بايدن يحتاج إلى هدف جديد في كوريا الشمالية

نشر في 14-02-2021
آخر تحديث 14-02-2021 | 00:00
 ذي دبلومات أجرى الدبلوماسي الكوري الشمالي السابق، ريو هيون وو، أول مقابلة له في 31 يناير منذ لجوئه إلى كوريا الجنوبية قبل أكثر من سنة، فتكلم عن مسائل أصبحت واضحة: لن تتخلى كوريا الشمالية عن أسلحتها النووية، أو لن يحصل ذلك في أي وقت قريب على الأقل. صرّح ريو لقناة «سي إن إن»: «ترتبط القوة النووية في كوريا الشمالية باستقرار النظام مباشرةً، لذا لا أتصوّر أنهم سيتخلون عنها».

يجب أن يسمع الرئيس الأميركي جو بايدن هذه الرسالة، فبعد انطلاقة واعدة في المجال الدبلوماسي، أهدرت إدارة ترامب فرصتها مع كوريا الشمالية حين طالبت بيونغ يانغ بالالتزام بنزع أسلحتها النووية بالكامل قبل البدء بأي محادثات جدّية، ولا يستطيع بايدن أن يُحسّن ذلك السجل القاتم إذا بدأ عهده بارتكاب الخطأ نفسه، بل يجب أن يدرك أن نزع الأسلحة النووية لن يكون هدفاً عملياً في العلاقات القائمة بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية في المستقبل المنظور ويلجأ إلى التفاوض لتحقيق أهداف أقرب إلى الواقع.

لا تعكس تعليقات ريو أي أفكار جديدة، بل إن نظام كيم لطالما كان صادقاً بشأن تمسّكه بترسانته النووية والمنطق الكامن وراء هذا الموقف. يظن كيم جونغ أون أنه سيواجه احتمال تغيير النظام بقرار قسري من واشنطن أو ربما يموت شخصياً في نهاية المطاف، وهو تفكير منطقي، وهو مقتنع بهذا الرأي لأنه شاهد حصول الأمر نفسه في أماكن أخرى ولن يغيّر رأيه إلى أن يتلاشى هذا الخطر من وجهة نظره.

ذكرت وسائل الإعلام الحكومية في كوريا الشمالية صراحةً صدام حسين في العراق ومعمر القذافي في ليبيا كمثالَين على المصير الذي يريد كيم تجنّبه، فقد كان هذان الزعيمان الدكتاتوريان على لائحة الأسماء المستهدفة من الولايات المتحدة، وقد خُلِع كلاهما وقُتِلا رغم عدم امتلاكهما أي أسلحة نووية. لكن من دون الترسانة النووية سيصبح كيم، رغم مواقفه الصاخبة، مجرّد دكتاتور وحشي في بلدٍ فقير حيث تبدو القوات العسكرية التقليدية ضعيفة وبالية ويرزح الجنود تحت وطأة الظلم حرفياً. لذا تُعتبر أسلحته النووية العامل الوحيد الذي يتكل عليه لضمان استمرار نظامه وصموده هو شخصياً، فلا داعي للاطلاع على التطورات الداخلية في بيونغ يانغ للتأكد من كلام ريو.

لن يحقق بايدن أي نتيجة إيجابية إذا تمسك بسياسة واشنطن القديمة وبالخطة التي طرحها خلال حملته الانتخابية وتقضي بالمطالبة بنزع الأسلحة النووية كشرط أساسي لإحراز أي تقدّم في هذا الملف، وفي السياق نفسه، طرح ريو توقعاً تشاؤمياً فقال: «لا تستطيع الولايات المتحدة أن تتخلى عن مطالبتها بنزع الأسلحة النووية، ولا يستطيع كيم جونغ أون أن يتخلى عن ترسانته النووية». وفق هذا السيناريو، لن يُعالَج المأزق القائم وستبقى العلاقات بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية جامدة في نهاية عهد بايدن كما في بدايته.

لن تكون هذه النتيجة الأسوأ بالنسبة إلى الأمن الأميركي، إذ تستطيع واشنطن أن تتحمّل هذا الوضع إذا اضطرت لذلك، وقد بدأ ذلك الجمود أصلاً منذ عقود، وسيستمر الردع الأميركي أيضاً لأن كيم يدرك جيداً أن أي اعتداء غير مبرر من جانبه سيؤدي إلى التطورات التي يريد تجنبها، أي غزو البلد والإطاحة به.

لكن يمكن تحقيق نتيجة أفضل من الجمود طبعاً، فعلى فريق بايدن أن يتجاوز مسألة نزع الأسلحة النووية ويُركّز على تحقيق نتائج دبلوماسية قابلة للتنفيذ على المدى القصير. يُعتبر التجميد النووي خياراً بارزاً على مستوى الأمن القومي، وتصبّ أي معاهدة سلام رسمية في ملف الحرب الكورية في الخانة نفسها.

على صعيد آخر، يجب أن ترفع واشنطن العقوبات الأميركية التي تُصعّب حياة المواطنين العاديين في كوريا الشمالية، وتزيد انفتاح بيونغ يانغ على الثقافة والتجارة الدولية، وتُحوّل القيادة الدبلوماسية إلى كوريا الجنوبية، وتُرسّخ علاقات إيجابية بين الكوريتَين لتقليص مخاطر الصراع والسماح للعائلات المنفصلة منذ عقود بالاجتماع مجدداً. كخطوة إيجابية أولى، يمكن البدء بتنفيذ ما أوصت به كوريا الجنوبية قبل أيام حين دعت إلى تقليص نطاق العقوبات. قد لا تُحقق هذه الخطوة أي تقدّم في مجال نزع الأسلحة النووية، لكنها مبادرة حُسن نية لتشجيع بيونغ يانغ على العودة إلى المفاوضات.

لم يتضح بعد مدى استعداد بايدن لرفض المراوحة التي سببتها المطالبة الدائمة بنزع الأسلحة النووية وأثبتت فشلها مراراً. تمسّك بايدن على مر حملته الانتخابية بمقاربة الإدارات الأميركية السابقة التي خسرت مصداقيتها، وذكر وزير الخارجية الجديد، أنتوني بلينكن، في مقابلة مع قناة MSNBC في الأسبوع الماضي، أن هدف بايدن يقضي حتى الآن بـ«نزع الأسلحة النووية في شبه الجزيرة الكورية».

لكن اعترف بلينكن في الوقت نفسه بتدهور العلاقات بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية على مر العهود الرئاسية الأميركية، وذكر أن بايدن طالب بمراجعة هذا الملف حرصاً على استعمال أفضل الأدوات الممكنة في هذه الجهود الدبلوماسية، لكن قد تكشف تلك المراجعة حقيقة بدهية: حتى أفضل الأدوات لا تستطيع تحقيق الأهداف المستحيلة!

بوني كريستيان- دبلومات

back to top