حكومة الدروازة... وديمقراطية العازة

نشر في 24-02-2021
آخر تحديث 24-02-2021 | 00:17
 محمد المقاطع "الدروازة" كلمة هندية تعني "البوابة الكبيرة" في مدخل المدينة الكبرى، وربما الدولة ذاتها.

ارتبطت الدروازة بتاريخ الكويت السياسي، فقد شعر الكويتيون في مراحل عديدة من تاريخ تطور بلدهم الصغير بضرورة حمايته من الأخطار الخارجية ضد العدوان والغزاة، فبادروا إلى إقامة أسوار حول قلب دولتهم، ثلاث مرات في حقب تاريخية متفاوتة، آخرها بناء السور عام 192٠، وقد اعتبر ذلك أساس الجنسية الكويتية الأصلية، وقد عملت له خمس بوابات كبيرة، للدفاع عن بلدهم من ناحية، وللتحكم في الدخول لمدينتهم الكبرى أو قل بلدهم من ناحية أخرى، وهي تضم مناطق الكويت القديمة بأهلها الأصليين.

وقد كانت الكويت في مرحلة بناء السور وتشييد "الدروازة" مشيخة عشائرية، لكن قائمة على الرضائية والشورى الملزمة للحاكم، فلم يكن يقطع أمراً إلا بمشاورة أهل الكويت، إلا أن الطابع العشائري كان يدفع الحاكم إلى التفرد كلما سنحت له الفرصة بذلك، وهو ما حمل الكويتيين على أن يواجهوا ذلك، بين شد وجذب، ولعل قراءة تطور التاريخ الدستوري والسياسي للكويت تكشف حقائق بارزة على نزعة المشاركة لدى الكويتيين، وحرصهم على عدم تفرد حاكمهم بشؤون دولتهم.

وبعد مئة عام من إقامة مؤسسات نظامية، منذ مجلس الشورى عام 1921، لمشاركة الكويتيين في الحكم وتجارب عديدة، لإسهام الكويتيين في إدارة دولتهم، وانتقالها للعهد الدستوري الحديث والكامل بنظام برلماني مرسوم ومعتنى به منذ عام 1962، أي منذ ما يقارب 6٠ عاماً، هناك من بين شخصيات الأسرة الحاكمة من يحاول أن يُعيد الزمن لأكثر من مئة عام، حنيناً ورغبة في عودة "الإمارة العشائرية"، وأن يقيم "حكومة الدروازة" من جديد ويحوّل نظامنا الدستوري والسياسي لـ"ديمقراطية العازة"، متجاهلاً حقائق التاريخ والسياسة والجغرافيا والتطور المنطقي لنظام الحكم، وتشرُّب أهل الكويت جيلاً بعد جيل حياة المشاركة والحرية وأجواء الديمقراطية وقيمها الإسلامية والعصرية، وصيرورتها جزءاً من تكوينهم ومسلكهم وحركتهم الحياتية، وهو ما أكدته بالعديد من أبحاثي ودراساتي المنشورة، وهو ما يحملني للتأكيد على ضرورة التخلي عن الحنين للإمارة العشائرية، أو قُل "حكومة الدروازة".

فقد انتهى زمن وعهد "حكومة الدروازة"، وولى ذلك الزمن الذي صار جزءاً من الذكريات، التي لا يمكن أن يكون لها وجود اليوم في الكويت، فلا يجوز أن تتوهّم الأسرة أو بعض أبنائها احتمالية ذلك، وإن كانت هناك سلوكيات أو محاولات للتحلل من العهد الدستوري، فيجب أن تتلاشى، وأن يتم النزول عند أحكام الدستور والخضوع له، وما كفله لها من منزلة مرجعية، ومكانة دستورية لإمداد الدولة بمنصبي الأمير وولي العهد، وتمكين الشعب من دوره الدستوري كونه صاحب السيادة، وفقاً للتوازن الذي رسمته المادتان 4 و6 من الدستور، وبقية أحكامه.

أما نهج أو فكر "حكومة الدروازة" ذات السلطة المطلقة والتفرد بالقرار والتصرف "بمشيخة" بدل إدارة "دولة" فهي لا تعدو اليوم أن تكون صفحة تاريخية للاستفادة منها لبناء المستقبل الديمقراطي. كما أنه لابد من هجر سلوك التعامل مع نظامنا البرلماني بمنطق "ديمقراطية العازة"، فتُوقف، أو تُعرقل، أو تُؤجل، أو يُحل المجلس أو يُعطل، بفقدان نصاب أو تأخير تشكيل الحكومة أو غيرها، بحيث تكون الديمقراطية مركونة على الرف، ويتم تطبيقها أو تعليقها بسلطة منفردة، فقد ثبت فشل كل تجارب ومحاولات ذلك، وكان الفساد وتراجع الدولة والأزمات هي إفرازات "ديمقراطية العازة"، ولم يعد هناك مكانٌ لرئيس حكومة أو وزراء غير مؤهلين وليس بمقدورهم تحمّل مسؤولياتهم الدستورية والسياسية، فقد انتهى زمن "حكومة الدروازة".

محمد المقاطع

back to top