البيئة بعيون العاشقين

نشر في 16-02-2021
آخر تحديث 16-02-2021 | 00:09
 أ. د. فيصل الشريفي في هذا المقال اخترت قصة ما زلت أذكر تفاصيلها حتى هذه اللحظة في لقاء جمعني مع والدة أحد الزملاء في مدينة دندي الاسكتلندية عام 1989 أثناء دراستي للماجستير، فهذه السيدة لم تكن امرأة عادية، فهي على مستوى عال من الثقافة والأدب، كيف لا وهي من أوائل خريجات كلية المعلمين في بغداد، ولديها قدرة فائقة على انتقاء كلماتها وتطويعها للمعنى الذي تريد.

عند عودتي من الجامعة وفي طريقي إلى المنزل قررت أن أزور صديقي "بوعمر" للسلام عليه وعلى أسرته الكريمة، حيث رحب بي كعادته، وقبل أن أمضي لحال سبيلي طلبت منه أن أسلم على والدته التي كانت تجلس في غرفتها بالطابق الثاني، وذلك لعدم تمكنها من نزول الدرج وصعوده.

عند دخولنا وبعد السلام والاطمئنان على صحتها، ولرفع روحها المعنوية ومن باب الدعابة، قال لها ولدها: انظري كيف أحبك؟ وكيف آثرت لك هذه الغرفة المطلة على هذه الأشجار الخضراء التي يلفها نهر التاي عوضاً عن تلك النخلة اليتيمة التي كنتِ تشاهدينها في حديقة منزلنا؟ هنا وبسرعة عجيبة استوقفته لتقول له ولي: اصمتا حتى تسمعا ردي.

لم تكن إلا لحظات وإذا بها تنتصر وتكيل المديح لبيئتها الصحراوية، وتذكرنا بشموخ وعطاء النخلة والسدرة، وإلى وردة النويرة التي تتشبث بالحياة عندما تزهو بها الأرض مع إطلالة كل ربيع رغم ندرة الأمطار، وإلى حبات الرمل التي تتشكل على هيئة عقد لولو يزين جيد الفتاة عند اكتمال البدر، وإلى الكثبان كيف تصبح كأسوار الذهب عندما تشرق عليها شمس الصباح.

بالرغم من أن تخصصي في مجال البيئة فإنني لم أجد ردًا أبلغ من روعة كلماتها سوى الصمت، فقد كانت كالوصي والمرشد والمعلم البيئي إذا ما نظرنا إلى الطبيعة بقلب المحب.

العبرة من هذه القصة ليست بالقانون البيئي وعقوباته الصارمة، لكنها لكل إنسان مقيم على هذه الأرض بأن يعمل على حماية البيئة والمحافظة على ديمومتها حتى يرث الله الأرض ومن عليها.

في الختام، تحية وتقدير لكل ناشط ومتطوع بيئي يرصد ويتابع التعديات على البيئة، ويعمل على نشر الثقافة والوعي البيئي والمحافظة على البيئة، ولكل مسؤول وموظف يطبق القانون على كل مخالف ومتجاوز.

ملحوظة:

يعود تاريخ مدينة دندي الاسكتلندية إلى القرن الثالث عشر، وهي من أجمل المدن في بريطانيا، وتقع في القسم الشمالي الشرقي من المملكة المتحدة على الساحل الشرقي بالقرب من بحر الشمال، وتطل على الضفة الشمالية من نهر تاي.

ودمتم سالمين.

أ. د. فيصل الشريفي

back to top