محاولة انتحار!

نشر في 07-02-2021
آخر تحديث 07-02-2021 | 00:01
 د. عادل محمد العبدالمغني كان البرد يعكس إحساسه الأزرق الشاحب على نافذة الشقة، التي أسكنُها أيام الدراسة في الإسكندرية أنا وصديقي د. داود الخليفة.

أجواء هذه المدينة تبدو عصبية في الشتاء، وأخذت الرياح تعلن غضبها في الخارج باعثةً الرهبة في كل مكان، فكان البحر الذي نراه من نافذة الشقة يشهق بعمق، ثم يلفظ موجة تلو الأخرى!

تمكنت خلال العاصفة من رؤية المشهد، الذي ظهر أمامي فجأة في خضم هذا الجو العاصف.

هل ما أشاهده متوجهاً نحو البحر جسد آدمي، أم وحي من الخيال؟!

كانت المرأة تمشي بخطوات ثابتة، مرتدية لباس البحر فقط، ثم فتحت ذراعيها وهي تعانق رذاذ أول موجة صادفتها!

الاحتمال الوحيد الذي راودني هو أن هذه المرأة تنوي الانتحار، فاعتراني قلق كبير، وأخذت تساورني هواجس مقلقة... ماذا لو أقدمت هذه السيدة على الانتحار فعلاً؟ سيبتلعها الموج الهائج، ثم ستمتلئ رئتاها بالماء المالح، ويعثرون عليها جثة عائمة وقد نهشت الأسماك أجزاء منها؟ ثم ماذا بعد؟! سوف يبدأون التحقيقات عن أسباب غرقها، وسوف أكون أنا وزميلي أول من يُحقق معهم لأننا الشخصان الوحيدان في هذه الشقة التي تقع أمام البحر مباشرة!

كانت نبضات قلبي تزداد تسارعاً كلما دنا جسد المرأة من البحر، فصرختُ كمن يريد أن يمد يده عبر الزجاج ليمنعها من الانتحار، رغم بُعد المسافة... وانعقد لساني إلا من كلمة واحدة أطلقتُها بصوت مرتفع: داود، تعال بسرعة أكو وحده تبي تنتحر!

ألقى صديقي نظرة كاد يسقط أرضاً على أثرها!

قلت: وهل نقف مكتوفي الأيدي؟ أين الفزعة والنخوة والشهامة!

نزلنا مذعورين، وخلال لحظات وصلنا أسفل العمارة، ونحن نسمع البرق والرعد والمطر يعصف بالمكان... وكان الصديق داود أحرص مني، حين أصر أن نأخذ حارس العمارة معنا لإنقاذ هذه السيدة! كان من عادة الحارس محمدين أن يستيقظ عند صلاة الفجر، ثم يعود إلى النوم بعد أن ينهي أعماله الصباحية، فخرج إلينا مرعوباً هو الآخر!

- إيه... في إيه؟!

= الحقنا يا عم محمدين... السيدة سوف تنتحر!!

- سيدة تنتحر... مين؟

خرج إلى باب العمارة، ثم نظر إلى سطحها، ظناً منه أن السيدة ستلقي بنفسها من أعلى.

- لا يا عم محمدين... هناك، انظر هناك إلى البحر.

التفت الحارس بحركة دائرية كاملة، سقطت على أثرها عمامته التي كان أصلاً قد ارتداها على عجالة، حين خرج على صراخنا!

واندفعنا نحن الثلاثة ناحية البحر، والمرأة تختفي ويظهر منتصفها الأعلى من أثر ارتفاع الموج العالي!

وقبل الوصول إلى شاطئ البحر، توقف الحارس محمدين فجأة، وقال: دي الست الخواجاية كاميليا، ومتعودة تعوم بالشتا والبرد في البحر!

قلت: اشدراني؟ علبالي تبي تنتحر!

رمقني محمدين بنظرة استهزاء، وقال: في حد ينتحر وهو لابس المايوه يا بيه؟!

د. عادل محمد العبدالمغني

back to top