ميانمار وسريلانكا بنفس المخاض!

نشر في 04-03-2021
آخر تحديث 04-03-2021 | 00:00
 ذي دبلومات بينما كانت المركبات المدرّعة تجول في عاصمة ميانمار في بداية شهر فبراير، أقدم جيش مختلف ومُتّهم بارتكاب إبادة جماعية، على بُعد آلاف الأميال في دولة آسيوية أخرى يقودها قوميون بوذيون متعصبون، على نشر القوات العسكرية في الشوارع أيضاً. أشرف وزير الدفاع السابق ورئيس سريلانكا الحالي، غوتابايا راجاباكسا، على عرض عسكري ضخم في العاصمة بمناسبة الذكرى الثالثة والسبعين لاستقلال البلد، في 4 فبراير، حيث يعكس هذا الاحتفال المبالغ فيه طبيعة الحُكم العسكري الإثني والديني الذي يقوده راجاباكسا.

تؤكد نقاط التشابه بين الأحداث الأخيرة في البلدَين اللذين شهدا انتكاسة ديمقراطية واضحة على هشاشة بعض العمليات الانتقالية ومخاطر دعم الأنظمة التي تدّعي الإصلاح منذ مرحلة مبكرة، ومن دون حصول تحولات مؤسسية كبرى، لا سيما معالجة الشوفينية العرقية وكبح عسكرة الدولة، قد ينهار أي شكل من التقدم المحتمل، وفي عالمٍ يشهد تصاعداً واضحاً في النزعة الاستبدادية، يجب أن يتعلم المجتمع الدولي مجموعة من الدروس الصعبة.

لا تزال الاضطرابات في البلدَين مشحونة، ففي ميانمار، أطلقت القوات المسلحة شكلاً من الإبادة الجماعية ضد مسلمي الروهينغيا في ظل تصاعد الصراعات بين الجيش والحكّام المدنيين، بالإضافة إلى عدد من الجماعات العرقية، وأطلقت زعيمة حزب "الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية"، أونغ سان سو كي، حملة مبنية على القومية البوذية البورمية محلياً، مع أنها أُدينت دولياً بتهمة ارتكاب أعمال وحشية أثناء محاكمة ميانمار أمام محكمة العدل الدولية، وتعرّضت جماعة الروهينغيا للذبح أو الطرد من البلد، لكن تضمن المنافسة العرقية القائمة بين "الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية" والجيش استمرار الصراع على السلطة، كذلك، حاولت سو كي في مناسبات متكررة أن تُضعِف دور المجلس العسكري في الحكومة، لكن تابعت العلاقات تدهورها وقرر الجيش مؤخراً أن يتخلى عن مقاربته المتساهلة ويطلق انقلاباً شاملاً.

في سريلانكا، لم تحصل أي تحولات عميقة ولم تتغير مظاهر التفوق العرقي رغم انطلاق عملية انتقالية مزعومة، وفي ميانمار، تنافست سو كي والجيش على نشر مشاعر معادية لجماعة الروهينغيا، في حين حاول قادة المعارضة والحكومة في سريلانكا إضعاف الجماعات السنهالية البوذية الأخرى، وتعهدوا بالحفاظ على مكانة البوذيين المتقدمة في الجزيرة، ووعدوا بحماية جنود سريلانكا من المحاكمة بتهمة ارتكاب جرائم حرب. كذلك، حاولت الحكومة أن تتستر على الإبادة الجماعية التي ارتكبتها سريلانكا. في غضون ذلك، تابع الواعظون السنهاليون البوذيون المتطرفون نشر خطابات الكراهية، مما أدى إلى تأجيج أعمال الشغب المعادية للمسلمين في عام 2018.

نظراً إلى نقاط التشابه بين البلدين، يُفترض أن تشكّل أحداث ميانمار هذا الشهر جرس إنذار ودعوة إلى اتخاذ خطوات دولية مُنسّقة لبذل جهود إضافية ومنع نشوء نسخة جديدة من العنف العسكري في سريلانكا.

على غرار ميانمار، منح رئيس سريلانكا اليوم دوراً غير مسبوق للقوات العسكرية في الحياة المدنية، فادّعى راجاباكسا خلال ولايته السابقة أنه زاد حجم الجيش بثلاثة أضعاف كي يشمل نحو 300 ألف عنصر، وغداة احتلاله للمنطقة المحسوبة على جماعات التاميل في الشمال الشرقي، أصبحت هذه المساحة من أكثر المناطق التي تشهد انتشاراً عسكرياً في العالم، وسيطرت وزارة الدفاع منذ استلامها السلطة على مؤسسات حكومية متنوعة، بما في ذلك الاتصالات، والإشراف على المنظمات غير الحكومية، والهجرة. في هذا السياق، أعلن راجاباكسا خلال العرض العسكري في 3 فبراير: "أنا زعيم سنهالي بوذي ولن أتردد يوماً في الإعلان عن هويتي هذه".

وقف عن يمينه قائد الجيش السريلانكي، شافيندرا سيلفا، الذي مُنِع راهناً من دخول الولايات المتحدة بسبب تورطه بارتكاب جرائم حرب، لكنه يرأس في الوقت نفسه فريق العمل الخاص بمكافحة فيروس كورونا محلياً، حيث عنونت صحيفة "إيكونوميست" السنة الماضية: "رئيس سريلانكا الجديد يكلّف الجنود بجميع المهام".

تتخبط دول العالم اليوم في مساعيها لتحديد الرد المناسب على انهيار حُكم القانون بالكامل في ميانمار، لكن تثبت جميع المؤشرات أن الوضع نفسه سيتكرر على الأرجح في سريلانكا إذا بقيت هذه التطورات بلا رادع، فقد أصبحت تلك المؤشرات واضحة في الوقت الراهن: تسارع ظاهرة العسكرة العميقة، وتفاقم حُكم الأغلبية، وتآكل نظام الضوابط والتوازنات الديمقراطي. في هذا الإطار، قال منسّق الأمم المتحدة في شؤون حقوق الإنسان في سريلانكا خلال الشهر الماضي محذراً: "ها قد زُرِعت الآن بذور أعمال العنف والصراعات المستقبلية".

ثوسيان نانداكامور - دبلومات

back to top