التعليم عن بعد في دولة الكويت

نشر في 05-02-2021
آخر تحديث 05-02-2021 | 00:06
 د. فيصل ملفي المطيري سألتني فجأة بنبرة طارئة ورتم سريع، هل البلاء أمر مادي أم معنوي أم كلاهما معاً؟ سألتني ثم سمحت لكل ملامحها المرتبكة بالاختباء خلف عينيها المترقبتين، رحمت رمقها فأجبتها سريعاً بكليهما، وكلاهما الابنة الصغيرة والسؤال الكبير أشعلا داخلي وقود الدهشة، أرسلت التلميذة إجابتها افتراضياً منتشيةً، وتركتني وحيداً أتلمس واقعي متفحصاً، كانت على ما يبدو تُمتحن بالدراسات الإسلامية!

عادة ما تقود الدهشة إلى تساؤلات فلسفية ليست لها إجابات صحيحة محددة، تساؤلات تبدو لك للوهلة الأولى سطحية لكنها عميقة جداً، تستفز الفضول الفطري الذي تدفعه حاجتنا الماسة لفهم الظواهر الإنسانية التي نعيشها في بيئتنا، مقالي اليوم هو نداء للواجب، هو تلبية لدعوة وُجهت لي بصفتي الرسمية كباحث في تكنولوجيا التعليم لمشاركة مجتمعي وجهة نظري حول اللجوء الطارئ للتعليم عن بعد والتحول السريع الى التعليم الإلكتروني في الكويت.

حين تستمع لحديث الناس كباحث، وتلاحظ سلوك صنّاع القرار: المعلمين، الطلاب، وأولياء الأمور بحثاً عن الحقيقة فإنك مضطر لحصر الأفكار الرئيسة الأكثر تداولاً، ليتسنى لك بعد ذلك مناقشة أهم مواضيعها الواردة (الثيمات) لفهم محددات وظروف الظاهرة والعلاقات التي تجمع بين مكوناتها، وفيما يلي أشارككم أهمها:

الموضوع الأول: تفادي انهيار المنظومة الصحية لا يعني تدمير المنظومة التعليمية. ركّزت استراتيجية الدولة ومؤسساتها التعليمية على مفهوم التعليم عن بعد بدلالاته واستخداماته القديمة التي تحل مشكلة التباعد الجغرافي فقط، والتي لا تهتم إلا بمهارات التفكير الدنيا لدى المتعلم كالحفظ والتذكر، وهذا عين البلاء. كان يجدر بها التركيز على مفهوم التعليم الإلكتروني وممارساته الصحيحة التي تشتق قواعدها الأساسية من النظريات الحديثة، والتي تدور أفكارها حول بناء المعرفة لا نقلها، وحول تفاعل الطالب الاجتماعي لا المعلم، وحول مهارات التفكير العليا لديه وفي قمتها الابتكار.

الموضوع الثاني: احتفاظ المعلمين بالممارسات التقليدية. البيئة الدراسية أحد المتغيرات الأصيلة في العملية التعليمية، فأي تغير في خصائصها يستدعي تغيراً في السلوك البشري نحو التكيف معها، فالبلاء الثاني هنا هو احتفاظ المعلمين بطرق التدريس والتقييم التي اعتادوا على ممارستها بين جدران الفصول الدراسية بالرغم من تعدد الأدوات والإمكانات ووفرة الأساليب التعليمية المبتكرة التي توفرها البيئة الإلكترونية، والتي في الوقت نفسه تعجز عن تقديمها بيئات الفصول الدراسية أو المدرسة بشكل عام.

الموضوع الثالث: خصائص المتعلمين. هذا الموضوع متعلق بالدرجة الأولى بثقافة الطلاب أنفسهم وطرق استخدامهم للمستحدثات التكنولوجية، ورغبتهم في استغلال إمكاناتها لتحسين عملية تعلمهم، بدلاً من تسخير كل إمكاناتهم لاستغلال قصورها ونقاط ضعفها لتدمير مبادئ التربية والتعليم الأخلاقية، وهذا هو البلاء الثالث.

البلاء الرابع: دور أولياء الأمور السلبي في عملية التحول الرقمي. أينما وجدت الرحمة وجدت الإنسانية، ولكن لا مقام لها في هذه المسألة، رحمتنا لهم الآن هي دعوة مبطنة لقسوة الزمان عليهم في المقبل من الأيام، لذلك يجب أن يعي الوالدان أن التعلم الحقيقي لا يحدث إلا حينما يواجه الطالب قدراً من الصعوبة والتحدي، واجتياز الطالب المسؤول لمثل هذه المهام سيشعره بالقدرة والثقة، ونشوة النجاح، وقيمة الإنجاز، ويجعله يتباهى باحترام نفسه وتقدير الذات.

وفي النهاية أشكر صاحب الدعوة أستاذ المناهج وطرق التدريس في كلية التربية الأساسية د. إبراهيم العنزي على ثقته بي، يبدو أنه فهم ثيمات هذه الظاهرة والعلاقات التي تربط بين مكوناتها جيداً، وفهم أن الحلول الفكرية والمنهجية لا مكان لها في ثقافتنا الآن، وفهم أنه لا يمكن للعطار أن يصلح ما أفسده الدهر، وأن النجار مازال عاجزاً عن إصلاح باب الطوارئ، واستنتج أبو قتيبة مبكراً ألا حلول لهذا البلاء سوى اللقاح والعودة إلى الأصل لنغرس عميقاً ثقافة (كيف نتعلم) في نفوس أبنائنا.

د. فيصل ملفي المطيري

back to top