«ولا الضالين»

نشر في 22-01-2021
آخر تحديث 22-01-2021 | 00:06
 د. فيصل ملفي المطيري التاريخ يعيد نفسه لأنه يؤمن فقط بأن سنّة الله في الحياة هي الحقيقة الوحيدة التي نقبلها بلا جدل، ولأنه دائماً يؤكد في سرده القصصي ويذكرنا بتمرد البشر على تلك الحقيقة دون تردد أو كلل. بمعنى، أن التاريخ اعتاد على تناول هذا الموضوع درامياً بمفاهيم الخير والشر، والحق والباطل، كأحداث متسلسلة تكررت منذ الخليقة وفق سيناريو معروف النهاية، ويحرص في كل مرة أن يصف بدقة إصرارنا على التصرف بشكل منشق وغير متناغم معها.

يحاول التاريخ جاهداً أن يثبت لنا أن سنّة الله في الحياة تسمح لنا بخلق عالم خاص بنا طبقاً لخصائصنا، ولا تحرمنا من العيش والاستمتاع في أسعد تفاصيله، وإنها لا تمنعنا أبداً أن نكون أنفسنا ولا تجبرنا أن نكون كالآخرين، وإنها فقط تذكرنا بأخطائهم واستنكار ما آلت اليه تصرفاتهم لنقرر بأنفسنا ما ينبغي علينا فعله. وبالرغم من صدق وثبات تلك الدروس تعودنا على التذاكي والخروج عن النص وتجاهل جميع الشواهد الإنسانية ذات الأخطاء والنهايات المتشابهة التي غصت بها كتب التاريخ على مر العصور.

في ظروف سياسية غامضة، تشكل لدي ما يكفي من الدوافع لأكتب حول هذه المسألة، لأنها ببساطة متعلقة بالبقاء والاستقرار والشروط القياسية اللازمة للأمن والأمان والطمأنينة والعيش الهانئ في كنف الأوطان. وحتى أقاوم غربة العقل وشح الأماني والأحلام، وأحافظ على ما تبقى من ملامحي الوطنية المتعطشة للعدل والأمل والإنجاز والفخر بالانتماء، فإني أكتب التالي: ما يحدث في الكويت الآن ليس صحيحاً، والتصديق عليه جريمة تاريخية قبل أن تكون وطنية، ستلومنا عليه أجيال من بعدنا تبرع في قراءة التاريخ لكنها لن تملك ما نملكه الآن من فرص، أجيال ستصفنا يوماً بالعجز عن التفكير والتدبير ما لم يثبت لديها تعمدنا خيانة الأمانة وضياع الإرث على أقل تقدير.

أتساءل: نحن في الكويت نعيش في دولة صغيرة غنية، نعيش كقلة في بلادنا، نقدّر ونجلّ ونحترم بالحسنى كل خيط في نسيجنا الاجتماعي وفي مقدمتهم حكامنا. نعيش بطريقة مختلفة عن جيراننا، لا نعاني عقداً خلّفتها تناقضات الماضي والحاضر كما إيران، ولا نشكو من دسائس الطوائف والشقاق الاجتماعي كما هي الحال في العراق، وعلى كل حال، لا نملك أراضي شاسعة، ممتدة، ينتشر عليها عشرات الملايين من البشر في كل الاتجاهات ضمن ثقافات متعددة ومتنوعة تتطلب إطاراً خاصاً للحكم والسيطرة كالمملكة العربية السعودية. فما ضالتنا؟

أي إجابة ستخطر في ذهنك حول تلك الضالة تستدعي الاعتراف بالفشل، وستغمرك بالخجل، وستجعلك تتحسب القدير وتتمتم عفوياً بدعاء سيدنا الحبيب، اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل، والبخل والجبن، وضلع الدين، وغلبة الرجال. أي إجابة ستقودك للتأمل والتفكر حول تساؤلات بدهية، مثل، من هم الحكماء ومن هم الغوغاء؟ ومن منا يملك الأدوات والقدرة على التغيير؟ ومن فينا يستطيع أن يحطم أصنام السياسة النمطية، والإدارة التقليدية والاستراتيجيات السطحية في التعامل مع الشعب والدستور؟ بكل تأكيد ستنتهي باللهم أنعم علينا بنعمة العقل والرزانة واهدنا، واعف عنا، ولا تجعلنا من المغضوب عليهم "ولا الضالين".

د. فيصل ملفي المطيري

back to top