تقييم العقوبات الأميركية خطوة ضرورية لإعادة ضبط العلاقات مع موسكو!

نشر في 02-03-2021
آخر تحديث 02-03-2021 | 00:00
 روسيا ماترز كان استعمال العقوبات المستهدفة الرد المحوري للسياسة الخارجية الأميركية ضد روسيا منذ ضم شبه جزيرة القرم في عام 2014. اعتبر المسؤولون الحكوميون الأميركيون العقوبات الأداة المناسبة لفرض تكاليف اقتصادية هائلة لكن مستهدفة على الاقتصاد الروسي ولمنع موسكو من اتخاذ خطوات سيئة أخرى، لكن يطرح منتقدو سياسة العقوبات أدلة على فشل هذه المقاربة، ويتّضح ذلك عبر صمود نظام الرئيس فلاديمير بوتين واستمرار السجل الروسي المُخيّب للآمال في مجال السياسة الخارجية، على غرار التدخل في أوكرانيا وسورية، وقمع المعارضين أو اغتيالهم، والتدخل في الانتخابات الأميركية.

يطرح مؤيدو ومنتقدو سياسة العقوبات الأميركية ضد روسيا حججاً صائبة، ولا يمكن حل هذا التناقض الظاهري إلا عبر تعقب تداعيات العقوبات بدقة، ويثبت أي تحليل من هذا النوع أن الكلفة النقدية للعقوبات ضد روسيا فاقت التقديرات السابقة، لكن هذه العقوبات انعكست أيضاً على السياسة الداخلية بطريقة لا تفيد المصالح الأميركية بالضرورة، فحين حاولت الحكومة الروسية حماية القطاعات الاقتصادية التي تعتبرها استراتيجية مثلاً، زاد اتكال النُخَب الروسية القوية على الكرملين في حين تحمّل المواطنون العاديون معظم التكاليف المترتبة على العقوبات.

في دراسة جديدة حول تداعيات العقوبات الأميركية والأوروبية ضد روسيا بناءً على بيانات فردية وأخرى مأخوذة من الشركات، تعاونا مع الدكتور رودني لوديما من جامعة "جورج تاون" لتعقب أكثر من 500 شركة معرّضة للعقوبات بطريقة مباشرة أو غير مباشرة منذ عام 2014، وقارناها بمجموعة مرجعية فيها أكثر من 80 ألف شركة مماثلة لكن غير خاضعة للعقوبات. تبيّن أن الشركات المعرّضة للعقوبات تأثرت بشدة مقارنةً بالمجموعة الأخرى، فقد خسرت ربع إيرادات التشغيل، وبلغت خسارة العائدات نحو 95 مليار دولار، أي ما يساوي 4.2% من الناتج المحلي الإجمالي الروسي في حقبة ما قبل العقوبات، في عام 2013.

في المرحلة المقبلة، يجب أن تعترف إدارة بايدن بهذه الحقائق الصعبة عند تقييم أي سياسات جديدة لفرض العقوبات على روسيا. ربما سببت العقوبات أضراراً اقتصادية كبيرة وواضحة ضد الشخصيات الروسية المستهدفة، لكن يستطيع النظام الاستبدادي أن يعيد توزيع الموارد لأكثر الشخصيات أهمية لإنقاذ الأوليغارشيين وشركاء بوتين وزيادة سيطرته على ركائز الاقتصاد الأساسية، تزامناً مع لوم الغرب على المأساة الاقتصادية التي يعيشها الشعب الروسي.

اليوم، يبدو الاقتصاد الروسي مختلفاً جداً عما كان عليه في عام 2014، حين فُرِضت العقوبات المستهدفة للمرة الأولى: تُعتبر المؤسسات الاقتصادية المحلية جديرة بالثقة، وتتراجع نقاط الضعف في الاقتصاد الكلي، وزادت الموارد المحلية، مثل العملات الأجنية واحتياطيات الذهب، من 300 مليار دولار في عام 2015 إلى 400 مليار في الوقت الراهن. أخيراً، لم يعد الاقتصاد الروسي يتكل بالقدر نفسه على الخدمات المالية في العواصم الغربية.

يُفترض أن تعترف إدارة بايدن بتراجع منافع أي شكل جديد من العقوبات ضد روسيا وتدرك أن العقوبات أثّرت على الاقتصاد السياسي الداخلي الروسي بشكلٍ غير متوقع وبطريقة لا تفيد السياسة الخارجية الأميركية بالضرورة.

بدل زيادة حجم العقوبات بكل بساطة، يجب أن تُركّز إدارة بايدن على تحسين نوعيتها عبر أخذ العواقب المحتملة بالاعتبار، ولن تتضرر الجهات التي تستهدفها العقوبات على الأرجح إلا إذا كانت تتكل على موارد غربية يصعب استبدالها، فعلى إدارة بايدن إذاً أن تجد جهات استراتيجية تتكل على الغرب وتتخذ الخطوات اللازمة للحفاظ على القدرة التنافسية للخدمات الغربية بدل السماح لأطراف أخرى، مثل الصين، بالتفوق عليها.

إذا أنقذ نظام بوتين عدداً من الشخصيات المستهدفة عبر استعمال أموال دافعي الضرائب (وهو أمر حتمي)، يجب ألا يلوم النقاد العقوبات على فشلها، بل من الأفضل أن يبحثوا عن وسائل فاعلة لتسليط الضوء على هذه المقاربة الظالمة بحق الشعب الروسي على مستوى إعادة توزيع الموارد. تكشف الاحتجاجات الأخيرة في روسيا أن الناس مستاؤون من آفاقهم الاقتصادية الباهتة، ويمكن تضخيم هذا الشعور لديهم عبر إثبات نفاق النظام الروسي حين يزعم أن العقوبات الغربية هي السبب في المشاكل الحاصلة.

دانيال آهين - روسيا ماترز

back to top