دعوة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى الوحدة ترزح تحت ضغوط المُهَل النهائية

نشر في 05-02-2021
آخر تحديث 05-02-2021 | 00:00
الرئيس الأميركي جو بايدن
الرئيس الأميركي جو بايدن
بعد محاولات الديمقراطيين العقيمة لحصد دعم الجمهوريين لقانون الرعاية الميسّرة طوال أشهر منذ 12 سنة وتأخير تمرير القانون بسبب المماطلة، يُحضّر المسؤولون الديمقراطيون في المجلسَين قرارات مرتبطة بالميزانية قد تصدر في أواخر الأسبوع المقبل وتُحدّد المسار البديل لتمويل اقتراح بايدن للتعامل مع أزمة كورونا.
طغت مسألة واحدة على أول أسبوع من عهد الرئيس الأميركي جو بايدن: هل سيفي بوعده المرتبط بتوحيد البلد ويتابع استمالة الجمهوريين المترددين لحثّهم على تقديم التنازلات اللازمة لإقرار حزمة الإغاثة التي ترتبط بأزمة كورونا وتصل قيمتها إلى 1.9 تريليون دولار، أم أن حزبه سيُقِرّ هذه الحزمة بشكلٍ أحادي الجانب؟

وفق الأفكار التقليدية الشائعة، يبدو بايدن المسؤول الوحيد القادر على التوصل إلى إجماع بين الحزبَين الديمقراطي والجمهوري في هذا الزمن العصيب، فهو عضو مخضرم في مجلس الشيوخ منذ أربعة عقود وقد قاد مفاوضات الكونغرس طوال ثماني سنوات بصفته نائب الرئيس، فقد انشغل بايدن وكبار المسؤولين في فريقه بإجراء المكالمات الهاتفية وتنظيم الاجتماعات عبر تطبيقَي «غوغل ميت» و»زوم» في محاولة منهم لعقد اتفاق مناسب، كذلك يتحاور كبير موظفي البيت الأبيض، رون كلاين، والمستشارة المرموقة أنيتا دون مع المشرّعين مباشرةً بحسب معلومات السكرتيرة الصحافية للبيت الأبيض جين بساكي، وتبذل مديرة الشؤون التشريعية في فريق بايدن، لويزا تيريل، ومستشار بايدن المقرّب، ستيف ريتشيتي، الجهود نفسها.

تتطلب هذه المفاوضات وقتاً طويلاً، لكن بدأ الوقت ينفد، حيث أصدرت وزارة التجارة الأميركية تقريراً يوم الخميس قبل الماضي مفاده أن الناتج المحلي الإجمالي تراجع بنسبة 3.5% في عام 2020، وهو أكبر انخفاض منذ الحرب العالمية الثانية، وتوشك إجراءات عزل الرئيس السابق دونالد ترامب على استنزاف ميزانية مجلس الشيوخ، ما لم تُتّخَذ الخطوات اللازمة، سيخسر أكثر من 5 ملايين شخص مخصصات البطالة التي تصل قيمتها إلى 300 دولار أسبوعياً بحلول 14 مارس، وفي 31 مارس، لن تعود الشركات الصغيرة قادرة على تقديم الطلبات في «برنامج حماية الرواتب» الذي يعرض قروضاً ميسّرة لمتابعة تعويمها، وفي ذلك اليوم نفسه، سيجد عشرات آلاف العاملين في شركات الطيران أنفسهم في إجازة قسرية حين تنتهي صلاحية التمويل الفدرالي الذي تصل قيمته إلى 15 مليار دولار ويسمح بمتابعة دفع رواتبهم.

يقول الخبراء إن هذه الأرقام تستلزم تمرير قانون في منتصف فبراير كي لا تتأثر المنافع التي يكسبها المتلقّون، كما حصل في السنة الماضية عندما انتظر الكونغرس بضعة أشهر قبل تجديد البرامج، وفي هذا السياق تقول ميشيل إيفرمور، خبيرة السياسة المرموقة في «مشروع قانون العمل الوطني»: «أظن أننا نملك أسبوعَين لتمرير حزمة الحوافز وتوقيعها كي تحصل الولايات على المنافع الجديدة وتدفع مستحقاتها بسلاسة. يجب أن يدرك المشرّعون أنهم لا يستطيعون انتظار اقتراب تاريخ 14 مارس للتحرك وأظن أنهم يعرفون ذلك، لكني عملتُ سابقاً في مجلس الشيوخ وأفهم مدى صعوبة تمرير هذه الحُزَم وحصد الإجماع حولها».

يزداد الوضع تعقيداً بسبب تراكم الأولويات المتضاربة في مجلس الشيوخ، فلم تتم المصادقة إلا على ثلاثة مرشحين لحكومة بايدن حتى الآن، ويسابق المجلس الوقت لتعيينهم رسمياً، وبدءاً من 9 فبراير سيتسلم أعضاء مجلس الشيوخ دور هيئة المحلفين خلال إجراءات عزل ترامب للمرة الثانية، وسبق أن أثبتت التجربة السابقة مدى تعقيد هذه المهمة. يقول ريت باتل، مستشار في حملة بايدن وداعم للشركات الصغيرة: «لم يتوقع أحد حصول حركة التمرد ضد مبنى الكابيتول (عند تحضير اقتراح بايدن خلال العملية الانتقالية) وقد ترافق ذلك الحدث مع عواقب واضحة عادت وخلطت جميع الأوراق».

إنه جزء من الأسباب التي تجعل الديمقراطيين في الكونغرس يسيرون في اتجاهَين، فبعد محاولاتهم العقيمة لحصد دعم الجمهوريين لقانون الرعاية الميسّرة طوال أشهر منذ 12 سنة وتأخير تمرير القانون بسبب المماطلة، يُحضّر المسؤولون الديمقراطيون في المجلسَين قرارات مرتبطة بالميزانية قد تصدر في أواخر الأسبوع المقبل وتُحدّد المسار البديل لتمويل اقتراح بايدن للتعامل مع أزمة كورونا. بعد تمرير ذلك القرار، سيصبح المجال مفتوحاً أمام «المصالحة»، أي العملية التي سمحت للجمهوريين بتمرير التخفيضات الضريبية التي طرحها ترامب وللديمقراطيين بتمرير قانون الرعاية الميسّرة، فإذا لم يثبت الجمهوريون استعدادهم للتفاوض جدّياً حول شروط حزمة الإغاثة التي يقترحها بايدن بحلول نهاية الأسبوع المقبل، يستطيع الديمقراطيون أن يسيروا في هذا الاتجاه من تلقاء أنفسهم.

المصالحة ليست الخيار المفضّل لدى الإدارة الأميركية الجديدة، لكن يدرك بايدن ومساعدوه أن المُهَل النهائية باتت وشيكة، إذ إن براين ديز، رئيس المجلس الاقتصادي الوطني، يُبلِغ أعضاء مجلس الشيوخ والمشرّعين من الحزبَين، بآخر المستجدات على مر الأسبوع، ويجري بايدن شخصياً مكالمات هاتفية مباشرة مع أعضاء مجلس الشيوخ أيضاً. لقد امتنع الآن عن خوض مفاوضات أوسع ولم يجمع أي فريق في البيت الأبيض. تعتبر بساكي هذه الخطوة إيجابية ظاهرياً لكنها قد لا تحقق أي نتائج ملموسة.

حتى الآن، لم تُحقق هذه الجهود شيئاً وبدأ أسلوب التروي في التعامل مع الجمهوريين يتلاشى وفق مصدر مطّلع على اتصالات البيت الأبيض مع المشرّعين، فلم يعلن أيٌّ من أعضاء مجلس الشيوخ العشرة الذين يحتاج إليهم البيت الأبيض لتمرير القرار عن موافقته بعد، ويتابع مستشارو بايدن التعبير علناً عن رضاهم على مسار الوضع، فقد أعلنت بساكي في تصريحها اليومي في 25 يناير: «يشعر الرئيس بأن الوضع يسير في الاتجاه الصحيح، فهو اقترح حزمته وبدأ يتلقى ردود الأفعال عليها، ونحن نقيم النقاشات ولا نتوقع أن يبقى القانون النهائي بالشكل الذي اقترحه الرئيس في البداية».

لكنهم يعرفون أيضاً أنهم لا يستطيعون الانتظار إلى الأبد، لا سيما مع اقتراب المُهَل النهائية، ففي ذلك اليوم نفسه، توقّع بايدن في تصريح علني أن تنتهي عملية التفاوض على الأرجح «خلال أسبوعين تقريباً»، وذكر أن «الوقت عامل جوهري». سيجتمع بايدن مع وزيرة الخزانة الجديدة جانيت يالين لمناقشة أثر تلك المساعدات المتأخرة على الشركات والعمال والعائلات. لا يظن عدد كبير من حلفاء بايدن أن الرئيس سينتظر لمدة تفوق ما توقّعه، ويقول مو فيلا، مستشار بايدن حين كان نائب الرئيس: «لن يتخلى الرئيس عن فرصة مساعدة الشعب الأميركي لمجرّد أن يُحقق إجماعاً بين الحزبَين الجمهوري والديمقراطي، وإذا فعل ذلك، أظن أن الكثيرين بيننا سيشعرون بخيبة أمل مريعة».

على صعيد آخر، يحاول حلفاء الرئيس التصدي للحملة الهجومية التي سيطلقها الجمهوريون حتماً، فيزعمون أن بايدن ليس جدياً في مساعيه للتعاون مع الطرف الآخر في حال مرّر الديمقراطيون حزمة الإغاثة بشكلٍ أحادي الجانب، وتعليقاً على هذه النقطة يقول جون أنزالون، منظّم الاستطلاعات في حملة بايدن: «لا يمكن إطلاق الأحكام على نجاح جهود توحيد الصفوف عموماً استناداً إلى تشريع واحد. لا يمكن حصول ذلك في زمن الأزمات».

بغض النظر عن النتيجة النهائية، قد تصل أي مساعدات إضافية للشركات بعد فوات الأوان في حالات كثيرة، وقبل تفشي فيروس كورونا، كان فينغ نغويين (55 عاماً) يملك مطعمَين فيتناميَين في شمال فرجينيا وهما معروفان محلياً بمرق حساء «فو» الفيتنامي اللذيذ. وُلِد نغويين في «سايغون» داخل عائلة حاربت السيطرة الشيوعية، ثم جاء إلى الولايات المتحدة كلاجئ وعمل في عشرات الوظائف في 10 ولايات قبل أن يعمل لحسابه الخاص. سبق أن اضطر لإقفال أحد المطاعم في أكتوبر الماضي بعدما تراجعت المبيعات بسبب أزمة كورونا كما يقول، واليوم، طالبه مالك مطعمه الآخر «سايغون 1975» بتسليم المفاتيح في 31 يناير لأنه يعجز عن دفع الإيجار منذ أشهر.

سبق أن خسر نغويين منزله بسبب التراجع الاقتصادي، ولهذا السبب، اضطر للانتقال مع زوجته وأولاده الأربعة (تتراوح أعمارهم بين 16 و20 عاماً) إلى منزل مجاور يستأجرونه من أحد أصدقائهم. قدّم نغويين طلباً للاستفادة من «برنامج حماية الرواتب» في ثلاثة بنوك، لكن لم يقدّم له أي بنك المساعدة، ويضيف نغويين: «لقد فات الأوان، ففي هذه المرحلة، أصبحتُ مضطراً للبدء من الصفر، كما فعلتُ حين هربتُ من فيتنام ووصلتُ إلى الولايات المتحدة. لقد بدأت حياتي من الصفر، وها أنا أعود الآن إلى الحضيض، لكني لن أستسلم مطلقاً، بل سأتابع النضال».

براين بينيت وألانا أبرامسون - تايم

back to top