادم وأجندته ما بلغ درجة عرّضت مكانة المرجع الشيعي الأعلى في النجف لانتقادات شعبوية، لكن الرأي العام انشغل عن ذلك بمتابعة الزيارة والبث الحي لها بمحطات التلفزة في معظم أوقات الذروة.

وتحسست الأطراف المنتسبة إلى «محور المقاومة» من التركيز على قدسية بيت إبراهيم في ذي قار، وهو ما جعله البابا عنواناً أساسياً لرحلته أو ما سمّاه الحجَ إليه. وانغمس المعترضون في تأويلات مفرطة حول علاقة ذلك بفكرة التطبيع أو التصالح مع اليهود.

ولعل البابا زاد من مخاوفهم حين ظل يقتبس ويكرر كلاماً حول معنى الأخوة والسلام، قائلاً في مناسبات عدة في محطات الزيارة: «لكي نثبت أن إبراهيم هو أب لنا، علينا نحن- المسيحيين واليهود والمسلمين- أن نصبح إخوة».

اقرأ أيضا

وحظي البابا فرانسيس باستقبال فخم وحاشد في بغداد رغم تواضع واضح في الاستعدادات في بلد لم يعتد منذ عقود أنشطة كهذه، وانتقل ممثل السلطة الروحية لأكثر من مليار مسيحي في العالم، إلى النجف للقاء المرجع السيستاني، حيث اختليا نحو ساعة في اجتماع مغلق.

ولعل هذه الحملات دفعت المرجع السيستاني إلى التركيز على خطاب انتقادي لدور القوى العظمى، والإشارة إلى العقوبات الاقتصادية التي تمارسها، ملمحاً إلى معاناة شعب إيران، ومشيراً صراحةً إلى أزمة الشعب الفلسطيني بشكل خاص.

وحث السيستاني، في بيان مقتضب، عقب لقائه البابا، على الاهتمام بـ «الدور الذي ينبغي أن تقوم به الزعامات الدينية والروحية الكبيرة في الحد من هذه المآسي، وما هو المؤمل منها كحثّ الأطراف المعنيّةـ ولا سيما في القوى العظمى ـ على تغليب جانب العقل والحكمة، ونبذ لغة الحرب»، مشيداً بتقاليد التعايش بين مختلف الأديان والاتجاهات الفكرية، وهو أمر له حساسيته البالغة، وإشاراته ذات الدلالة من جانب المرجع الأعلى ضد أجنحة التشدد، في بلد محتدم الصراعات والاستقطابات كالعراق.

وكانت إشارات البابا هي الأخرى تحاول استيعاب هذه الانقسامات، إذ أدلى بشكر صريح لموقف اتباع الشيعة للمرجع السيستاني في حمايتهم للأقليات المسيحية والإيزيدية، مما اعتُبِر إضفاءً للمزيد من الشرعية على الجناح الشيعي المعتدل مقابل التيار الموالي لحرس الثورة الإيراني والمتورط في صراعات دموية ضد الجماعات الأخرى، سواء في العراق أو سورية أو غيرهما.

وقال البابا إن جهود اتباع السيستاني كانت «دفاعاً عن الأضعف والأكثر اضطهاداً وتأكيداً لقدسية الحياة البشرية».

وأشاد البابا بجهود الشباب المسلمين في الموصل ذات الأغلبية السنية، في تنظيم حملات تطوعية لإعمار الكنائس شمال البلاد، وحرصهم على حماية التنوع الديني والثقافي هناك.

السجال حول زيارة البابا كان عابراً لحدود العراق، لكن التيار المنادي بالتعايش بين المذاهب المتنوعة وجد ضالته في عبارات عديدة ركز عليها البابا فرانسيس الأرجنتيني المعروف بتأييده للحركات الاحتجاجية ومعارضته للعنف، وقد ألهب حماس شباب الاحتجاج في حراك تشرين العراقي، حين تحدث عن محافظة ذي قار الموصوفة بأنها عاصمة تشرين واحتجاجه، قرب المكان الذي تعرض فيه الناشطون لقمع رهيب من الفصائل الموالية لإيران، حين بدأ كلامه قرب بيت إبراهيم، بقوله: «هذا المكان المبارك هو مكان الأصول والينابيع، هنا بدأ عمل الله وولدت دياناتنا. وهنا، حيث عاش أبونا إبراهيم، يبدو كأننا نعود إلى بيتنا. هنا سمع إبراهيم دعوة الله، ومن هنا انطلق في رحلة غيّرت التاريخ. ونحن ثمرة تلك الدعوة وتلك الرحلة».

وطلب البابا المغفرة إزاء الدمار الذي حلّ بالعراق والشرق الأوسط، وقال مخاطباً جميع الأطراف: «فلتصمت كل الأسلحة».

بغداد - محمد البصري

back to top