إرث دونالد ترامب ... تغييرات سياسية تاهت وسط الصخب

نشر في 21-01-2021
آخر تحديث 21-01-2021 | 00:00
الرئيس السابق دونالد ترامب
الرئيس السابق دونالد ترامب
عندما ألقى الرئيس السابق دونالد ترامب خطاب التنصيب في 20 يناير 2017 تعهّد بوقف "المذبحة الأميركية"، مؤكدا أنه الوحيد القادر على إصلاح أمة معطلة تواجه واقعا كئيبا. وربما أكثر ما سيذكره الناس من "إرث ترامب"، استخدامه "تويتر" منبراً لإذكاء الجدل أو لتخويف الخصوم. لكن الصخب الذي أحدثته تغريداته، غالباً ما صرف الانتباه عن التغييرات السياسية الكبرى التي قام بها خلال فترته الرئاسية على مدى 4 سنوات.

ومع اختتام رئاسته، أمس، يخلّف ترامب وراءه بلدا أكثر انقساما يموت فيه الآلاف يومياً بـ "كورونا"، فضلا عن اقتصاد تضرر بشدة وعنف سياسي متصاعد.

لم يخلق ترامب الفروق الشاسعة التي باتت تصبغ الحياة الأميركية، إلا أنه استغل الكثير منها وجعلها أدوات لبناء قاعدة قوته، متعهدا رفع مستوى أهل الريف والطبقة العاملة الأوسع التي قال إنها تعرّضت للإهمال من جانب مؤسسة الدولة في واشنطن.

وعندما سار آلاف من أنصاره الغاضبين، وهم في غالبيتهم العظمى من البيض، صوب مبنى الكونغرس (الكابيتول) في 6 يناير كانوا مدفوعين بمزاعم كاذبة رددها ترامب عن سلب الانتخابات. وتسببت أحداث الشغب التي أعقبت اقتحام "الكونغرس" في مقتل ضابط شرطة وأربعة أشخاص وإصابة عشرات آخرين، وأحدثت هزة عنيفة في وجدان الشعب الأميركي.

كما انضوى تحت راية ترامب بعض جماعات اليمين المتطرف. وكان من بين مثيري الشغب الذين تجمّعوا عند مبنى "الكابيتول" عناصر أكثر تطرفا في قاعدته الشعبية، مثل أعضاء حركة "كيو آنون" التي تعتنق نظرية مؤامرة تزعم أن ترامب يحارب زمرة من الديمقراطيين من عبدة الشيطان المتحرشين بالأطفال وآكلي لحوم البشر.

ورسم استخدام تعبير "المذبحة الأميركية" في خطاب تنصيبه صورة بائسة اعتبرها كثير من الديمقراطيين تضخيما، لكنها لقيت صدى واسعا لدى هذه القاعدة وأيضا لدى فقراء الريف الأميركي.

ومع مغادرة ترامب البيت الأبيض، فإن جزءا رئيسيا من إرثه سيكون على الأرجح شعبا أكثر تباعدا عن بعضه بعضا، سياسيا وثقافيا، عمّا كان عليه عندما تولى السلطة.

ويقول خصوم ترامب إن العرق يمثّل المحور الرئيسي لهذا الانقسام. ففي أوائل فترته الرئاسية قاوم، في بادئ الأمر، التنديد بالقوميين البيض بعد تجمّع لعهم أعقبته اشتباكات دامية في تشارلوتسفيل بولاية فرجينيا عام 2017، مما أذكى تكهنات بأنه يتعاطف مع قضيتهم. وغالبا ما كان خطابه الشعبوي المفعم بالعبارات الرنانة يؤدي إلى تفاقم الأزمات العرقية التي نجمت عن مقتل مواطنين سود على أيدي الشرطة.

ويجادل أنصار الرئيس السابق بأنه جاء ليصحح ما فعلته الإدارات السابقة من الحزبين والتي أهملت الفقراء والطبقة العاملة والمناطق الريفية التي عانت كثيرا طوال العقود الماضية. وقاعدة التأييد هذه ما زالت واسعة، وهو إرث آخر على الأرجح من حقبة ترامب.

كما أن رفضه الإقرار بالهزيمة والاعتراف بفوز منافسه الديمقراطي جو بايدن وتشجيع أنصاره على التوجه إلى مبنى "الكابيتول"، يعني أن فترته الرئاسية انتهت وسط دوامة من الأكاذيب استقرت في وجدان ملايين الجمهوريين على نحو يشكل تحديا خطيرا أمام الإدارة الجديدة لكسب ثقتهم.

ورفض المتحدث باسم البيت الأبيض، جود دير، فكرة أن إرث ترامب مهترئ.

وقال دير: "يترك السلطة وقد جعل أميركا أقوى وأكثر أمنا وأمانا".

وأعطى ترامب في الواقع عددا من الأولويات لحزبه الجمهوري، وبالتعاون مع زعيم الغالبية الجمهورية بمجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل، أجرى ترامب تغييرات على القضاء ليضفي عليه صبغة محافظة أكثر بتعيين 3 من قضاة المحكمة العليا، والتعجيل بتعيين أكثر من 200 من القضاة الاتحاديين.

كما اتخذ قرارات بإعفاءات ضريبة واسعة للشركات. وتوسع الاقتصاد بوتيرة أسرع مما حدث في عهد سلفه باراك أوباما، وهبطت معدلات البطالة لنسب قياسية.

لكنّ الاقتصاد الذي كان ترامب يأمل بأن يصبح أقوى بوق دعاية له في حملة إعادة انتخابه تهاوى تحت وطأة سلسلة من إجراءات العزل العام وعمليات الإغلاق لكبح جائحة "كورونا" التي ألقت بالبلاد في أتون أسوأ انكماش في نحو 100 عام، مع ارتفاع قياسي في معدلات فقدان الوظائف. كما أن الدين العام الذي تضخم في عهده زاد أكثر في عامه الأخير في الرئاسة.

وكان ترامب يخطب ودّ قاعدته الشعبية بشنّ حملة على الهجرة غير الشرعية، لكن المنتقدين نددوا بنهجه ووصفوه بأنه بالغ القسوة.

وكانت إقامة جدار على طول الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك تعهدا أساسيا في حملته الانتخابية عام 2016. وتم بناء أقل من نصف الجدار الذي تعهّد به، والذي يبلغ طوله ألف ميل، معظمها في أماكن كانت بها حواجز قائمة بالفعل. كما أن المكسيك لم تدفع ثمن الجدار مثلما وعد.

وفي الخارج، قام ترامب بتفعيل أجندته التي تحمل شعار "أميركا أولا". وقام بإلغاء أو تعطيل اتفاقات متعددة الطرف، فانسحب من اتفاقية باريس للمناخ، ومن الاتفاق النووي مع إيران. كما قوضت إدارته تحالفات راسخة، مثل منظمة حلف شمال الأطلسي، واستعدَت شركاء تقليديين واسترضت حكاما شموليين، مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون.

لكن ترامب حظي بإشادة الجمهوريين وكثير من الديمقراطيين لاتخاذه موقفا أشد صرامة إزاء الصين، فقد فرض تعريفات جمركية بمليارات الدولارات على وارداتها، وعقوبات على مسؤولين كبار بسبب حملة قمع في هونغ كونغ، وعقوبات على شركات اتصالات صينية. لكن إدارته واجهت انتقادات بسبب إشعال فتيل حرب تجارية مع بكين، وانتهاج خطاب حماسي يعج بلغة طنانة تعود إلى زمن الحرب الباردة.

كما لقي ترامب إشادة لتوسطه في اتفاقات تاريخية لتطبيع العلاقات بين إسرائيل وأربع دول عربية كانت يوما من أعدائها. وخفض القوات الأميركية في مناطق الصراع، مثل أفغانستان والعراق وسورية، رغم أنه أخفق في الانسحاب تماما من "حروب بلا نهاية"، مثلما وعد في حملته الانتخابية عام 2016.

back to top