تداعيات انقلاب ميانمار على الديناميات المدنية العسكرية

نشر في 16-02-2021
آخر تحديث 16-02-2021 | 00:00
 ذي دبلومات يترافق الانقلاب الذي أطلقه جيش ميانمار في أول فبراير مع عواقب بارزة على الديمقراطية المحلية والمنطقة عموماً والمجتمع الدولي، لكن في ظل استمرار تداعيات هذا الحدث محلياً، تبرز ملاحظات حول الديناميات المدنية والعسكرية في الأنظمة التي تشبه النظام الذي كان قائماً في ميانمار، وهي تستحق الانتباه والتحليل.

يُستعمَل مصطلح "العلاقات المدنية العسكرية" على نطاق واسع، وهو يشير بكل بساطة إلى توازن القوى بين المؤسسات المدنية والسياسية والجيش، لكن يصعب تقييم خصائصه الدقيقة أو تصنيفها، قد تميل عناوين الأخبار إلى التركيز على المظاهر المتطرفة، مثل الديمقراطيات الناضجة حيث ينتشر مفهوم "السيطرة المدنية الموضوعية" بالمعنى الذي عبّر عنه العالِم السياسي الراحل صامويل هانتنغتون، أو الأنظمة الدكتاتورية التي يديرها الجيش بالكامل. لكن يمكن تصنيف العلاقات بطريقة مختلفة وبما يتماشى مع مجالات عدة مثل القيادة وصناعة السياسة والمهام المنتقاة، ففي جنوب شرق آسيا، يمكن اعتبار الديناميات المدنية العسكرية المتنازع عليها أمورا أساسية لفهم التطورات السياسية والأمنية بصورة عامة داخل أنظمة يسيطر عليها الجيش مثل تايلند، أو حتى في سياقات ديمقراطية كما في إندونيسيا.

تُعتبر ميانمار خير مثال على ذلك، فرغم انتهاء عقود من الحُكم العسكري المباشر غداة وصول "حزب الاتحاد للتضامن والتنمية" إلى السلطة في 2011 ثم انتصار "الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية" بقيادة أونغ سان سو كي في انتخابات 2015، استمرت الهيمنة العسكرية على القيادة المدنية، علماً أن هذه الظاهرة بدأت منذ استقلال البلد في 1948. تاريخياً، وجد جيش ميانمار المعروف باسم "تاتماداو" صعوبة في التنازل عن السلطة أو تقاسمها مع الآخرين، وقد اتّضح ذلك سابقاً حين حاول إضعاف نتائج الانتخابات وقمع الاحتجاجات عن طريق العنف، ثم عاد وأعاق جهود الحكومة المدنية في مجالات مثل عملية السلام وطريقة التعامل مع جماعة الروهينغا، ومنع محاولات إضعاف نفوذه لإعادة التوازن إلى العلاقات المدنية العسكرية عبر تعديل حصته من المقاعد في البرلمان وتقليص سيطرته على وزارات أساسية.

من هذا المنطلق، يُفترض أن يُعتبر الانقلاب في ميانمار النقطة المفصلية التي كشفت مدى هشاشة هذه الديناميات المدنية العسكرية المتنازع عليها وأنهت مساراً قائماً منذ عشر سنوات حاول خلالها الجيش تقاسم السلطة مع قيادة مدنية وسمح بتطبيق بعض الإصلاحات السياسية. من الواضح أن بعض العناصر داخل الجيش شعر بأن استياءه من الحكومة المدنية بلغ أقصى درجاته، ورغم ظهور مجموعة من الانتقادات الواضحة من "الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية" تجاه الجيش خلال السنوات القليلة الماضية، مع أن أونغ سان سو كي تنكر هذه المزاعم علناً (منها جهود فاشلة لتقليص نفوذ الجيش وتغيير بعض جوانب الدستور)، تبرز أسباب أكثر تأثيراً لتفسير ما حصل في هذا التوقيت، لا سيما الفوز الساحق الذي حققته "الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية" في انتخابات نوفمبر 2020 (شكّك الجيش بهذه النتيجة علناً)، بالإضافة إلى الطموحات السياسية التي يحملها قائد الجيش مين أونغ هلاينغ مع اقتراب موعد تقاعده من منصبه الراهن في يوليو المقبل.

في مطلق الأحوال، يجب ألا يصبّ التركيز على الديناميات المدنية العسكرية المتنازع عليها مقابل الإغفال عن تأثير عوامل أخرى على الانقلاب الأخير، سواء كانت تتعلق بطموحات مين أونغ هلاينغ الشخصية أو فشل مختلف تدابير تقاسم السلطة سابقاً. كذلك، يجب ألا ينكر أحد ضرورة مراقبة تطور هذه الديناميات خلال الأشهر المتبقية من عام 2021 وما بعد هذه المرحلة لأنها ترتبط بمسائل عامة مثل مستقبل البلد السياسي والاقتصادي. يُفترض أن يؤكد هذا الوضع ضرورة تجاوز أسباب تغيير السلطة المباشرة لتقييم العوامل البنيوية التي تعطي آثاراً طويلة الأمد.

براشانث باراميسواران - دبلومات

back to top