التواصل الأميركي الباكستاني أفضل حل لتأمين مستقبل باكستان

نشر في 05-03-2021
آخر تحديث 05-03-2021 | 00:00
جو بايدن - عمران خان
جو بايدن - عمران خان
بينما بدأت إدارة بايدن تُصمّم سياستها تجاه جنوب آسيا، يدعو المسؤولون الباكستانيون إلى إقامة علاقة ثنائية واسعة لا تنحصر بملف أفغانستان والمسائل الأمنية، فقد اعتبر مسؤولان مخضرمان في إدارة أوباما حديثاً باكستان جهة بالغة الأهمية لإرساء الاستقرار في جوارها، فدعما توسيع العلاقات الثنائية بدءاً من استئناف «الحوار الاستراتيجي» الذي امتدّ من عام 2010 إلى 2016 بين الولايات المتحدة وباكستان، وحصل ذلك الحوار بقيادة وزير الخارجية الأميركي ومسؤولين بارزين في الحكومة الباكستانية وشمل مجموعة من المسائل مثل الطاقة، والاقتصاد، والأمن، والروابط الدفاعية.

قد يكون التشجيع على حوار شامل بناءً على إطار عمل استراتيجي منطقياً، لكن تكشف التجارب السابقة أن حصر الجهود الدبلوماسية العالية المستوى بباكستان يكبح الإصلاحات الاقتصادية المطلوبة لإنشاء بيئة تسمح بتطوير اقتصاد باكستاني مستدام، وهو عامل أساسي لضمان استقرار باكستان محلياً وإقليمياً. سيبقى الدعم الأميركي لباكستان ضرورياً لحماية البلد والعلاقات الثنائية، لكن يُفترض أن تمرّ هذه الروابط ومواقف الدعم بقنوات مُركّزة لزيادة فرص نجاحها وتولي إسلام أباد دور القيادة لمعالجة التحديات القديمة بدل تأجيل الخطوات الصعبة تزامناً مع التشديد على أهميتها الاستراتيجية، إذ يمكن اعتبار تواصل باكستان مع صندوق النقد الدولي نموذجاً مفيداً في هذا المجال.

تلقّت باكستان 13 قرضاً من صندوق النقد الدولي منذ عام 1988، بما في ذلك قرضان خلال فترة «الحوار الاستراتيجي»، وتثبت حاجة البلد المتكررة إلى تلقي مساعدات عاجلة، رغم الدعم الأميركي المكثف لباكستان في معظم تلك المرحلة، أن هذا الاهتمام كله نجح بكل بساطة في الحفاظ على الوضع الباكستاني الراهن ومكّن إسلام أباد من تأجيل الإصلاحات.

وفق مراجعة قام بها صندوق النقد الدولي في عام 2002 لتقييم تدابير إقراضه السابقة لباكستان، تبيّن أن عدداً كبيراً من أعضاء الفريق يظن أن «الاعتبارات السياسية طغت أحياناً على الأحكام التقنية»، وذكر التقرير أيضاً أن الكثيرين مقتنعون بأن «البرامج المدعومة من صندوق النقد الدولي تتأثر بالعوامل السياسية، وهي تُضعِف على الأرجح فاعلية تلك البرامج». أجرى فريق المراجعة مقابلة مع مسؤول باكستاني بارز، فتكلم هذا الأخير صراحةً عن الموضوع، وقال إن «البرامج المدعومة من صندوق النقد الدولي تخدم الأهداف السياسية في المقام الأول، لذا يُفترض ألا يتفاجأ أحد بعدم تحقيق نتائج اقتصادية بارزة».

وصل عمران خان إلى السلطة بعد تعهده بإحداث تغيير حقيقي، لكنه يحظى بدعم جماعات تعارض الإصلاحات الاقتصادية، بما في ذلك الجيش وعائلات إقطاعية مرموقة، بشكل عام، يضطر كبار المسؤولين الأميركيين في نهاية المطاف لدعم تلك المصالح الراسخة التي تتعارض مع الإصلاحات اللازمة لضمان ازدهار القطاع الخاص وتسريع النمو الاقتصادي، ويظن البعض أن باكستان تستعمل موقعها الاستراتيجي لتحقيق المكاسب من اللاعبين الدوليين، لا سيما الولايات المتحدة. غالباً ما يحصل التواصل الأميركي رفيع المستوى مع السياسيين، والنُخَب الصناعية، والبيروقراطيين، والمسؤولين العسكريين الحاليين والسابقين.

اكتشفت مراجعة صندوق النقد الدولي أن «الفكرة الطاغية في أوساط فريق العمل تعتبر أبرز المساهمين في الصندوق غير مستعدين للمجازفة بحصول اضطرابات كبرى في باكستان بسبب وقف دعم صندوق النقد الدولي»، وبعبارة أخرى، لم يكن الأميركيون وشركاؤهم مستعدين لدفع باكستان إلى اتخاذ قرارات اقتصادية صعبة بل كانوا أكثر حرصاً من حكومات باكستان على تنفيذ الالتزامات الباكستانية تجاه برنامج صندوق النقد الدولي.

تزعم الحكومة الباكستانية أنها تطبّق «معياراً أمنياً اقتصادياً» جديداً لكنها تنفذ سياسات مؤلمة لإرساء الاستقرار، منها رفع معدلات الفائدة، وتخفيض قيمة عملة الروبية الباكستانية، وتقليص العجز المالي، بعد اضطرارها للعودة إلى برنامج صندوق النقد الدولي. ينتقد خان الإصلاحات منذ وقت طويل، بما في ذلك جهود الخصخصة التي يدعمها الصندوق.

تشير مقارنة مفيدة مع بنغلادش إلى احتمال أن تتحقق التنمية الاقتصادية من دون أن تُركز السياسات الأميركية البارزة على هذا الجانب، فحين اكتسبت بنغلادش استقلالها من باكستان في عام 1971، كان البلد أكثر فقراً بكثير، لكنه نجح في تحقيق مكاسب اقتصادية وتنموية هائلة رغم نشوء حكومات لم يكن أداؤها مبهراً، مما أدى إلى توسيع الروابط التجارية مع الولايات المتحدة، وقد حققت بنغلادش هذه الأهداف مع أنها لم تكن تُعتبر شريكة جيوسياسية أساسية للولايات المتحدة.

مقارنةً بالقروض الثلاثة عشر التي أخذتها باكستان من صندوق النقد الدولي، استفادت بنغلادش من خمسة برامج قروض فقط منذ أواخر الثمانينيات، منها قرض جديد يُركّز بشكلٍ أساسي على الجهود الرامية إلى السيطرة على تداعيات فيروس «كوفيد19» بدل التنبه إلى المخاوف الاقتصادية العامة، كذلك، كانت صادرات باكستان في عام 1999 تفوق بنغلادش بنسبة 50%، لكن انقلب الوضع في آخر عشرين سنة فأصبحت صادرات بنغلادش في عام 2019 أعلى من باكستان بأكثر من 50%، وفق بيانات البنك الدولي، وتماشياً مع هذا المسار العام، توسعت العمليات التجارية بين الولايات المتحدة وبنغلادش بوتيرة أسرع من التجارة الأميركية مع باكستان.

على صعيد آخر زادت صادرات بنغلادش، في قطاع الملابس تحديداً، بفضل السياسة الصناعية الحكومية والتدابير التي تسمح بمشاركة النساء في اليد العاملة. يجب أن تُركّز حكومة بنغلادش على تحسين حقوق العاملين في قطاع الأقمشة وتنويع اقتصادها وصادراتها، لكن يثبت تسارع التقدم هناك مقارنةً بباكستان (رغم تلقي هذه الأخيرة مساعدات أميركية إضافية) أن البلد يطبّق مقاربة أكثر استدامة في مجال النمو الاقتصادي.

من المتوقع أيضاً أن تستفيد باكستان من تقليص تبادلاتها مع الولايات المتحدة بدل إقامة حوارات «استراتيجية» واسعة، فربما تؤدي باكستان دوراً مهماً في إرساء الاستقرار في جوارها، لكن يقتصر دورها أحياناً على إفساد الأمور، إذ تقع إيران الخاضعة للعقوبات في غربها، وأفغانستان المضطربة اقتصادياً في شمالها، والهند التي تُعتبر عدوتها اللدودة شرقها، لذا من المستبعد أن يكون الدور الباكستاني محورياً لتسهيل إقامة روابط مفيدة في المنطقة. ورغم المشاريع المكلفة والضخمة التي ترتبط بالممر الاقتصادي بين الصين وباكستان، اقتصرت قيمة التجارة الحدودية البرية بين البلدين على مليار دولار فقط في عام 2019، وهي نسبة صغيرة من التجارة الإجمالية بين الطرفين، حيث تبقى التجارة البرية الثنائية محدودة بسبب ارتفاع المناطق ومخاطر الانهيارات الأرضية.

تواجه باكستان تحديات اقتصادية كبرى وقد تستفيد من المساعدات الدولية، لكن يجب أن تتوقف تلك المساعدات على مدى استعداد الحكومة الباكستانية لتطبيق إصلاحات طويلة الأمد بدل أن تتأثر بالأهمية الجيوسياسية الباكستانية النسبية، ومن خلال السماح للمؤسسات المالية الدولية، مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، حيث يُعتبر الصوت الأميركي بارزاً ومؤثراً، بقيادة هذه النقاشات، سيزيد احتمال تحسين مستقبل باكستان الاقتصادي. قد تعزز النقاشات هامش الشفافية وتُحسّن التحليلات التي تقارن بين التكاليف والمكاسب في مشاريع البنى التحتية الكبرى، بما في ذلك المبادرات التي تدخل في خانة «الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان»، أو تمنح باكستان قاعدة ضريبية أكثر إنصافاً وشمولية، لكن ستزيد فرص نجاح تلك النقاشات في مطلق الأحوال إذا بقيت بمعزل عن تأثير المكانة الجيوسياسية الباكستانية المزعومة. من المتوقع أن يسمح توسيع الحوار بين الولايات المتحدة وباكستان بتقوية مراكز السلطة التي ترغب في الحفاظ على الوضع الراهن في إسلام أباد لإقناع واشنطن مجدداً بأنها «أكبر من أن تفشل».

شيزاد لاخاني - دبلومات

back to top